«محاكاة» تكشف كيف سيحدث الغزو الصيني لتايوان

آية سيد
الغزو الصيني لتايوان

أجرى خبير محاكاة الحرب البريطاني، الرائد توم موات، محاكاة للغزو الصيني لتايوان، مستعرضًا كيف ستحدث الحرب والأدوار التي ستضطلع بها الولايات المتحدة وحلفاؤها.


بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير الماضي، أعرب الكثير من الخبراء والمحللين عن قلقهم من إقدام الصين على غزو تايوان.

وأجرى خبير محاكاة الحرب البريطاني، الرائد توم موات، محاكاة للغزو الصيني لتايوان، مستعرضًا كيف ستحدث الحرب والأدوار التي ستضطلع بها أمريكا وحلفاؤها، في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، الجمعة 23 ديسمبر 2022.

حرب حقيقية

قال منسق اللعبة، توم موات: “لقد وصلنا إلى حرب حقيقية، وهو أمر محبط بالفعل، فعندما تتواجه طموحات بكين للسيطرة مع التزام جارتها الديمقراطية بالحكم الذاتي، يقترب الصراع من الحدوث”. ثم يتراجع الجميع. ولكن هذه المرة، توجد سلسلة من “التصريحات الصينية، و(الحرب في) أوكرانيا غيرت التوازن”، على حد تعبير موات.

وفي أثناء إجراء لعبة المحاكاة، في 9 نوفمبر الماضي، أخبر الرئيس الصيني، شي جين بينج، قيادات جيشه بـ”تعزيز التدريبات العسكرية استعدادًا للحرب”، ما عدّه المراقبون تحذيرًا للولايات المتحدة، التي تساعد في تسليح تايوان وتحافظ على سياسة “الغموض الاستراتيجي” تجاه الجزيرة.

لعبة المحاكاة

أجرى موات المحاكاة في مقر عمله بأكاديمية الدفاع بالمملكة المتحدة، وفق مراسل “فورين بوليسي”، نيل روبنز. وكان يجلس حول الطاولة بصحبة شخصيات عسكرية وأكاديمية بريطانية وأمريكية، رفضوا الكشف عن هوياتهم لأسباب أمنية.

وفي المحاكاة، لعب هؤلاء الأشخاص أدوار القيادة الصينية، والجيش الصيني، وحكومات الولايات المتحدة، وتايوان، وأستراليا واليابان. وحدد كل منهم أهدافه السياسية السرية واقترحوا تباعًا أي شيء يريدون حدوثه سعيًا لتحقيق أهداف بلادهم.

الهدف من ألعاب المحاكاة

حسب “فورين بوليسي”، يستخدم الدبلوماسيون، والمحللون السياسيون، وكبار المسؤولين العسكريين هذا النوع من ألعاب محاكاة الحرب لاكتشاف كيف يمكن أن تتطور الصراعات، وأيضًا لـ”التعبير عن الأمور التي يعرفون أنها صحيحة ولكنهم مترددون في قبولها”، وفق خبير محاكاة الحروب في مؤسسة “راند”، ديفيد شلاباك.

ولفتت المجلة، في تقريرها، إلى أن هذا النوع من ألعاب المحاكاة ساعد في تحليل الكثير من المآزق العالمية، ويُنسب إليها الفضل في لعب دور رئيس في هزيمة غواصات “يو بوت” الألمانية في الحرب العالمية الثانية. ويدير موات ألعابًا سرية لصناع القرار في بريطانيا وغيرها من الدول، ويلعب هواة اللعبة أيضًا النسخ غير السرية التي نشرها موات على الإنترنت.

محاكاة غزو تايوان

بدأت اللعبة، التي استخدمت مواد إحاطة غير سرية، نظرًا إلى وجود محرر “فورين بوليسي”، في الوقت الحاضر بدفع اللاعب الممثل للحكومة الصينية لسياسة التوحيد عبر الضغط الاقتصادي، ولم يعترض أحد من اللاعبين.

