مع إعادة تشكيل النظام العالمي.. ما طبيعة العلاقات الأوروربية الصينية؟

محمد النحاس
الصين والاتحاد الأوروبي

مدير تحرير صحيفة لوموند الفرنسية يناقش طبيعة العلاقات الأوروبية الصينية تزامنًا مع إعادة تشكيل النظام العالمي وفي ظل متغيرات جيوسياسية غير مسبوقة.


لم يتمكن أي من المسؤوليين الأوروبيين الذين زاروا الصين منذ الحرب الروسية الأوكرانية، من إزالة الغموض عن نوايا بكين للتعامل مع موسكو وكييف.

هذا ما يعتقده، مدير التحرير وكاتب العمود في صحيفة لوموند الفرنسية، سيلفي كوفمان، الذي ناقش طبيعة العلاقات الأوروبية الصينية في وقتٍ يتشكل فيه النظام العالمي الجديد، وفي ظل متغيرات جيوسياسية غير مسبوقة.

محاولات لإقناع الصين.. ما جداوها؟

في مقال نشره بمجلة فاينانشيال تايمز البريطانية، يوم الجمعة 7 إبريل 2023، استعرض كوفمان أبرز الزيارات الأوروبية للصين، بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وأولها زيارة المستشار الألماني أولاف شولتز في نوفمبر الماضي.

وباستثناء مواصلة التعاون الاقتصادي والتجاري بين بكين وموسكو، كان كل ما حصل عليه شولتز هو “بيان عام الصياغة، يشدد على رفض الصين استخدام الأسلحة النووية في الحرب”.

شي وشولتز

الرئيس الصيني شي جين بينج، والمستشار الألماني أولاف شولتز

وبعد بضعة أسابيع، ذهب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، في رحلة إلى بكين، تزامنت مع مناورات مشتركة بين القوات الروسية والصينية. وحصل ميشيل على وعد من الصين بدعم “جهود الوساطة” التي يجريها الاتحاد الأوروبي. لكن كاتب المقال يلفت إلى مفارقة، وهي أنه “لم تكن توجد أي جهود مماثلة”.

اقرأ أيضًا: ألمانيا: سنبقي على العلاقات الاقتصادية مع الصين

اقرأ أيضًا: لماذا تستمر العلاقات الصينية الألمانية رغم الانتقادات؟

زيارات أوروربية متكررة.. ما النتيجة؟

زار رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الصين في الشهر الماضي. وحسب وسائل إعلام إسبانية، أقر له الزعيم الصيني شي جين بينج، بأن أوكرانيا “دولة ذات سيادة”، ولها الحق في الوجود.

ويتساءل كوفمان هنا: “أي مفهوم للسيادة؟”، معلقًا بأن أمثال هذه المصطلحات قابلة للتأويل. ويدلل على ذلك بأن “بكين وموسكو ادعتا في بيان مشترك في فبراير من العام الماضي، أنهما الواصيتان الحقيقيتان على الديمقراطية”.

ماكرون.. ثقة منقطعة النظير!

رغم كل تلك المحاولات غير الناجحة لمعرفة النوايا الصينية تجاه الحرب، ظل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مقتنعًا بأنه قادر على التأثير في موقف الصين، وذلك رغم فشله في إقناع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018، ورغم فشله أيضًا في إثناء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن شن الحرب ضد أوكرانيا.

ماكرون وفون دير لاين في بكين

ماكرون وفون دير لاين في الصين

ومع ذلك لم يفقد ماكرون ثقته بإقناع الصين للتأثير في روسيا، وكان إحضار رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى الصين دليلًا على أن هذه المساعي ليست فرنسية فحسب، بل هل جهد أوروبي مشترك. وترى باريس أن شي بإمكانه تغيير قواعد اللعبة في أوكرانيا.

وتأتي هذه الجهود رغم زيارة شي الشهر الماضي لروسيا، والتي أظهرت تمسكه بـ”الشراكة بلا حدود” مع روسيا، وإن كانت شراكة غير متكافئة، كما يشير كوفمان.

محورية الدور الصيني

مع ذلك، ترى باريس محورية لدور بكين في التوصل إلى مخرج ما من الصراع المحتدم في أوكرانيا لكن وفق المقال، تمثل ما أظهرته الصين في تأكيداتها بعدم إمداد روسيا بأسلحة فتاكة، دون أن تدين على سبيل المثال إعلان بوتين عزمه نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا المجاورة.

واقترح ماكرون وفون دير لاين أن الاتصال بالرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي قد يكون مفيدًا. ولم يرفض الرئيس الصيني الطلب، لكنه لم يبدِ عزمه الاتصال أيضًا، وقال إنه سيفعل ذلك حين يأتي الوقت المناسب والظروف المواتية.

موقف حاسم

قبل أسبوع، شددت رئيس المفوضية الأوروبية أن موقف بكين من الحرب في أوكرانيا، يعد حاسمًا في طبيعة العلاقة بين الاتحاد والصين. وحسب المقال، تحاول بروكسل في هذا التوقيت معرفة نوايا الصين، في وقتٍ حرج وصل فيه التوتر بين واشنطن وبكين إلى مستويات غير مسبوقة، ويظهر هذا في عدم توافق الزيارات الأمريكية للصين مع نظيرتها الأوروبية.

ويقر القادة الأوروبيون في توصيف الصين بأنها “شريك ومنافس”، مع ذلك تريد برلين وباريس وبروكسل الحد من المخاطر في العلاقة مع بكين، وليس الانفصال عنها، لذلك يُبدي الأوروبيون نهجًا حذرًا في التعامل مع الصين، ويبني الاتحاد الآن أدوات لحماية نفسه من التدخل الأجنبي، علمًا بأن بكين هي الشريك التجاري الأبرز لدى الاتحاد الأوروبي.

وختامًا يشير المقال، إلى أن أوروبا والصين أصبحتا “أكثر حزمًا”، وتحاولان في ذات الوقت إيجاد أرضية مشتركة، في عالم تتعارض فيه المصالح الاقتصادية مع الحقائق الجيوسياسية.

ربما يعجبك أيضا