اتسمت سياسة دونالد ترامب، خلال فترة رئاسته الأولى، تجاه إفريقيا بسلسلة من الأخطاء والقرارات المربكة في السياسة الخارجية، وتشكل عودته جرس إنذار للحكومات الأوروبية بأن بناء علاقة قوية مع القارة الأسرع نموًا في العالم أصبح أكثر أهمية من قبل.
وتميزت فترة ولاية ترامب الأولى في البيت الأبيض بـ3 حلقات أيقونية، فقد حدد الرئيس الـ45 اتجاهه في وقت مبكر بتعليقاته حول الدول الإفريقية بأنها “أوكار قذرة”، وأنهت ميلانيا ترامب بمحاولة يمينية أقل من ناجحة لإعادة قبعة البيسبول إلى الموضة في زيارة إلى كينيا.
تحول مراكز الصراع
أوضح المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب جعل محاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا ركيزة أساسية لسياسته الخارجية، ولكن في إفريقيا، حدث أمران متناقضان، زادت واشنطن ضرباتها بالطائرات المسيرة في الصومال بمستويات غير مسبوقة، وخفض ترامب بشكل كبير عدد القوات الأمريكية في القارة من 5000 إلى نحو 1500.
وأضاف، في تقرير نشره الأحد الماضي، أن مركز الصراع الإرهابي انتقل إلى منطقة الساحل في غرب إفريقيا، ولكن يبدو من غير المرجح أن يولي ترامب هذه المرة قادة الجهاديين في غرب إفريقيا نفس القدر من الاهتمام الذي يوليه لنظرائهم في الشرق الأوسط.
ورغم غموض موقف واشنطن من الأزمات الأمنية في القارة، إلا أن من المرجح أن يكون ترامب أقل استعدادًا لإنفاق أي رأسمال سياسي أمريكي ومحاولة دفع عملية السلام في السودان، بالإضافة إلى مواجهة نفوذ روسيا في إفريقيا، والذي يظل موقفًا متخفيًّا وراء الضبابية المحيطة بعلاقة ترامب الشخصية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
مواجهة الصين
أوضح تقرير المجلس أن قدرًا هائلًا من السياسة الأمريكية في إفريقيا سيعتمد على المسؤولين الذين يعينهم ترامب، والتوجه الذي يحدده، والقضايا التي تستحوذ على خيال إدارته، ومن الواضح أن “إيلون ماسك” المولود في جنوب إفريقيا، وحركة MAGA التي تؤسس القومية المسيحية لها تأثير واضح على تفكير ترامب، ومن الممكن أن يسلط هذا الضوء على قضايا مفاجئة.
وأضاف أن من المؤكد أن تنظر الولايات المتحدة إلى سياستها تجاه إفريقيا من خلال عدسة صينية، ففي عهد بايدن، بذل المسؤولون جهودًا حثيثة للتعامل مع إفريقيا وفقًا لشروطها، وليس دائمًا من خلال منظور سياسات القوى العظمى، ولكن مع وجود ترامب في البيت الأبيض، فإن انتزاع النفوذ من بكين سيكون في مقدمة ومحور نهج الإدارة تجاه إفريقيا.
ولفت إلى أن هذا يعني اعتراف واشنطن بأرض الصومال لمواجهة المكاسب الصينية في جيبوتي، حيث لكل منهما وجود عسكري دائم، ولكن الأمر سيظل صعبًا بالنسبة لواشنطن، فقد بلغ حجم التجارة الأمريكية مع القارة نحو 47.5 مليار دولار في عام 2023، مقارنة بنحو 283.1 مليار دولار بين الصين وإفريقيا.
قانون النمو والفرص
أشار التقرير إلى أن بعض الرؤساء الأفارقة، الذين لا يثقون في الدعم الغربي لبرامج المجتمع المدني، قد يقدر تغيير اسم اللعبة من “التنمية والتعددية” إلى “المعاملاتية والثنائية”، وسينظرون إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من خلال استراتيجية “أمريكا أولا”، وسيتم موازنة كل دولار ينفق بما يجلبه استثماره لشركات البلاد ومواطنيها ومصالحها.
ولا يبدو أن قانون النمو والفرص في إفريقيا، الذي أطلقته الولايات المتحدة عام 2000 بهدف توفير إمكانية الوصول المعفى من الرسوم الجمركية لبعض المنتجات الأمريكية، يتماشى مع دعوة ترامب لجعل “أمريكا عظيمة مرة أخرى” بشأن الرسوم الجمركية، وإذا ألغاه ترامب في 2025، فسيكون له آثار كارثية على إفريقيا عامة وعلى جنوب إفريقيا بالأخص.
سياسة أوروبية منسقة
مع غموض السياسة الأمريكية المستقبلية تجاه إفريقيا، فإن إعادة انتخاب ترامب تؤكد الحاجة إلى سياسة أوروبية إفريقية منسقة ومتبادلة بشأن القضايا الاستراتيجية الكبرى، ولم يعد بوسع أوروبا ولا إفريقيا الاعتماد على واشنطن العقلانية والمتزنة بعد الآن. ولكن إذا وضحت التوجهات الاستراتيجية ستعزز روح التعاون بين القارتين من جديد.
وأوضح التقرير أن أكثر المجالات وضوحًا هو المجال الأمني، فمساحة كبيرة تطل على الجناح الجنوبي الأوروبي، تمتد من مالي إلى السودان، تشتعل بالصراعات المختلفة، وتقف أوروبا عاجزة عن الإبحار في عالم متصدع من التضليل والمرتزقة والانقلابيين، ولم تتجاهل الخلافات لتصبح قوة فعالة من أجل السلام والاستقرار.
وأضاف أن على القادة الأوروبيين ألا يبالغوا في إثارة الهلع، فهناك تحديات صعبة، ولكنها ليست مستعصية على الحل، ويسلط إعادة انتخاب ترامب الضوء على الحاجة إلى بقاء أوروبا منخرطة في منطقة الساحل قدر الإمكان، وإلقاء ثقلها وراء عملية السلام في السودان، والتغلب على الانقسامات التي غالبا ما تجعل أوروبا أقل شأنًا من مجموع أجزائها.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2065839