في ظل المساعي الدبلوماسية الأخيرة، اجتمعت وفود من الولايات المتحدة وأوكرانيا في جدة بالسعودية، لتمهيد الطريق نحو وقف إطلاق النار، في خطوة يأمل البعض أن تكون مقدمة لاتفاق سلام شامل، ويبدو أن أوكرانيا قد استجابت للضغوط الأمريكية، لكن يظل التساؤل: هل سيقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوقف القتال؟
ومن منظور استراتيجي، لا يوجد سبب يدفع بوتين إلى قبول وقف إطلاق النار في هذه المرحلة. فالتاريخ العسكري الكلاسيكي يؤكد أن القائد الذي يمتلك زمام المبادرة على الأرض يجب أن يستمر في الضغط العسكري حتى يحقق أقصى قدر من المكاسب السياسية، حسب تحليل لمجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية.
هل يمكن أن تجبر أوكرانيا بوتين على التفاوض؟
حتى اللحظة، تمتلك موسكو اليد العليا في شرق أوكرانيا، ما يجعلها في موقع يسمح لها بمواصلة الضغط حتى تصل إلى اتفاق بشروطها؛ فإذا استسلمت كييف الآن، ستكون التنازلات في صالح الكرملين. أما إذا استمرت الحرب لفترة أطول، فقد يؤدي الاستنزاف إلى إرهاق روسيا اقتصاديًا وعسكريًا، لكن هذا ليس بالضرورة سيناريو محتومًا على المدى القصير، وفق المقال المنشور في 14 مارس 2025 بالمجلة الأمريكية.
إذا أرادت أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون فرض وقف إطلاق النار، فعليهم أن يجعلوا استمرار الحرب خيارًا أكثر تكلفة على موسكو من قبول الهدنة. ويعتمد هذا على عدة عوامل، مثل التأثير المتزايد للعقوبات الاقتصادية واستنزاف الموارد العسكرية الروسية. لكن هذه العوامل بطيئة التأثير، ولا تزال روسيا قادرة على مواصلة القتال.
مقاربة بوتين.. استمرار القتال حتى النهاية
يرى المنظر العسكري الشهير كارل فون كلاوزفيتز أن إجبار العدو على الاستسلام يتطلب وضعه في موقف أكثر صعوبة مما يتطلبه تقديم التنازلات. وإذا لم يكن الضغط كافيًا، فقد يستغل العدو أي هدنة لإعادة ترتيب صفوفه وتعزيز موقفه التفاوضي.
بهذا المنطق، فإن بوتين لن يوقف الحرب إلا إذا وجد نفسه في مأزق عسكري لا يمكن تجاوزه، وهو ما لم يحدث حتى الآن، وبدلًا من ذلك، تواصل القوات الروسية تعزيز مواقعها، بينما تحاول أوكرانيا الصمود بدعم غربي، دون أن تتمكن من تحقيق اختراق استراتيجي في الجبهات الرئيسية.
دروس من التاريخ: هل يتكرر سيناريو الحرب الكورية؟
يمكن مقارنة الوضع الحالي بما حدث خلال الحرب الكورية (1950-1953)، حيث كانت الولايات المتحدة وقوات الأمم المتحدة قد أحرزت تقدمًا كبيرًا ضد كوريا الشمالية، لكن الضغط الصيني قلب المعادلة.
وفي ذلك الوقت، اضطر الجنرال الأمريكي ماثيو ريدجواي إلى وقف التقدم بناءً على أوامر من واشنطن، ما أدى إلى مفاوضات استمرت عامين وانتهت بوقف إطلاق نار، وليس بمعاهدة سلام دائمة.
في ذلك الصراع، كان استمرار التقدم العسكري قد يزيد الضغط السياسي على العدو، وربما كان ليحقق نتائج أفضل على طاولة المفاوضات. هذه الفكرة تتوافق مع استراتيجيات بوتين الحالية، حيث يدرك أن استمرار القتال هو أفضل وسيلة لانتزاع تنازلات من أوكرانيا والغرب.
ماذا بعد؟
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن بوتين لن يقبل بوقف إطلاق النار إلا إذا أصبح استمرار الحرب غير ممكن عسكريًا أو اقتصاديًا. وحتى ذلك الحين، ستستمر روسيا في استغلال كل فرصة للضغط على أوكرانيا، سواء ميدانيًا أو على طاولة المفاوضات.
من وجهة نظر استراتيجية، فإن أي وقف لإطلاق النار في هذه المرحلة قد يكون مجرد استراحة مؤقتة للكرملين، وليس خطوة نحو سلام دائم.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2164069