في ظلال الفوضى التي اجتاحت المنطقة خلال العقد الأخير، تشكّلت خرائط جديدة للنفوذ، ورُسمت حدود غير مرئية بقوة السلاح والولاءات المتغيرة.
لم تكن الحرب في سوريا مجرّد صراع داخلي، بل ساحة كبرى لإعادة ترتيب موازين القوى، حيث تقاطعت المصالح وتشابكت الأجندات في لعبة شطرنج إقليمية ودولية. والآن، ومع سقوط نظام بشار الأسد، تدخل الجماعات المسلحة مرحلة مفصلية، أشبه برقصة على حافة الهاوية، حيث يتوجب عليها إعادة التموضع، والبحث عن داعمين جدد، وابتكار وسائل للبقاء وسط صراع القوى العظمى والإقليمية.
مستقبل الجماعات المسلحة
بحسب “المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب بألمانيا وهولندا: “شهدت المنطقة العربية تحولات استراتيجية خلال العقد الأخير، حيث لعبت الجماعات المسلحة دورًا محوريًا في معادلات القوة الإقليمية، خاصة في سوريا والعراق واليمن.
ومع سقوط نظام بشار الأسد، من المتوقع أن تدخل هذه الجماعات في مرحلة جديدة من إعادة التموضع والبحث عن حلفاء وموارد جديدة للبقاء والتأثير.
تغيير خارطة التحالفات بعد الأسد
مع سقوط الأسد، ستتأثر التوازنات الإقليمية بشكل كبير، حيث ستسعى بعض الدول إلى تعزيز نفوذها عبر دعم أو مواجهة الجماعات المسلحة. إيران وتركيا على وجه الخصوص ستعملان على إعادة ضبط استراتيجياتهما بناءً على المستجدات.
ستشهد الساحة السورية تنافسًا بين الفاعلين الدوليين والإقليميين لسد الفراغ الناجم عن سقوط الأسد. في هذا السياق، قد تحاول بعض الجماعات المسلحة الانتقال إلى مناطق نفوذ جديدة أو البحث عن تحالفات مختلفة تضمن استمرارها.
إيران والدعم المستمر للمليشيات
منذ عام 2011، شكلت إيران الداعم الرئيسي للعديد من الجماعات المسلحة في سوريا والعراق، باعتبارها جزءًا من استراتيجيتها الإقليمية لمواجهة النفوذ الأمريكي والعربي. ومع سقوط الأسد، ستواجه طهران تحديات كبيرة في الحفاظ على هذا الدعم.
وقد تلجأ إيران إلى طرق غير مباشرة لدعم الجماعات المسلحة، مثل تهريب الأسلحة عبر العراق ولبنان، أو تمويل العمليات عبر شبكات اقتصادية معقدة تشمل تجارة المخدرات وعمليات غسل الأموال.
مستقبل الجماعات المسلحة الموالية لإيران
مع تضاؤل الدعم المباشر، قد تركز إيران على الجماعات المسلحة الأكثر ولاءً لها، مثل حزب الله، نظرًا لبنيته التنظيمية القوية التي تتيح له الاستمرار بمعزل عن النظام السوري.
ستحاول الجماعات المسلحة الموالية لإيران التكيف مع الضغوط الدولية عبر إعادة تنظيم صفوفها، أو البحث عن موارد تمويل جديدة بعيدًا عن الدعم الحكومي المباشر.
تقلليص الدعم الإيراني
مع تقلص الدعم الإيراني، قد تعتمد هذه الجماعات على وسائل بديلة للتمويل، مثل تهريب المخدرات، وتجارة النفط غير المشروعة، وفرض الإتاوات في المناطق التي تسيطر عليها.
من المتوقع أن تتجه بعض الجماعات المسلحة إلى التعاون مع منظمات غير حكومية أو قوى دولية غير رسمية لتأمين الدعم المالي والعسكري اللازم لاستمرار عملياتها.
الدعم الإقليمي والدولي
تلعب بعض القوى الإقليمية دورًا أساسيًا في تعزيز نفوذ الفصائل المسلحة، سواء من خلال الدعم العسكري أو المالي. إذ تحاول بعض الدول استقطاب فصائل معينة لخدمة مصالحها، مما يؤدي إلى تعقيد المشهد الأمني وزيادة حدة التنافس بين الجماعات المختلفة.
في المقابل، تسعى بعض التنظيمات إلى إقامة تحالفات مع جماعات مسلحة دولية تتشارك معها الأهداف والتوجهات الأيديولوجية. يتيح ذلك لهذه الفصائل الحصول على الدعم اللوجستي والمعلوماتي، مما يعزز قدرتها على تنفيذ عملياتها داخل وخارج حدودها التقليدية.
