معركة الحجاب .. النظام في إيران يقلق من التغيير الاجتماعي

يوسف بنده

رؤية
 
القضاء الإيراني يقول: إن المتظاهرين ضد إلزامية ارتداء الحجاب سيواجهون عقوبات شديدة، لاسيما إذا ما تم التأكد من أن حراكهم كان منظما.
 
فقد توعد المتحدث باسم القضاء الإيراني غلام حسين محسني إيجائي متظاهرين ضد إلزامية ارتداء الحجاب بـ”العقاب الشديد”.

وأضاف إيجائي -في مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة الإيرانية طهران، وفقًا لوكالة أنباء “ميزان” التابعة للسلطة القضائية في إيران- إن المتظاهرين ضد إلزامية ارتداء الحجاب “سيواجهون عقوبات شديدة لاسيما إذا ما تم التأكد من أن حراكهم كان منظمًا”.

وتابع إيجائي سوف نفتح بحق هؤلاء المتظاهرين دعاوى قضائية، وفي حال التأكد من “أن حراكهم كان منظما أو هناك أهداف أخرى من ورائها فسوف يتعرضون لعقوبات شديدة. وبذلك يعرضون أنفسهم وعائلاتهم لمشاكل خطيرة”.

واتهم إيجائي بعض المتظاهرين المناهضين لإلزامية الحجاب في إيران بأنهم “شرذمة من مدمني المخدرات”.

وقال: “يجب على العائلات الحرص على عدم التغرير بأطفالهم أو استخدام المخدرات للمشاركة في مثل هذه الأنشطة”.

وقبل أيام، اعتقلت السلطات الإيرانية، 29 شخصا احتجوا ضد قانون يجبر النساء على ارتداء الحجاب.

وقالت شرطة العاصمة طهران -في بيان لها- إن اعتقال المحتجين جاء بدعوى تهديدهم الأمن الاجتماعي في البلاد، بعد اشتراكهم في الحملة التي أطلقها الناشط الإيراني معصوم مسيح كومي على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكان كومي الذي يعيش خارج إيران أطلق قبل عام، حملة تحت اسم “الأربعاء الأبيض” للاحتجاج على إجبار القوانين الإيرانية، النساء على ارتداء الحجاب.

ولاقت الحملة استجابة في الشارع الإيراني، حيث قامت بعض النساء بخلع الحجاب وتعليقه على عصا في شارع الانقلاب بالعاصمة طهران.

ويعاقب القانون الإيراني النساء السافرات، بالحبس شهرين ودفع غرامة 50 ألف تومان (نحو 12 دولارا).

حتمية التغيير

من الملفت للنظر، أن يصدر المكتب الرئاسيّ في إيران تقريراً يؤكد أن أغلبية الإيرانيين تعتقد أن النساء يجب أن يقررن بأنفسهن ما إذا كن راغبات في ارتداء الحجاب أم لا، وليس الدولة، وهو ما اعتبره مراقبون انتصارا للاحتجاجات التي تقوم بها النساء الإيرانيات ضد الحجاب في طهران ومدن إيرانية أخرى.

وكان حسن روحاني، الرئيس الإيراني، قد حذّر يوم الأربعاء الماضي من أن القادة الإيرانيين قد يواجهون مصير الشاه الأخير إذا تجاهلوا الاستياء الشعبي، وذلك في خطاب متلفز أمام ضريح الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية، مطالبا هؤلاء القادة بأن يسمعوا مطالب وتمنيات الشعب لأن “النظام السابق فقد كل شيء” لأنه لم يفعل ذلك.

نسرين ستوده، الشخصية المؤثرة التي بدأت حركة نزع الحجاب، معروفة بدفاعها عن سجناء المعارضة الإيرانية الأمر الذي أدى لاعتقالها عام 2010 بتهمة نشر الدعاية المضادة للدولة وتعريض الأمن القومي للخطر، وهي تخوض حالياً، بعد أن تم إطلاق سراحها من تهمتها الأولى، معركة الدفاع عن نساء يرفضن ارتداء الحجاب، ضمن حركة الاحتجاجات هذه التي أدت لاعتقال 29 امرأة منهن على الأقل.

