لولا رئيسًا للبرازيل.. هل عادت صحوة اليسار بأمريكا اللاتينية؟

محمد النحاس

خاض الزعيم البرازيلي، لولا دا سيلفا مسارًا حافلاً، من الرئاسة إلى المعارضة، ومن ثم إلى السجن، ثم عاد مجددًا للرئاسة، فهل نشهد موجة الصعود الثاني لليسار بأمريكا الجنوبية؟


أدى الرئيس البرازيلي الجديد، اليساري لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، اليمين الدستورية، خلفًا لسلفه اليميني المتشدد، جايير بولسونارو.

وتعد هذه الولاية الثالثة للزعيم اليساري، بعد توليه فترتين بين عامي 2003 و2010، انضم بعدها إلى صفوف المعارضة، وسجن لعام ونصف العام، ويأتي عودة لولا دا سيلفا في وقت تشهد أمريكا اللاتينية صعودًا متزايدًا لليسار، منذ عام 2019.

ولاية تاريخية

يصف مراقبون هذه الولاية بالتاريخية، لأنها تأتي بعدما شهدت البرازيل حالة استقطاب حاد، أشاعها اليمين الشعبوي، إبان حكم بولسونارو، الذي ترك البلاد مثقلةً بالديون، ومع معدلات فقر غير مسبوقة، وعلى النقيض مما تركها لولا بعد ولايته الثانية.

Brazil Election 51788.jpg a09e0 c0 234 5616

الزعيم اليساري خاض مسارًا سياسًا حافلاً وتعرض للسجن في عهد سلفه اليميني

وعلى مدار يوم أمس الأحد، شهدت العاصمة البرازيلية احتفالات شارك فيها مئات الآلاف، تزامنًا مع مراسم تنصيب لولاد دا سيلفا، وسط حضور أمنيٍّ مكثف، بعد تهديدات من أنصار اليمين المتطرف بمنع التنصيب، وفق ما ذكره تقرير نشرته شبكة “سي إن إن” الأمريكية.

وشارك في مراسم التنصيب دبلوماسيون ومبعوثون أجانب ورؤساء دول أجنبية، وكذلك حضر الاحتفال ملك إسبانيا، فيليب السادس. وكان لافتًا كذلك حضور ممثلي عدة دول بأمريكا اللاتينية.

AP01 02 2023 000001A

سابقة لم تحدث منذ 38 عامًا

جرت العادة على أن يُسلم الرئيس، الذي يغادر قصر “بالنالتو”، سلفه الوشاح الرئاسي، إلا أنّ الزعيم اليميني الشعبوي، بولسونارو، غاب عن المراسم في سابقة لم تحدث منذ 38 عامًا، بعد أن توجه إلى الولايات المتحدة.

وينكر الزعيم اليميني نتيجة الانتخابات، زاعمًا أنه المنتصر في الاستحقاق. في حين يدعو أنصارُه الراديكيليون إلى انقلاب عسكري.

إعادة بناء الدولة

توجه لولا بالشكر إلى الشعب البرازيلي على الثقة في قيادته، متعهدًا بإعادة بناء الدولة، وشدد على أن الديمقراطية هي الفائز الأكبر خلال هذا الاستحقاق، متوجهًا بالنقد لإدارة سلفه “التي استخدمت موارد البرازيل لتعزيز سلطة اليمين”.

full

وشهدت البلاد خلال حكم الرئيس السابق تراجعًا اقتصاديًَا وأزمات متتالية اجتماعية واقتصادية. واتهم لولا الإدارة السابقة بإهدار موارد البلاد، وتردّي الصحة العامة والتعليم والثقافة، و”حتى البيئة لم تسلم من سوء إداراتهم”. وفي يومه الأول، ألغى مجموعة من الإجراءات، التي اتخذتها الإدارة السابقة، ومدد التسهيلات الضريبية على الوقود.

إجراءات أمنية

تعيش البرازيل على وقع استقطاب حاد، بعد تهديدات من أنصار اليمين المتطرف بمنع تنصيب لولا، ما دفع قوات الأمن للانتشار الكثيف، وتحدثت تقارير محلية أن العاصمة برازيليا انتشر بها قرابة 10 آلاف رجل أمن لتأمين تنصيب الرئيس الجديد للبلاد.

وتجمع آلاف من أنصار اليمين المتطرف على مدار الأسابيع الماضية، واعتصموا أمام بعض الثكنات العسكرية، مطالبين الجيش بالتدخل والانقلاب على نتيجة الاستحقاق. وأمرت المحكمة العليا بفرض حظر على حيازة الأسلحة النارية بالعاصمة لمدة 4 أيام، في حين ألقت قوات الأمن القبض على أحد مرتادي حفل التنصيب، وكان يحمل متفجرات وسكينًا.

221228162722 brazil demonstrator 122822

تغيير جذري

تعهد لولا بإنشاء وزارة تعزيز المساواة العرقية، وذلك تعزيزًا للعدالة ولإنهاء اللامساواة التي تلحق بالأقليات داخل البلاد، والاهتمام بالصحة والتعليم والثقافة.

230101143115 06 lula inauguration 010123

ووعد بتغيّر جذري في سياسة البيئة، مشيرًا إلى عزمه على إنهاء سياسة قطع أشجار الغابات، التي انتهجها سلفه، والحدّ من الغازات الدفيئة، وأضاف أن البرازيل لديها من الموارد ما يساعدها على الانتقال إلى الصناعة الخضراء والأنشطة الصديقة للبيئة.

عودة المد الوردي

منذ 20 عامًا، شهدت أمريكا الجنوبية صعودًا للتيارات اليسارية، وأطلق مناصروها على هذه الموجة “المد الوردي”، في حين سماه الغرب “الغزو اليساري للسلطة”. ولكن منتصف العقد الماضي، بدا أن هذه الحقبة انطوت، وصعد اليمين الشعبوي في البرازيل 2016، والأرجنتين وتشيلي 2018، وأُطيح باليسار في بوليفيا عام 2020.

غير أن صندوق الاقتراع كثيرًا ما يأتي بالمفاجأت، وعاد “المد الوردي” من جديد، بداية من عام 2019 في المكسيك والأرجنتين، وفي بوليفيا بعد ذلك بعام، وفي العام التالي انضمت بيرو وهندوراس للمد اليساري. وبداية 2022 في تشيلي، ومنتصف ذات العام في كولومبيا، وأخيرًا تنصيب لولا دا سيلفا، في ما يبدو أنه صحوةً يسارية جديدة بالقارة اللاتينية.

ربما يعجبك أيضا