تزداد التساؤلات في الوقت الحالي بشأن مستقبل إدارة غزة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية المدمرة التي عصفت بها، وما إذا كانت حركة حماس الفلسطينية مستعدة للتخلي عن حكم القطاع لصالح ترتيبات سياسية جديدة.
وتتعدد المواقف داخل الحركة بين تصريحات تؤكد استعدادها لمرونة سياسية، وأخرى تصر على أن حماس لن تغادر القطاع تحت أي ضغوط، وفي المقابل تواصل إسرائيل الضغط لإقصاء الحركة من أي دور مستقبلي، وبين هذه التوجهات المتناقضة، تبقى غزة عالقة في معادلة معقدة تتطلب حلولًا سياسية وإدارية قابلة للتطبيق.
حماس
غموض موقف حماس
تعيش غزة حالة من عدم اليقين بشأن ما سيؤول إليه الوضع بعد انتهاء الحرب، في ظل مطالبات إسرائيلية وأمريكية بضرورة إقصاء حماس عن أي دور مستقبلي في إدارة القطاع، كما تحظى هذه المطالب بدعم أطراف عربية ودولية ترى أن استمرار حكم حماس للقطاع قد يعرقل جهود إعادة الإعمار ويعقد المشهد السياسي الفلسطيني.
وحسب شبكة “سي إن إن”، السبت 15 فبراير 2025، أفاد مصدر مصري مطّلع على مفاوضات وقف إطلاق النار بأن “هناك اتصالات مصرية مكثّفة لتشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على عملية إغاثة القطاع وإعادة إعماره”، مشيرًا إلى أن “حماس تؤكد التزامها باتفاق وقف إطلاق النار بمراحله الثلاث، وعدم مشاركتها في إدارة القطاع خلال المرحلة المقبلة”، وفقًا لما نقلته قناة “القاهرة الإخبارية” الفضائية.
تناقض في التصريحات
بعد ساعات فقط من التأكيد المصري لعدم نية حماس المشاركة في إدارة غزة، خرج القيادي في الحركة أسامة حمدان بتصريحات تناقض هذا الطرح، حيث شدد على أن “حماس لن تتنازل عن غزة ولن تخرج منها تحت أي تفاهمات”، مؤكدًا أن “الحركة لن تقدم أي تنازلات ثمنًا لإعادة الإعمار”.
وقال حمدان في تصريحاته: “نحن انتصرنا ولم نهزم، ولن ندفع ثمن الهزيمة التي مني بها الاحتلال تحت أي ظرف”، مشددًا على أن “أي جهة تحل محل الاحتلال في غزة أو أي مدينة فلسطينية ستُعامل بالمقاومة فقط، كما يتم التعامل مع الاحتلال، وهذا أمر محسوم وغير قابل للنقاش”.
اليوم التالي للحرب
أضاف حمدان أن المقاومة مستعدة للتفاهم مع السلطة الفلسطينية بشأن إدارة غزة، لكن ذلك يجب أن يكون “في إطار البيت الفلسطيني الداخلي فقط، دون أي إملاءات خارجية”، مشيرًا إلى أن “اليوم التالي للحرب في القطاع سيكون فلسطينيًا خالصًا”.
وشدد حمدان على أن إعادة إعمار غزة ستُستخدم كورقة ضغط على المقاومة لتقديم تنازلات، إلا أن الحركة لن تقبل بهذه المعادلة، مشيرًا إلى أن أحداث 7 أكتوبر أثبتت أن الاحتلال يمكن هزيمته، وأن المقاومة الفلسطينية قادرة على فرض إرادتها على الأرض.
موقف أكثر مرونة
في المقابل، صدرت عن بعض قادة الحركة تصريحات أكثر مرونة فيما يتعلق بإدارة القطاع بعد الحرب، حيث صرح حازم قاسم، المتحدث باسم حماس، بأن الحركة لا تصر على أن تكون جزءًا من إدارة غزة في المرحلة المقبلة، مشددًا على أن الهدف الرئيسي هو “إطلاق عملية إعمار حقيقية بعيدًا عن أي عراقيل سياسية”.
وقال قاسم في مقابلة تليفزيونية:”حماس جاهزة للوصول إلى مقاربات لترتيبات إدارية وسياسية في قطاع غزة، وليس شرطًا أن تكون الحركة جزءًا منها”، مضيفًا أن الحركة أبدت “مرونة كبيرة في لقاءاتها مع الأشقاء في مصر”، مشيرًا إلى أن هناك اتفاقًا مع الجانب المصري على أن تكون “إدارة القطاع فلسطينية خالصة، دون تدخل أطراف خارجية”.
تحديات أمام مستقبل غزة
من جانبه، قال أستاذ النظم السياسية والقانون الدولي، الدكتور جهاد أبولحية، “إننا اليوم أمام مرحلة مصيرية تتطلب منا كفلسطينيين أن نتصرف بحكمة ومسؤولية استثنائية، مستندين إلى حقوق شعبنا ومشروعية مطالبنا الوطنية وتضحياته، وإلى دعمنا العربي والإسلامي والمناصر لقضيتنا العادلة”.
وأضاف أبولحية، في تصريحات خاصة لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، أنه في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها المخطط المشترك بين ترامب ونتنياهو لتهجير الفلسطينيين من غزة بذريعة إعادة الإعمار، بالإضافة إلى خطر الضم الوشيك في الضفة الغربية، يصبح من الضروري أن تتجاوز الفصائل الفلسطينية خلافاتها الحزبية الضيقة، وأن تتحلى بروح المسؤولية الوطنية.
توحيد الجهود
أشار أبو لحية إلى أنه يجب أن يكون الهدف الأول هو تحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية، وتوحيد الجهود والتكتيكات الوطنية والاستراتيجية، والعمل بروح الفريق من أجل تثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه والتصدي للمخاطر التي تهدد قضيته.
وأكد أنه ينبغي تكثيف الجهود القانونية والسياسية لملاحقة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية التي شهدها قطاع غزة طوال العام الماضي، وعلى حركة حماس أن تنخرط بجدية في الجهود التي تبذلها مصر والدول العربية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومنع تنفيذ المخططات الرامية إلى تهجير الفلسطينيين.
تشكيل جهة وطنية
أضاف أبولحية: “يتعيّن على حماس أن تعلن بوضوح أنها لا تسعى إلى حكم غزة، بل تدعم تشكيل جهة وطنية متفق عليها تحظى بإجماع داخلي وإسناد عربي ودولي”.
ولفت أستاذ القانون والنظم السياسية إلى أن هذه ليست خطوة تراجعية، بل ضرورة وطنية تفرضها المصلحة العليا للشعب الفلسطيني، حيث يجب أن تتغلب المسؤولية الوطنية على المصالح الحزبية، متابعًا: “لدينا في فلسطين كفاءات وطنية قادرة على قيادة المرحلة الحالية، والتي تتطلب مضاعفة الجهود لحشد الدعم اللازم لإعادة إعمار غزة، وضمان استمرار تدفق المساعدات الإغاثية لأهلنا في القطاع”.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2138619