وبدورها، مددت تايوان فترة الخدمة العسكرية الإلزامية لتعزيز قواتها. وأرسلت واشنطن وفدًا اقتصاديًّا إلى بكين، على أمل نزع فتيل التوترات، ولكن اللاعبين الآخرين والمراقبين عدّوها خطوة غير موفقة، ثم انتقلت اللعبة إلى العام التالي.

وعززت الولايات المتحدة تدريباتها البحرية العسكرية مع أستراليا، واليابان، والدول الأخرى قبالة ساحل الفلبين. وردًّا على هذا، قدمت الصين استعراضًا كبيرًا للقوة في مضيق تايوان، مثل ما فعلت في أثناء زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، في أغسطس الماضي.

رفض الدبلوماسية

قفزت اللعبة عامًا آخر، وفيه بدأت الصين احتلالًا خفيًّا لجزر كينمن، بعد رفض مبادراتها الدبلوماسية تجاه تايوان. وأعلنت الولايات المتحدة إرسال أسلحة عالية التقنية إلى تايوان. ودافعت تايبيه عن كينمن وجزرها الساحلية الأخرى، التي تقع على خط المواجهة بألغام بحرية.

وردت الصين بحصار جوي وبحري، قطع سكان تايوان، البالغ عددهم 23.5 مليون نسمة، عن العالم الخارجي. وسمحت للمساعدات الإنسانية فقط بالدخول. ثم دخلت اللعبة العام 2025، واجتمعت الصين والولايات المتحدة وتايوان لإجراء مفاوضات، ولكنها سرعان ما تعثرت.

نهاية اللعبة

وفق تقرير “فورين بوليسي”، فإن غزو تايوان أصعب بكثير من الحرب الروسية الأوكرانية. ويرجع هذا إلى المضيق الذي يفصلها عن البر الرئيس للصين، والطقس القاسي الذي يجعل الغزو شبه مستحيل معظم شهور السنة، والمنحدرات الساحلية التي تحيط بها من كل جانب.

واعتقد اللاعب، الذي يمثل الحكومة الصينية، أن الوقت قد حان. لذلك أرسلت الصين قوات خاصة لأسر القادة التايوانيين المنتخبين في تايبيه، وبدأت إراقة الدماء. ولكن المضي قدمًا في الغزو الشامل يخاطر بخسائر هائلة في القوات الصينية، وكارثة أكبر في تايوان، واضطراب في توازن القوى العالمي.

ولكن الولايات المتحدة لا تزال مترددة، وغير مستعدة لإرسال قوات، وتصر على رفع الصراع إلى الأمم المتحدة، ما يستغرق أسبوعًا آخر. وهنا، تنتهي اللعبة. وحسب خبير ألعاب المحاكاة البريطاني، تستطيع هذه الألعاب إصابة الأمور 60%، وأفضل من تحليلات كثيرة، ولكن الهدف النهائي هو تحفيز “المحادثات الذكية”.

رأي المحللين

قال المحلل إيان إستون إن الحرب “قد تبدأ في أي وقت، وقد تسير بطرق تفاجئنا جميعًا”. ولكن الخبير بمؤسسة “راند” والمتخصص في شؤون شرق آسيا، شلاباك، استبعد التوقعات الأمريكية بحدوث الغزو في 2027، لافتًا إلى أن هذا “يخلط بين القدرة والنية”.

وقال: “الصين تزيد قدرتها بالتأكيد للتحرك ضد تايوان، ولكنها تدرك المخاطر الكامنة للغزو”، متوقعًا ألا يتغير الوضع الراهن في الـ10 سنوات المقبلة. وفي هذا الصدد، اتفق مدير معهد الصين بجامعة لندن، ستيف تسانج، في أن التحرك ضد تايوان سيحدث في غضون 10 إلى 20 عامًا، وسيكون “الخيار الأخير” للزعيم الصيني.

وحسب تسانج، يتعلق سلوك بكين بهدف أكبر من توحيد الصين، وهو “القضاء على استراتيجية الهندوباسيفيك الأمريكية” وتحويل تايوان إلى معقل للهيمنة الصينية المتنامية على المحيط الهادئ.

ربما يعجبك أيضا