من أوروبا وحتى الهند.. لماذا يتظاهر مزارعو العالم؟

لماذا يتظاهر المزارعون في جميع أنحاء العالم؟

محمد النحاس

مكمن المشكلة في ارتفاع تكاليف الإنتاج، وانخفاض أسعار الغذاء عالميًّا، والواردات الزراعية الرخيصة القادمة من أوكرانيا والتي أغرقت الأسواق الأوروبية، بالإضافة إلى مزيج من اللوائح الزراعية الوطنية واللوائح التنظيمية الخاصة بالاتحاد الأوروبي التي تستهدف الإعانات المُقدمة للمزارعين واستخدام المبيدات والأسمدة، والتحوّل الأخضر.


من أوروبا صولًا إلى الهند، عمت شوارع كبرى المدن العالمية احتجاجات غاضبة من قبل المزارعين، احتجاجًا على السياسات الحكومية.

واندلعت المظاهرات في مختلف أرجاء أوروبا، حيث قام المزارعون بمحاصرة المدن، وإلقاء السماد وروث الماشية في الطرقات ورشق المباني الحكومية بالبيض، كما تمددت الاحتجاجات إلى نيودلهي، وفق ما ذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، اليوم 3 مارس 2024، في سلسلة مقالات تحت عنوان “إضاءات”، التي تتناول فيها قضية معينة من خلال أرشيف المجلة.

أسباب متفاوتة وشعور واحد

رغم أن أسباب استياء العمال الزراعيين تختلف من بلد إلى آخر، فإن الاضطرابات المستمرة تأتي في الوقت الذي يشعر فيه المزارعون في العالم “بشكل متزايد بأنهم يتعرضون لهجوم سياسي، مدفوع بواقع اقتصادي وبتوجهات مناخية صديقة للبيئة.

مطلع العام الجاري، أطلق المزارعون الفرنسيون سلسلة من الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد، تراوحت بين إغلاق الطرق السريعة بجراراتهم إلى إلقاء الخضروات المتعفنة وروث الماشية في ساحات المدن.

وفي نهاية يناير، هددت المزارعون بالتحرك بالجرارات باتجاه باريس من عدة اتجاهات، مما هدد بما أسماه بعض المزارعين “حصار باريس”.

تراجع الحكومة الفرنسية

قبلت حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي شكلتها مؤخراً، بقيادة رئيس الوزراء جابرييل أتال، جميع المطالب الرئيسية تقريبا للنقابات التي تقود الاحتجاجات. ولم تكتف الحكومة، بالتعهد بتقديم 400 مليون يورو إضافية لتعزيز الدخل المتدهور لمزارعي الحبوب ومربي الماشية فحسب، بل جمدت أيضاً خططاً للتخلص التدريجي من الإعفاءات الضريبية على وقود الديزل.

ويوجد في فرنسا، حسب فورين بوليسي، ما يقرب من 400 ألف من صغار المزارعين، الذين يمثلون نحو 1.5% من قوة العمل في البلاد، حيث يواجهون أزمة وجودية، في ظل مطالب بروكسل، وخطط الحكومة للتحوّل الأخضر. كما أنهم يخشون أن يتم تقويض حضورهم في السوق بسبب تكثيف عمليات جمع الأراضي من قبل قطاع الأعمال التجارية الزراعية واتساع نطاق السلاسل  التجارية الكبرى.

مشكلة متعدد الأبعاد

في أوروبا إجمالًا، التي تعمها احتجاجات المزارعين فإن مكمن المشكلة في ارتفاع تكاليف الإنتاج، وانخفاض أسعار الغذاء عالميًّا، والواردات الزراعية الرخيصة القادمة من أوكرانيا والتي أغرقت الأسواق الأوروبية.

يأتي ذلك بالإضافة إلى مزيج من اللوائح الزراعية الوطنية واللوائح التنظيمية الخاصة بالاتحاد الأوروبي التي تستهدف الإعانات المُقدمة للمزارعين واستخدام المبيدات والأسمدة، والتحوّل الأخضر.

سياسات المناخ

يعتزم الاتحاد الأوروبي تحقيق صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050، ولكن للقيام بذلك سيتعين عليه اعتماد سياسات للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة،  والتي يأتي 12 % من إنتاج اللحوم ومنتجات الألبان بشكل رئيسي.

إحباطات المزارعين الأوروبيين تشكل جزءاً من صورة عالمية أكبر، وبحسب خبير الاقتصاد الزراعي، كريستوفر باريت، “يتعرض المزارعون في جميع أنحاء العالم لضغوط كبيرة في الوقت الحالي.

وأردف إنه في الوقت نفسه الذي يؤدي فيه انخفاض أسعار السلع العالمية وارتفاع تكاليف الإنتاج إلى الضغط على المزارعين، فإن الحكومات من جانبها تبتعد ب عن إعانات المزارعين، وتدعم بدلاً من ذلك ممارسات إنتاجية أكثر مراعاة للبيئة.

المزارعون في الهند

ولأكثر من 6 أشهر، انخرط المزارعون الهنود في احتجاجات ضد القوانين الزراعية الجديدة التي أقرتها حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. وقد أشار البعض إلى المظاهرات، باعتبارها أكبر تعبئة في تاريخ البشرية، وفي حين قد يكون ذلك من قبيل المبالغة، إلا أن الأمر المؤكد أن الاحتجاج يمثل تحدٍ بارز لمودي، الزعيم الأكثر شعبية في الهند منذ 3 عقود.

واكتسبت احتجاجات الهند اهتمامًا عالميًّا، بسبب حجمها؛ وشارك في أكبر مسيرة يوم 26 يناير، مئات الآلاف من المزارعين الذين توجهوا إلى نيودلهي في قوافل من الجرارات.

وعلى الرغم من المحاولات التي بذلتها الحكومة الهندية لوأد الاحتجاجات إلا أنها تزايدت من حيث الحجم والنطاق، وحال استمرت -كما تحذر فورين بوليسي- قد يتطور الأمر لانخراط الفئات المختلفة المتضررة من حكومة مودي.

ربما يعجبك أيضا