التمويل عبر التبرعات
تعتمد بعض الجماعات المسلحة على التمويل القادم من أفراد أو منظمات مدنية متعاطفة مع أيديولوجياتها، سواء كان ذلك من خلال التبرعات المباشرة أو عبر قنوات غير رسمية. ويمثل هذا النوع من الدعم مصدرًا مهمًا لاستمرار أنشطتها العسكرية والسياسية.
إلى جانب ذلك، تستغل بعض التنظيمات الغطاء الإنساني لبعض الجمعيات الخيرية لجمع الأموال وتوظيفها في تمويل عملياتها. ويساهم هذا في زيادة نفوذها داخل المجتمعات المحلية، مما يعزز قدرتها على استقطاب المزيد من المقاتلين والتأثير في المشهد السياسي.
تصاعد التنافس بين الفصائل المسلحة
مع تراجع سيطرة الدولة المركزية، تزايدت حدة المنافسة بين الفصائل المسلحة المدعومة من جهات إقليمية مختلفة. يشير بعض المحللين إلى أن هذا الوضع قد يؤدي إلى صراعات داخلية بين الجماعات المتناحرة، ما يعقّد جهود إعادة الاستقرار في البلاد.
كما أن غياب سلطة مركزية قوية يفتح المجال أمام الجماعات المتطرفة لإعادة ترتيب صفوفها، خاصة في المناطق الحدودية. وقد يؤدي ذلك إلى تزايد الهجمات الإرهابية واتساع نطاق عمليات هذه الجماعات في سوريا وخارجها.
الدور الإقليمي لتركيا وإيران
تمثل تركيا وإيران أبرز الأطراف الإقليمية المتأثرة بتغير المشهد السوري. فبينما تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في الشمال السوري، تحاول إيران تأمين مصالحها عبر وكلائها المحليين. ويؤدي هذا التنافس إلى زيادة احتمالات المواجهات المباشرة أو غير المباشرة بين القوى الإقليمية المتصارعة.
في ظل هذا الوضع، تواجه سوريا تحديات كبيرة في إعادة بناء الدولة واستعادة الاستقرار، خاصة في ظل استمرار التدخلات الخارجية التي تعزز الانقسامات الداخلية وتعرقل أي جهود للتسوية السياسية.
التداعيات الأمنية في العراق
مع استمرار التغيرات في سوريا، تجد الجماعات المسلحة العراقية نفسها أمام تحديات جديدة. فبعض الفصائل، مثل الحشد الشعبي، قد تضطر إلى إعادة توجيه استراتيجياتها الأمنية والعسكرية إما لتعزيز نفوذها داخل العراق أو للحفاظ على دورها في سوريا لمنع تمدد فصائل أخرى كداعش أو الجماعات المدعومة من تركيا.
كما أن تراجع نفوذ بعض القوى الإقليمية قد يفتح الباب أمام صراعات داخلية بين الفصائل المسلحة المختلفة، ما قد يؤدي إلى موجة جديدة من العنف وعدم الاستقرار داخل العراق، خاصة في المناطق التي تشهد نزاعات على النفوذ والسيطرة.
التحديات أمام الحكومة العراقية
تحاول الحكومة العراقية الموازنة بين المصالح الإقليمية والدولية، إلا أن تصاعد التوترات بين الجماعات المسلحة يضعها أمام تحديات صعبة. فإيجاد حلول وسط تضمن استقرار البلاد دون الانحياز لطرف معين أصبح أمرًا معقدًا في ظل استمرار الضغوط السياسية والأمنية.
إضافة إلى ذلك، فإن التوتر بين القوى الخارجية المؤثرة، مثل الولايات المتحدة وإيران، يزيد من تعقيد المشهد العراقي، حيث تحاول كل جهة فرض أجندتها عبر دعم فصائل مختلفة، ما يعزز حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني.
أهمية التوافق الإقليمي والدولي
يرى العديد من المحللين أن إعادة الاستقرار إلى سوريا والعراق تتطلب توافقًا إقليميًا ودوليًا بين الأطراف الفاعلة. فالتنسيق بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا قد يسهم في وضع إطار لحل سياسي يحد من تأثير الجماعات المسلحة ويمنع تصاعد العنف في المنطقة.
إضافة إلى ذلك، فإن التعاون بين الدول المجاورة، مثل تركيا وإيران، يمكن أن يخفف من حدة الصراعات ويساهم في تحقيق استقرار طويل الأمد. إلا أن ذلك يتطلب إرادة سياسية حقيقية والتزامًا بإيجاد حلول مستدامة تضمن الأمن والتنمية في المنطقة.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2138450