عاد الجدل حول قناة بنما إلى الواجهة مجددًا بعد تصريحات جديدة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أكد في لقاء إعلامي مؤخرًا أن الولايات المتحدة ارتكبت “خطأً كبيرًا” عندما تخلّت عن السيطرة على القناة لصالح بنما في عام 1999.
التصريحات أثارت استنكارًا واسعًا في الأوساط السياسية البنمية، حيث شددت الحكومة على سيادتها الكاملة على القناة، ورفضت أي محاولات لإعادة النظر في الاتفاقات الدولية الموقعة بهذا الشأن. جاء ذلك في وقت تسعى فيه بنما لتعزيز دور القناة في التجارة العالمية وسط تحديات اقتصادية متزايدة.
أهمية القناة
تعتبر قناة بنما من أهم المشاريع الهندسية التي شهدتها بداية القرن العشرين، وهي لا تشكل فقط نقطة وصل بين المحيطين الأطلسي والهادئ، بل تمثل أيضًا نقطة تلاقي تاريخية بين الولايات المتحدة وبنما.
وقد أشارت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، اليوم الخميس 23 يناير 2025، إلى الجذور التاريخية للمشروع الأمريكي في قناة بنما تعود إلى محاولات سابقة، ففي عام 1903، وبعد نجاح الولايات المتحدة في دفع بنما للاستقلال عن كولومبيا، تتوج المشروع الأمريكي بشكل رسمي، تحت قيادة الرئيس الأمريكي السابق ثيودور روزفلت، الذي بدأ بناء القناة التي أصبحت فيما بعد رمزًا للقوة الأمريكية.
التحكم الأمريكي بالقناة
منذ افتتاح قناة بنما في عام 1914، فرضت الولايات المتحدة سيطرتها الكاملة على المنطقة التي كانت تعتبر منطقة استراتيجية حيوية.
وتم تخصيص منطقة القناة كمستعمرة أمريكية مستقلة، حيث كانت تحتوي على العديد من القواعد العسكرية والمرافق التي جعلت بنما تحت الهيمنة الأمريكية بشكل غير مباشر.
المطالبة بالاستقلال
بمرور الوقت، بدأ الشعب البنمي في الشعور بالإحباط من الوجود الأمريكي المستمر في المنطقة. تزايدت الاحتجاجات والاضطرابات الشعبية، حتى كانت الانتفاضة الشهيرة في عام 1964 التي أسفرت عن مقتل 21 بنميًا على يد القوات الأمريكية.
هذه الأحداث كانت بداية تحول جذري في العلاقة بين البلدين، ما دفع الحكومة البنمية إلى العمل نحو استعادة السيطرة على القناة.
التاريخ المشترك
في عام 1977، وقع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر على معاهدة مع بنما تقضي بانتقال ملكية القناة إلى بنما بحلول نهاية عام 1999.
هذه الاتفاقية كانت جزءًا من جهود الحكومة الأمريكية لتحسين العلاقات مع الدول اللاتينية بعد فترة طويلة من التوترات. الاتفاقية تضمنت أيضًا بندًا يضمن حيادية القناة وضمان مرور السفن دون تدخل في شؤونها.
التحولات البنمية
بعد تسليم القناة لبنما في عام 1999، بدأت الحكومة البنمية في إجراء تحسينات ضخمة على القناة، بما في ذلك توسيعها لتمكين مرور السفن الأكبر.
هذا التوسيع أدى إلى زيادة الإيرادات التي تعتبر الآن من المصادر الرئيسية للاقتصاد البنمي. القناة أصبحت تشكل حلقة وصل حيوية للتجارة العالمية، ما جعل بنما دولة مهمة على الصعيد الاقتصادي الدولي.
العلاقة المشحونة
في عام 1989، شنّت الولايات المتحدة حربًا عسكرية على بنما للإطاحة بالحكومة الديكتاتورية للرئيس مانويل نورييغا.
رغم أن القناة لم تكن سببًا رئيسيًا للحرب، إلا أن التوترات المتعلقة بالتحكم في القناة شكلت جزءًا من خلفية الأحداث. أسفرن الحملة العسكرية عن مقتل أكثر من 500 بنمي و23 جنديًا أمريكيًا، وهو ما ترك جراحًا عميقة في العلاقات بين البلدين.

ترامب واستعادة القناة
في أواخر ديسمبر 2017، صدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشعب البنمي عندما أطلق تصريحات مثيرة حول استعادة القناة.
أشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تستعيد القناة، ورفض استبعاد استخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر. تصريحاته أثارت غضب الحكومة البنمية والشعب، الذين أكدوا أن القناة هي ملك لبنما بموجب الاتفاقات الدولية.
أزمة التصريحات
ردًا على تصريحات ترامب، تقدمت بنما بشكوى إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، مشيرة إلى أن تصريحات ترامب تشكل تهديدًا لسيادة بنما.
وأكدت الحكومة البنمية مرارًا أن القناة هي جزء من السيادة الوطنية للبنان وأن أي محاولة للعودة إلى الوضع السابق ستكون غير مقبولة. من جهته، أوضح وزير الخارجية البنمي أن القناة تُدار بشكل مستقل دون أي تدخل خارجي.
تفسير ترامب لقضية القناة
قال ترامب في تصريحاته إن السيطرة على القناة أمر مهم بالنسبة للولايات المتحدة، زاعمًا أن هناك أطرافًا أخرى تتحكم في القناة مثل الصين، وهو ما يراه تهديدًا للمصالح الأمريكية. كما أعرب عن استيائه من الرسوم التي تدفعها الولايات المتحدة لعبور سفنها عبر القناة.
وقد أوضح بعض مستشاريه أن ترامب كان يعتقد أن إعادة السيطرة على القناة هي مسألة استراتيجية تتعلق بمصالح أمريكا في التجارة العالمية.
لماذا الآن؟
الحديث عن استعادة القناة يأتي في وقت حساس بالنسبة للعلاقات بين الولايات المتحدة ومنطقة أمريكا اللاتينية.
الرئيس ترامب معروف بتوجهاته الوطنية المعادية للأجانب وتفضيله للمصالح الأمريكية على حساب الاتفاقات الدولية. في هذا السياق، يمكن فهم تصريحاته بأنها محاولة لتوجيه رسالة قوية حول مصالح الولايات المتحدة في العالم.
الرد البنمي
على الرغم من الضغوط والتوترات التي أثارها ترامب، فإن الحكومة البنمية ردت بحزم على أي محاولة لزعزعة استقرار الوضع.
وأكد وزير الخارجية البنمي أن “كل متر مربع من قناة بنما هو ملك لبنما”، مؤكدًا على احترام الاتفاقات الدولية التي تم توقيعها في الماضي.
الصراع المستمر
تظل قضية قناة بنما محورًا رئيسيًا في العلاقات بين الولايات المتحدة وبنما، وهي قصة تتداخل فيها السياسة الدولية، القوة الاقتصادية، والتاريخ المعقد بين البلدين.
تشير تصريحات ترامب إلى رغبة في إعادة التفكير في مسار طويل ومعقد، لكن الواقع يفرض تحديات كبيرة أمام أي محاولة لتغيير الوضع القائم.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2114059