تتصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد إيران في ظل تباين المواقف الدولية وتحديات عسكرية ولوجستية تعرقل تنفيذ ضربة مباشرة، مما يجعل المستقبل مفتوحًا على عدة سيناريوهات.
وفي ظل ازدياد التوتر في الشرق الأوسط، تبدو هذه التهديدات جزءًا من استراتيجية تهدف إلى الضغط على طهران والحد من نفوذها الإقليمي، سواء عبر التصعيد السياسي أو التلويح بالعمل العسكري.
خلفية التصعيد
اشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، الجمعة 14 مارس 2025، إلى أن التوتر بين إسرائيل وإيران يعود إلى عقود من الصراع غير المباشر، حيث تتهم تل أبيب طهران بتمويل وتسليح جماعات مسلحة معادية لها في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان والفصائل الفلسطينية المسلحة.
كما أن الملف النووي الإيراني يمثل مصدر قلق رئيسي لإسرائيل، التي ترى فيه تهديدًا وجوديًا يتطلب تدخلًا عسكريًا إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في كبح جماحه.
عمليات عسكرية
خلال السنوات الأخيرة، نفذت إسرائيل عدة عمليات عسكرية ضد أهداف إيرانية داخل سوريا، واغتالت شخصيات بارزة في البرنامج النووي الإيراني، ما يعكس إصرارها على منع إيران من تحقيق أي تقدم قد يغيّر موازين القوى في المنطقة.
ومع ذلك، فإن توجيه ضربة مباشرة للمنشآت النووية الإيرانية داخل الأراضي الإيرانية يظل خطوة محفوفة بالمخاطر وتتطلب حسابات معقدة.
تصريحات وتحليلات متباينة
في الأشهر الأخيرة، تصاعدت التكهنات بشأن احتمال تنفيذ إسرائيل ضربة عسكرية ضد إيران، مدفوعة بتصريحات لمسؤولين عسكريين وتقارير استخباراتية.
وتحدث دان شابيرو، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، عن احتمال شن هجوم خلال هذا العام، مشيرًا إلى أن التهديدات الإسرائيلية ليست مجرد استعراض سياسي بل تعكس نوايا جادة.
تنفيذ هجوم ضد إيران
من جانبها، أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن الولايات المتحدة تلقت معلومات استخباراتية عن نية إسرائيل تنفيذ هجوم ضد إيران في عام 2024، ما يعكس اهتمامًا دوليًا بهذه القضية.
ورغم عدم صدور أي تأكيد رسمي من الحكومة الإسرائيلية، فإن تكرار مثل هذه التقارير قد يشير إلى أن تل أبيب تحاول توجيه رسالة ردع إلى طهران، وربما اختبار ردود الفعل الدولية قبل اتخاذ أي خطوة فعلية.
القدرات الإسرائيلية
تمتلك إسرائيل أحد أكثر الجيوش تطورًا وتستطيع طائراتها تنفيذ عمليات جوية بعيدة المدى، لكنها ستواجه تحديات لوجستية كبيرة في استهداف المنشآت النووية الإيرانية، خاصة أن بعضها مدفون تحت الأرض أو محمي بأنظمة دفاع جوي متقدمة.
كما أن تنفيذ ضربة ناجحة يتطلب استخدام قنابل خارقة للتحصينات، وهي أسلحة لم تزودها بها الولايات المتحدة حتى الآن. إضافة إلى ذلك، فإن أي عملية هجومية ستحتاج إلى تنسيق استخباراتي مكثف ودعم لوجستي، مما يجعلها صعبة التنفيذ دون ضوء أخضر من واشنطن.

الموقف الأمريكي والحسابات الدولية
رغم التحالف الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة، فإن هناك تباينًا في وجهات النظر بين الطرفين بشأن كيفية التعامل مع إيران. ففي حين تفضل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن استمرار الجهود الدبلوماسية والضغط الاقتصادي عبر العقوبات، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية ترى أن الخيار العسكري قد يكون ضروريًا في حال فشل المسار الدبلوماسي.