تظهر هذه الوقائع وجود محاولات من مؤسسة الرئاسة الإيرانية لإدراك التطوّرات السياسية والاجتماعية للشعب الإيراني والتفاعل معها بشكل إيجابي، تقابلها أشكال حراك من الشارع تعبّر عن نفسها بأكثر من طريقة، بينها المظاهرات المناهضة للسياسات الاقتصادية للحكومة وما ينتج عنها من غلاء وتدهور في الأحوال المعيشية وأسعار الصرف (الدولار يعادل 36950 ريالا إيرانيا)، والتي كانت احتجاجات نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي حلقة كبيرة فيها.

إضافة إلى العنف الكبير الذي شاب تلك المظاهرات والقمع الذي لحق بقطاعات شعبية بعدها، خصوصاً ضمن الطلبة، فإنها استهدفت أحيانا شخصيات ورموزاً سياسية ودينية وهو أمر نابع طبعاً من الربط الشعبي بين الطابع الديني والسياسي معاً في أجهزة الدولة، وهو ما يعطي حركة نزع الحجاب معنى سياسياً يتجاوز معناها الديني.

تحاول حركة نزع الحجاب مواجهة فكرة الإلزام التي تنفذها الدولة وأجهزتها، ومواجهة اعتبارها طريقة لبس النساء أمراً يمكن فرضه بالقوانين، وهو ما يذكّرنا بحركة مشابهة، ولكن في الاتجاه المعاكس، حصلت في إيران نفسها، حين أصدر الشاه قانونا عام 1936 يحظر الملابس التقليدية للذكور والإناث، وينزع الحجاب بالقوّة، وهو ما اعتبر في حينها انتهاكا للحرية وكرامة المرأة واستفزازا وجريمة ضد الإسلام.

جدير بالتأمل هنا أن موقف رضا شاه تأثر بزيارة له إلى تركيا مصطفى كمال المتطرفة في علمانيتها عام 1934 حيث أعجب بما اعتبره تقدما سريعا فيها فيما يخص حرية النساء وكشفهن الحجاب، وبعد إصداره قانون كشف الحجاب احتفل الشاه بحضور زوجته وابنته وزوجات الوزراء والمحامين من دون حجاب وتم حظر استخدام التشادور، وبعدها لم يعد مسموحا للنساء المحجبات بدخول الشوارع واستخدام المركبات، وكانت المحجبات يواجهن الهجوم والقمع من قبل الشرطة، وكان الأمن مولجا بإزالة الحجاب من أي امرأة ترتديه علنا.

المقارنة التاريخية تظهر المفارقة الكبيرة حين تقوم الدول بربط أفكار التقدم، في حالة الشاه، بالسفور، وربط الالتزام بالدين، في حالة الجمهورية الإسلامية، بالحجاب، وقد تم في الحالتين، تجاهل ما تريده النساء أنفسهن، سواء من يردن الالتزام بالحجاب أو من يردن التخلّص منه، وهو أيضاً تجاهل لا يقتصر على قضايا الزيّ واللباس وتأويلهما بل يتسع ليشمل قضايا الاقتصاد والسياسة والاجتماع.

المقارنة نفسها تظهر أن ما فعلته الجمهورية الإسلامية عمليًّا هو مقلوب سياسات الشاه، وهو ما يجعلنا نفهم تحذير روحاني لقادة إيران من عدم فهم مطالب شعبهم، كما نفهم أيضًا ما فعلته فتاة شارع “انقلاب” (شارع الثورة) حين نزعت الحجاب.

المصدر: رؤية القدس العربي

ربما يعجبك أيضا