ناشونال إنترست: على الولايات المتحدة مراجعة نهجها العسكري حول العالم

محمد النحاس

دروس من الحرب الروسية الأوكرانية، يجب على الولايات المتحدة أن تعيها، ما أبرزها؟


مثّلت الحرب الروسية الأوكرانية أكبر صدمة للمجتمع الغربي منذ سقوط جدار برلين في 9 نوفمبر 1989، وفقًا لمجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية.

وفي مقال له بالمجلة، يرى الخبير الاستراتيجي والكاتب السياسي، جيمس كارافانو، مدير مركز دوجلاس وسارة أليسون لدراسات السياسة الخارجية ونائب رئيس معهد كاثرين وشيلبي كولوم ديفيس للدراسات الدولية في مؤسسة “هيريتاتج” الأمريكية، أن من الضروري أن تسعى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لتبني سياسات تناسب مستجدات الواقع.

انتقاد السياسة الخارجية

ينتقد كاتب المقال السياسة الخارجية الأمريكية “غير القادرة على مواكبة الأحداث العالمية”، ويصفها بأنها باتت انعكاسًا لصراعات “السياسة الداخلية”، ويتفق مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، مع هذا الرأي، وواجه به الرئيس الأمريكي جو بايدن، بشكل مباشر، وفقًا للمقال.

ويقارن هذه السياسة بنهج الإمبراطورية البريطانية، التي تبنت نهجًا مفاده “لا حليف دائم ولا عدو دائم، ما يبقى دائمًا هي المصالح وحسب”، وفق المقال المنشور بالمجلة الأمريكية، في ذكرى الحرب الروسية الأوكرانية، 24 فبراير 2023، التي يرى أنها تركت دروسًا هامة، يجدر بواشنطن التعلم منها.

تعزيز المصالح الأمريكية حول العالم

تملك الولايات المتحدة الأمريكية مصالح حيوية في جميع أنحاء العالم، ولا يمكن للولايات المتحدة حماية هذه المصالح وحدها، وفق المقال، الذي يشدد على ضرورة إشراك الحلفاء “الذين يحملون قيم مماثلة للقيم الأمريكية”، في حماية هذه المصالح.

ويشير مؤشر القوة العسكرية الأمريكية، إلى أن الولايات المتحدة تستطيع الدفاع عن مصالحها الحيوية حول العالم على نحو محدود.

ويرى الكاتب أن أبرز مناطق ما يسميها بـ”المصالح الحيوية الأمريكية”، أوروبا والباسفيك، والشرق الأوسط، ويشدد على ضرورة “العمل مع الشركاء لتعزيز المصالح الأمريكية بهذه المناطق”، وحمايتها على نحوٍ فعال.

تحدي الجيش الروسي وتعزيز قوة أوروبا

يشيد المقال باهتمام أوروبا بزيادة تسليحها، وإثبات الحلفاء نهجًا راسخًا في تحدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رغم الصعوبات الضخمة التي واجهتهم في ظل نقص إمدادات الطاقة، وارتفاع التضخم، وحالة عدم اليقين بشأن الحرب في أوكرانيا.

وفق الكاتب الأمريكي، الأهم من ذلك تأثير هذا النهج على صمود القوات الأوكرانية، وتمكين كييف من التصدي للقوات الروسية، مشيرا إلى أن كل ذلك حدث دون وجود أمريكي ميداني على أرض القتال، أو قوات ضخمة داخل أوروبا، مستثنيًّا تلك الموجود من أجل التدريبات والقوات المنتشرة بشكل مؤقت.

تراجع التهديد الروسي

أدى ذلك، حسب رأي الكاتب، لخفض التهديد الروسي لأوروبا، مشيرا إلى أن روسيا التي جرى استنزافها خلال الحرب، ستستغرق سنوات لإعادة بناء قوتها مرةً أخرى، كما أن أوروبا باتت أكثر قوة وتماسكًا، وجاهزية للدفاع عن نفسها.

يشدد المقال على عدم الحاجة لتواجد قوات أمريكية في مسارح العمليات على الأرض مستثنيًّا من ذلك، لواء 173 المظليين، المتواجد في إيطاليا للاستجابة السريعة عبر أوراسيا والشرق الأوسط.

