تناول الكاتب الشهير مايكل هيرش في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز الأسباب التي قادت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى الخسارة أمام الرئيس السابق، دونالد ترامب في سباق الانتخابات الرئاسية.
وفقًا لهيرش، تعكس هذه الخسارة تباينًا في استراتيجيات الحملتين وتغيرات في أولويات الناخبين الأمريكيين، حيث لم تتمكن حملة هاريس من تلبية تطلعات الفئات العمالية وتجاوز الانتقادات التي وجهت إلى إدارة بايدن.
افتقاد الثقة والرسائل المتماسكة
أشار هيرش إلى أن هاريس، وحزبها الديمقراطي، لم يتمكنا من استعادة ثقة الطبقة العاملة، وهي الفئة التي مالت إلى ترامب نتيجة سياساته الشعبوية. واعتبر هيرش أن هاريس أخفقت في تقديم رسالة سياسية متماسكة تبرز كيف ستكون خيارًا أفضل من ترامب، حيث أمضت جزءًا كبيرًا من حملتها في انتقاد ترامب واعتباره غير مؤهل للرئاسة دون تقديم بديل واضح، كما أخفقت في إيجاد طريقة ذكية للابتعاد عن رئيسها بايدن، الذي تراجع شعبيته بشكل كبير.
ويرى هيرش أن قصر الفترة بين ترشيح هاريس وبداية عملية الاقتراع لعب دورًا سلبيًا في فرصها الانتخابية. إلى جانب ذلك، كانت الحملة الديمقراطية موالية لما يسمى بـ”ثقافة الاستيقاظ” التي تشمل قضايا المتحولين جنسيًا وغيرها من الحريات الشخصية، وهي قضايا يرفضها جزء كبير من الناخبين الأمريكيين، ويرى هيرش أن هذه القضايا أضرت بصورة الحزب الديمقراطي، وأتاحت لترامب فرصة لتقديم هاريس على أنها ممثلة لـ”اليسار المتطرف”.
التضليل الإعلامي وسلاح السخرية
أوضح هيرش أن ترامب قضى سنوات طويلة في بناء صورته الذاتية من خلال حملات إعلامية تضليلية اعتمدت على السخرية والهجوم الشخصي على منافسيه، بما في ذلك هاريس. وبدلاً من أن تؤثر الاتهامات الجنائية العديدة التي واجهها سلبًا عليه، بدا وكأن الناخبون اعتادوا على سماع هذه التهم وتجاهلوها، ما أفقدها قوتها وتأثيرها.
وتطرّق هيرش إلى ضعف هاريس في إبراز رؤيتها السياسية، حيث أمضت وقتًا كبيرًا في محاولة إثبات عدم صلاحية ترامب للرئاسة، لكنها لم تخصص الوقت الكافي لتوضيح ما ستقدمه هي. ورغم تمكنها من التفوق على ترامب في مناظرتهما الوحيدة في سبتمبر وجمعها أكثر من مليار دولار من التبرعات خلال فترة قصيرة، إلا أن حملتها تعثرت عند طرح القضايا الحرجة مثل الاقتصاد والهجرة. كما أن محاولاتها اللاحقة لتصحيح موقفها بشأن الابتعاد عن إدارة بايدن لم تؤتِ ثمارها.
نقطة التحول.. إجابة غير موفقة
سلّط هيرش الضوء على ما أسماه “نقطة التحول” في حملة هاريس، والتي وقعت عندما طُرحت عليها في مقابلة مع “بوليتيكو” سؤالًا بسيطًا حول ما إذا كانت قد اتخذت موقفًا مغايرًا لبايدن في السنوات الأربع الماضية، فأجابت بأنها لا تتذكر أي شيء، ما أربك فريقها الانتخابي وأحدث ضررًا كبيرًا. وعلى الرغم من أنها حاولت لاحقًا تصحيح هذا الخطأ بالقول إن إدارتها لن تكون امتدادًا لإدارة بايدن، إلا أن الضرر كان قد حدث.
وأشار هيرش إلى أن إدارة بايدن كانت تحت وطأة انتقادات شديدة، حيث رأى ثلثا الناخبين أو أكثر أن البلاد كانت تسير في اتجاه خاطئ. وبهذا الميراث الثقيل من عدم الرضا، وجدت هاريس نفسها عاجزة عن التحرر من تأثير هذه الصورة السلبية. وكان انسحاب بايدن المتأخر من السباق الرئاسي قد ترك هاريس أمام مسؤولية غير متوقعة لقيادة الحملة في فترة قصيرة، وهو ما لم يمنحها فرصة كافية لتقديم نفسها للناخبين.
التعود على الأخبار السلبية وتحدي ترامب
تطرّق هيرش إلى دور الحملات الإعلامية السلبية والتغطية المستمرة لاتهامات ترامب، حيث بدا أن قاعدته الانتخابية قد اعتادت على هذه الاتهامات ولم تعد تؤثر على دعمه. فرغم مواجهته لـ91 تهمة جنائية، أدين بـ34 منها، وتم مساءلته برلمانيًا مرتين، لم يعد لهذه القضايا تأثير يُذكر على صورته أمام أنصاره.
ويصف هيرش ترامب بأنه يمتلك موهبة فريدة في تصعيد الجدل الإعلامي، حيث كان يجد دائمًا طريقة ليكون حديث الساعة بتصريحاته المثيرة للجدل، ما جذب المزيد من المتابعين. وأشار هيرش إلى أن أساليب ترامب في إطلاق الألقاب الساخرة على هاريس مثل “منخفضة الذكاء” و”كامالا المجنونة” و”الرفيقة كامالا” قد حصلت على تغطية إعلامية واسعة ساهمت في تعزيز صورته كمنافس شرس.
دور التزييف الإعلامي والاستقطاب السياسي
يرى هيرش أن حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2024 عكست حالة من الاستقطاب الأقصى في الحوار السياسي، حيث تزايد الاعتماد على الروايات الكاذبة و”الميمات” المختلقة والتزييف الإعلامي، الذي ساهم فيه ترامب بحملاته التضليلية. وقد وصف هيرش الوضع بأنه أصبح بمثابة “عالم أورويلي”، حيث كان ترامب مروجًا فعّالًا للكراهية ومدعومًا من قاعدته الجماهيرية.
وتناول هيرش تأثير التدخلات الأجنبية في الانتخابات الأمريكية، حيث أشار إلى أن خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا والصين وإيران قد زادوا من تعقيد عمليات نفوذهم الإعلامي خلال السباق الانتخابي. وفي الوقت ذاته، خفضت شركات التكنولوجيا الأمريكية جهودها الرقابية على المعلومات الكاذبة، مما أفسح المجال لمثل هذه التدخلات.
واختتم هيرش تحليله بالإشارة إلى التغيرات الجذرية التي شهدها المشهد السياسي الأمريكي، حيث أصبحت القضايا الثقافية تلعب دورًا أكبر من القضايا الاقتصادية. ويرى هيرش أن توجه الحزب الديمقراطي نحو “ثقافة الاستيقاظ” كان مدمرًا لحملة هاريس، خاصة أن الجمهوريين نجحوا في تصويرها كمرشحة يسارية. وأوضح أن هذه التحولات قد أفقدت القضايا الاقتصادية قوتها أمام تصاعد القضايا الثقافية، كما أشار فريد زكريا في واشنطن بوست، الذي اعتبر أن “أقوى اقتصاد في العالم لم يفد هاريس أو بايدن، بل كان عبئًا على حملتهما”.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2038572