تاريخيًا، ناقش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إمكانية توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، لكن تم التراجع عن هذا الخيار بسبب المخاوف من تداعياته الإقليمية والدولية. واليوم، لا يزال هذا التباين قائمًا، حيث تسعى واشنطن إلى ضبط التصعيد، بينما تستمر تل أبيب في توجيه تهديدات مباشرة لطهران.
ردود الفعل الإيرانية
إيران بدورها لم تقف مكتوفة الأيدي، بل عززت من قدراتها الدفاعية والهجومية تحسبًا لأي هجوم محتمل. وتمتلك طهران ترسانة واسعة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، التي يمكن أن تستهدف منشآت إسرائيلية حساسة في حال اندلاع مواجهة عسكرية.
كما أن إيران تعتمد على شبكة من الحلفاء الإقليميين، مثل حزب الله في لبنان والميليشيات المسلحة في العراق وسوريا واليمن، مما قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي واسع إذا تعرضت لضربة عسكرية. وهذا ما يجعل أي هجوم إسرائيلي محفوفًا بالمخاطر، إذ قد يؤدي إلى اندلاع حرب شاملة تشمل عدة أطراف في المنطقة.
التحديات والعقبات أمام إسرائيل
بالإضافة إلى المخاطر العسكرية، تواجه إسرائيل عدة تحديات لوجستية واستراتيجية تعيق تنفيذ أي ضربة ضد إيران، وأبرز هذه التحديات تشمل:
– المسافة الجغرافية: تنفيذ هجوم ضد إيران يتطلب عبور مسافات طويلة عبر أجواء دول أخرى، مثل الأردن والسعودية والعراق، مما يزيد من احتمالية اعتراض الطائرات أو الكشف عن العملية قبل تنفيذها.
– عنصر المفاجأة: مع تسرب معلومات عن احتمال الضربة، يصبح من الصعب تحقيق عنصر المفاجأة، مما يقلل من فرص نجاح العملية.
– التداعيات السياسية: أي هجوم على إيران قد يؤدي إلى ردود فعل دولية قوية، خاصة من القوى الكبرى مثل روسيا والصين، التي قد تعارض مثل هذا التحرك وتدعو إلى حلول دبلوماسية بدلاً من التصعيد العسكري.
السيناريوهات المحتملة
في ظل هذه المعطيات، يمكن توقع 3 سيناريوهات رئيسية للأشهر المقبلة:
1- تصعيد محدود: قد تستمر إسرائيل في تنفيذ عمليات استخباراتية أو هجمات جوية محدودة ضد مصالح إيرانية خارج إيران، دون استهداف مباشر لمنشآتها النووية.
2- ضربة عسكرية واسعة: في حال قررت إسرائيل تنفيذ هجوم مباشر على المنشآت النووية الإيرانية، فإن ذلك قد يؤدي إلى اندلاع مواجهة عسكرية كبيرة تشمل عدة أطراف إقليمية.
3- العودة إلى المسار الدبلوماسي: رغم التصعيد الإعلامي، قد يتم اللجوء إلى مفاوضات غير مباشرة أو ضغوط دبلوماسية لإيجاد تسوية تحدّ من تطور البرنامج النووي الإيراني دون الحاجة إلى مواجهة عسكرية.
لا يمكن استبعاد أي سيناريو
في ظل التهديدات المتبادلة والتقارير المتزايدة عن احتمال تنفيذ هجوم عسكري، يبقى الوضع بين إسرائيل وإيران غامضًا، حيث لا يمكن استبعاد أي سيناريو.
ومع ذلك، فإن التعقيدات العسكرية والسياسية تجعل من تنفيذ ضربة مباشرة ضد إيران خيارًا محفوفًا بالمخاطر، ما لم تكن هناك ظروف استثنائية تفرض على إسرائيل اتخاذ هذه الخطوة.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2164395