تعزيز القوات البحرية

يتابع أنه من الضروري تواجد لواءين مقاتلين في أوروبا، لإجراء المناورات والتدريبات مع الحلفاء بالقارة، مشددًا على ضرورة التواجد بشكل دائم ومستمر، وحال عادت روسيا بناء قواتها مجددًا يمكن لواشنطن، في ظل هذا التواجد، التكيف مع المستجدات.

وفيما يتعلق بسلاح البحرية، يوحضح المقال أنه من الضروري كذلك زيادة عدد السفن المنتشرة حول العالم، مركزًا على منطقتين رئيستين، الباسفيك والذي يحتاج إلى تعزيز عدد قطع البحرية الأمريكية، في حين يدعو الكاتب إلى زيادة التعاون مع الحلفاء الأوروبيين وتقاسم أعباء التواجد العسكري، لتعزيز التواجد بالبحر الأبيض المتوسط، وهي المنطقة الثانية.

نهج مرن

يرى كاتب المقال أن الأمر لا يتعلق بالتواجد الفعلي المباشر، ولا بما يتملكه الجيش، بقدر ما يرتبط بإمكانية التوسع، وبناء الشراكات، وعقد التحالفات، وفق الضرورة، وكما يحتم الواقع الاستراتيجي، مشددًا على ضرورة تبني قدرة مرنة على الانتشار، ولا يمكن أن يحدث ذلك دون تعزيز التحالفات والشراكات الأمنية والعسكرية.

وفي تفصيل كارافانو هذا الرأي، يرى أن كل حليف في مكان حول العالم بإمكانه أداء دور معين وفقًا لهذا التموضع، فعلى سبيل المثال، تمثل ألمانيا وبريطانيا، مناطق مركزية لمهام الإمداد اللوجيستي، والدعم العملياتي، والتدريب، في حين أن دول مثل تركيا، واليونان، ورومانيا، وإيطاليا، لها خيارات حاسمة في سرعة الوصول إلى البحرين الأبيض المتوسط، والأسود.

كذلك هو الحال بالنسبة للوحدات الأمريكية الصغيرة المتواجدة في كوسوفو بالبلقان، التي من شأنها تقديم مساهمة بارزة في تعزيز الاستقرار الإقليمي.

تعزيز القدرات النووية

يرى جيمس كارافانو أن أحد أبرز دروس الحرب الروسية الأوكرانية، أن الدول التي تظهر قدرة والتزامًا راسخًا للدفاع عن النفس، من المرجح أن تجتذب دعمًا خارجيًّا عالي المستوى من الحلفاء، لذلك اتجهت الدول الأوروبية بعد الحرب، لتعزيز دفاعتها، ودعم قطاعها العسكري على نحو لافت.

ومع تراجع تهديد القوات الروسية التقليدية، يرى الكاتب صعود خطر التصعيد النووي، ويشدد على ضرورة تعزيز قدرات حلف شمال الأطلسي النووية، خاصةً مع تعاظم قوة الصين العسكرية، لذلك فإن قدرات الردع النووية عامل حاسم في أي صراع مستقبلي، كما يرى الكاتب.

تعزيز الشراكة

يوضح المقال أن التواجد الأمريكي بأوروبا عزز من قدرات الناتو، وساهم في تقوية الدول الأوروبية، بما يخدم مصالح القارة العجوز والمصالح الأمريكية على السواء، بالإضافة إلى ضرورة التعاون العسكري، وكذلك التعاون في مجالات الطاقة.

ويضيف أن تماسك حلف شمال الأطلنطي (الناتو) وموقفه الراسخ تجاه أمن القارة، أدى إلى سعي دول مثل فلندا والسويد إلى الانضمام للناتو.

الشرق الأوسط

يذكر الكاتب أن فوائد تعزيز هذا الحلف، لا تقتصر على أمن القارة الأوروبية، بل ينعكس أثرها على مناطق مثل القوقاز، وآسيا الوسطى، لافتًا إلى ضرورة تشجيع الحلفاء الأكثر ترددًا مثل ألمانيا، لتسيير على خطى القارة.

وختامًا، يشدد الكاتب على أن إعادة التفكير في طبيعة التموضع الاستراتيجي الأمريكي حول العالم، يجب أن تشمل منطقة الشرق الأوسط، موضحًا ضرورة التعاون مع الدول العربية، وإسرائيل، عن طريق تعزيز اتفاقات مثل “أبراهام”، التي من شأنها أن تترك بصمة أمنية إيجابية بالمنطقة.

ربما يعجبك أيضا