مخترق وبلا قيادة.. هل يواجه حزب الله تهديدًا وجوديًّا؟

محمد النحاس
أزمة حزب الله

مع استمرار إسرائيل في عمليات الاغتيال واستهداف البنية التحتية للحزب، يبدو أن تل أبيب تراهن على إحداث تصدع داخلي يمكن أن يؤدي إلى انهيار الحزب من الداخل، أو على الأقل جعله غير قادر على مواصلة دعمه لحماس في الحرب الدائرة بغزة.


تشير الأحداث المتلاحقة خلال الأسبوع الماضي إلى أزمة غير مسبوقة داخل قيادة “حزب الله”، حيث تعرّض لضربات مركّزة من قبل إسرائيل بدأت بتفجيرات أجهزة “البيجر” والاتصال اللاسلكي مرورًا بهجمات ثقيلة الوطأة والتبعات.

وفي هجومها على الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الجمعة 20 سبتمبر 2024، اغتالت إسرائيل قائد العمليات الخاصة بالحزب إبراهيم عقيل، رفقة مجموعة من قادة فرقة الرضوان، التي تمثل قوات النخبة في الجماعة اللبنانية، فما طبيعة الأزمة التي أظهرتها هذه الضربات؟ وما مدى خطورتها؟ وكيف تؤثر على مستقبل الحزب؟

ضربات متكررة

هذه العملية ليست الاختراق الأول بطبيعة الحال، حيث سبقها تفجيرات استهدفت أجهزة البيجر يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي وتلاها تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي، الأربعاء، في هجمات تركت حاضنة الحزب الاجتماعية والشارع اللبناني في حالة من الخوف والقلق.

وبعد خطاب الأمين العام لحزب حسن نصر الله يوم الخميس بيوم واحد تعقيبًا على الهجمات، شنّت إسرائيل ضربتها القاسية على الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الحزب، والتي أدت لمقتل العشرات بينهم قادة ومسؤولين بارزين.

تلك الضربات المتتالية، والتي لا يكاد الحزب يفيق من واحدة حتى يتلقى ضربة أخرى تركته في موقف صعب، فمن جهة يتعين عليه إعادة توزان الردع، وترميم صورته التي تضررت في الداخل اللبناني بعد الضربات الأخيرة، ومن جهة أخرى تشي بخلل أمني واستخباري داخلي.

فراغ في القيادة

هناك أيضًا، تساؤلات حول وجود فراغ في صفوف القيادة بعد موجة الاغتيالات التي أنهكت الحزب والتي شهدت تحولاً تدريجيًّا خلال الفترة الأخيرة فبعد أن طالت القادة الميدانيين ومسؤولي الوحدات، ذهبت أبعد من ذلك، لتضرب القيادة العسكرية العُليا والصف الأول للحزب على شاكلة شكر وعقيل.

قيادة حزب الله

قيادة حزب الله

ولا يقتصر الأمر على الفراغ في الهيكل القيادي، فمن أبرز التحديات التي تواجه الحزب حاليًّا هي الاختراقات الأمنية والاستخباراتية التي تمكنت إسرائيل من تحقيقها؛ فموجة الاغتيالات تشير إلى خلل خطير في المنظومة الأمنية الداخلية للجماعة.

وفي حين أن الحزب يمتلك قاعدة عريضة من المقاتلين، إلا أن تعطيل القيادة الفاعلة يمكن أن يؤدي إلى فراغ قيادي يضعف قدرة الحزب على التنسيق بين وحداته المختلفة، كما أشار خبير الشؤون العسكرية نيكولاس بلانفورد، في تصريحات للنسخة الإنجليزية من موقع “فرانس 24”.

انكشاف استخباري

خبير الشؤون العسكرية، فهد الشليمي، أشار إلى أن هذه الاغتيالات تدل على انكشاف أمني واسع، وحسب ما كتب الشليمي في تغريدة له على موقع إكس، فإن ما يزيد من خطورة الوضع هو أن بعض من هؤلاء القيادات الأمنية قد يكونون جواسيس يعملون لصالح إسرائيل، وهو أمر يجعل القيادة في موقف حرج، إذ لا يمكن التحقق بسهولة من ولاء جميع أفراد الدائرة المقربة.

وتابع الشليمي مستدركًا بأن هذه الاغتيالات تفضح وجود “عناصر من الدائرة الأمنية والعملياتية في حزب الله يعملون كمصادر استخبارية عالية القيمة لدى مركز الاستخبارات الإسرائيلية”.

ضربات مؤثرة

الشليمي ذهب أبعد من ذلك مؤكدًا أن “إسرائيل أحدثت خسائر مؤثرة للغاية داخل الهيكل التنظيمي لحزب الله”، وهو ما يجعل الحزب “مشلولًا” من حيث القدرة على قيادة وإدارة العمليات بشكل فاعل.

كانت إسرائيل قد شنت ضربة “إجهاضية” سبقت تنفيذ الحزب انتقامه لمقتل فؤاد شكر الشهر الماضي ما قوّض من فعالية الهجوم، كما أن معرفة إسرائيل موعد وأماكن إطلاق العديد من الصواريخ مكنها من ضرب عدد كبير منها فيما لم تبرح بعدُ مكانها، ما يعزز فرضية الاختراق الداخلي عالي المستوى.

وإجمالاً يمكن القول أن الهجمات المتتالية والاغتيالات الأخيرة وضعت قيادة الحزب في مأزق حقيقي، فالضربات المتلاحقة لم تستهدف فقط البنية التحتية أو العناصر العسكرية، بل استهدفت أيضًا روح التنظيم وهيكليته القيادية وحاضنته الشعبية.

تأثير “الفراغ في القيادة”

على الرغم من القدرات العسكرية الكبيرة التي يمتلكها حزب الله، إلا أن تعطيل منظومة القيادة والسيطرة قد يؤدي إلى اضطراب في اتخاذ القرارات، خاصة حال استمرار مسار التصعيد مع إسرائيل.

هذا الاضطراب يجعل الحزب في موقف حرج، حيث يكون أكثر عرضة لاتخاذ قرارات قد تجره إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، وهو أمر يبدو أن الحزب يحاول تجنبه في المرحلة الحالية.

خطوة للخلف

ومع استمرار إسرائيل في عمليات الاغتيال واستهداف البنية التحتية للحزب، يبدو أن تل أبيب تراهن على إحداث تصدع داخلي يمكن أن يؤدي إلى انهيار الحزب من الداخل، أو على الأقل جعله غير قادر على مواصلة دعمه لحماس في الحرب الدائرة في غزة.

أمام هذه التحديات، يبدو أن قيادة الحزب ستكون مضطرة إلى إعادة تقييم بنيتها الأمنية واستخباراتها الداخلية بشكل شامل.

الاعتراف بالاختراقات الإسرائيلية ليس كافيًا، بل يجب أن يكون هناك تحرك جذري لتدارك الخلل، ويتطلب إصلاح الثغرات الأمنية إجراءات صارمة تشمل إعادة هيكلة القيادات الأمنية والاستخبارية،وتطهير صفوف الحزب من العناصر المشكوك في ولائها، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للحزب تجاوز هذه الأزمة؟ الأيام الأسابيع القادمة ستجيب عن ذلك على الأرجح.

ربما يعجبك أيضا