لم تشهد مدينة حلب ليلة كليلة يوم الجمعة الماضي، إذ تحوّلت إلى مشهد مليء بالمفاجآت التي أعادت إلى الأذهان مشاهد مشابهة من التاريخ الحديث.
المدينة التي لطالما عانت الويلات خلال سنوات الحرب العجاف، وجدت نفسها في مواجهة صدمة جديدة، حيث انقلبت الأمور رأسًا على عقب في غضون ساعات قليلة، وشابهت أحداث الليلة في رمزيتها ما جرى في بغداد قبل سنوات، عندما أُسقطت التماثيل ورموز النظام بشكل درامي، وكأن التاريخ لا يعيد نفسه، بل يعيد استحضار أجواء الأزمات بطرق مشابهة.
اقتحام حلب.. انهيار سريع وغير متوقع
بحسب تقرير لصحيفة “الإندبندنت” نشرته اليوم الأحد 1 ديسمبر 2024، تفاجأ أهالي حلب مساء الجمعة بتوغل عسكري واسع النطاق قامت به فصائل “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا)، التي اقتحمت الجزء الغربي من المدينة بعد انهيار مفاجئ لخطوط الدفاع الأمامية للجيش النظامي، ومع انسحاب الجيش السوري بشكل متسارع، تُركت الأحياء الغربية مفتوحة أمام تقدم المعارضة المسلحة.
هذا التطور أعاد الفصائل المسلحة إلى قلب حلب للمرة الأولى منذ عام 2017، عندما تمكن الجيش، مدعومًا من روسيا وإيران، من السيطرة على كامل المدينة بعد معارك دامية، غير أن هذه المرة كانت مختلفة، إذ تمكنت الفصائل من الربط بين شرق المدينة وغربها مجددًا.
وبحسب تقارير ميدانية، سيطرت الفصائل على مواقع استراتيجية، من بينها كليات عسكرية في حي الزهراء غربًا، فيما ظلت “أكاديمية الأسد للعلوم العسكرية” عصية على السيطرة.
ارتباك المدنيين وفرار جماعي
مع تسارع الأحداث، اكتظ الطريق الوحيد الرابط بين حلب وحماة، المعروف باسم طريق خناصر – أثريا، بالمدنيين الفارين من جحيم المعارك، مشاهد الفرار الجماعي أظهرت حجم الخوف والذعر الذي أصاب السكان الذين استذكروا معاناة الحصار والمعارك السابقة، الطريق الدولي (حلب – دمشق) أصبح مقطوعًا، مما جعل طريق خناصر الخيار الوحيد للهروب، رغم خطورته.
في الوقت ذاته، استقبلت شريحة من الأهالي دخول الفصائل المسلحة بدهشة بالغة، بينما عبر آخرون عن فرحتهم بالأهازيج والتصفيق، لا سيما عندما أسقط المسلحون رموز النظام وأحرقوا الأعلام في شوارع المدينة.
انتشار مفاجئ حتى ريف حماة
لم تقتصر سيطرة الفصائل المسلحة على مدينة حلب فقط، بل امتدت إلى الريف الشرقي، حيث تمكنت الفصائل من السيطرة على مطار كويرس العسكري ومطار حلب الدولي، ولم تتوقف التحركات عند هذا الحد، إذ واصلت الفصائل تقدمها باتجاه مدن استراتيجية في ريف حماة الشرقي، ما جعل مدينة حماة، الواقعة وسط البلاد، في مرمى النيران.
ووفق تقارير محلية، انسحبت النقاط الروسية التي كانت تتمركز في مطار حماة العسكري، مما يشير إلى تراجع الحضور الروسي في سوريا نتيجة انشغال موسكو بالحرب الأوكرانية.
أسباب السقوط السريع لحلب
أجمع محللون على أن السقوط السريع لمدينة حلب جاء نتيجة عدة عوامل، أبرز هذه العوامل كان اعتماد الفصائل على أساليب تكتيكية متطورة، حيث استخدمت طائرات مُسيّرة محلية الصنع تعرف باسم “الشاهين”، ما منحها تفوقا جويا غير مسبوق في الحرب.
كما ساهم انسحاب قوات “حزب الله” إلى لبنان، وتراجع الدعم الروسي، في إضعاف موقف الجيش السوري الذي عانى أيضًا من تراجع الروح المعنوية لجنوده.
ووفق أحد الجنود الجرحى الذين كانوا في الخطوط الأمامية، فإن قوات الجيش فوجئت باستخدام الفصائل دراجات كهربائية صامتة للتسلل إلى النقاط الأمامية، وأوضح الجندي أن “التنظيم فتح النار بكثافة من الخلف، ما أدى إلى انهيار سريع في الخطوط الدفاعية”، من ناحية أخرى، تبنى زعيم “هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني، أسلوبًا جديدًا أقرب إلى تكتيكات الجيوش النظامية، معتمدًا على تدريب قواته وتجهيزها تقنيا ونفسيا منذ أشهر، هذه الخطوة جعلت من الهيئة أكثر تنظيمًا، ما مكنها من تنفيذ عمليات معقدة بسرعة ودقة.
هلع واحتفاء في آن واحد
على الرغم من المشهد المأساوي، احتفت الفصائل المسلحة وأنصارها في الخارج بما اعتبروه “نصرا كبيرا”، واعتبر سقوط مدينة حلب بهذه السرعة بمثابة ضربة قوية للحكومة السورية، الذين بدوا عاجزين عن صد الهجوم.
في الوقت ذاته، أبدى مراقبون قلقهم من أن تكون هذه التحركات مقدمة لفصل جديد من الفوضى في البلاد، خصوصًا في ظل غياب الحلول السياسية واستمرار التوترات الإقليمية.
حلب في قلب المجهول
عادت حلب إلى صدارة المشهد السوري، لكن هذه المرة في ظل واقع متغير يحمل في طياته مخاطر كبيرة، سقوط المدينة بيد الفصائل يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع، قد تكون أكثر تعقيدًا من السابق.
ومع استمرار تقدم الفصائل المسلحة واستعادة مناطق جديدة، تبقى الأسئلة قائمة: هل ستشهد سوريا حربًا أكثر شراسة؟ أم أن هذا التصعيد سيؤدي في النهاية إلى تسوية شاملة؟.
الأيام المقبلة ستكشف عن مصير المدينة المنكوبة، التي ما زالت تقف شاهدة على حجم المعاناة التي خلفتها الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2063107