اشتهرت العاصمة الصومالية، مقديشو، ذات يوم بثقافتها الغنية وسحرها التاريخي، ولكنها الآن تكافح أزمة تهدد الأساس الحقيقي لبنيتها الاجتماعية والاقتصادية، مع معاناتها من العمليات الإرهابية التي تحدث بين الحين والآخر على يد حركة الشباب وتنظيم داعش.
وتتسع الفجوة بين الأثرياء والأقل حظًا بسبب ارتفاع أسعار إيجارات المساكن في مقديشو، نتيجة للتحضر السريع للمدينة، وعودة الشتات، والمساعدات الأجنبية، وعدد من الأسباب المترابطة الأخرى، ما يتناقض بشدة مع ماضي الصومال، عندما ازدهرت ثقافة الطبقة المتوسطة الأكثر مساواة.
ثمن التقدم
قالت مجلة “أوراسيا ريفيو”، في تقرير نشرته اليوم الأحد 3 نوفمبر 2024، إن مقديشو اليوم تحولت إلى مدينة من التناقضات الصارخة، حيث تتعايش ناطحات السحاب الفاخرة والمليارديرات مع الأغلبية الكادحة التي تكافح من أجل البقاء، كيف وصلت حالة العاصمة الصومالية لهذه الحالة، وما الذي يمكن عمله لسد هذه الفجوة المتزايدة؟
مع كل ناطحة سحاب جديدة، ترتفع سوق الإيجار إلى زيادات لا يمكن تحملها، فقد أدت رموز التقدم اللامعة، التي من المفترض أن تتحدث عن النمو والازدهار، إلى زيادة التكاليف والإيجارات بمستويات غير مسبوقة، ما يمثل تهديدًا للأسر الفقيرة بالبقاء في مقديشو.
ومن عجيب المفارقات أن تشييد المزيد من المباني لا يؤدي إلى انخفاض الإيجارات، بل إن المجمعات الشاهقة غالبًا ما ترفع الأسعار إلى مستويات أعلى من ارتفاعها حتى مقارنة بالمنازل العائلية، ما يتعارض مع المنطق الاقتصادي المعتاد، ما يثير الكثير من التساؤلات.
تكلفة الانقسام
أوضح الباحث الصومالي بجامعة القاهرة، والمشرف على موقع “دَرُور” الصومالي، الدكتور مؤمن يوسف عالم جيلي، أن الأثرياء عند انتقالهم إلى المجتمعات المغلقة (الكمبوندات)، يطورون أسلوب حياة على النمط الغربي، ويصبح الجيران غرباء، وتظل العلاقات الاجتماعية محدودة إلى الحد الأدنى، لافتًا إلى أن شركات خاصة تحتكر مجال البناء وحتى الاتصالات والكهرباء والمياه، دون تدخل يذكر من الحكومة الصومالية.
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ«شبكة رؤية الإخبارية»، أن العزلة حلت محل المناطق المجتمعية النشطة التي كانت تميّز مقديشو ذات يوم، فأطفال الأثرياء يلعبون خلف جدران آمنة بعيدًا عن الذين لا ينتمون إلى نفس المستوى الاقتصادي، وهذا التغيير الصارخ يؤدي إلى تآكل فكرة الوحدة التي كانت تميّز المدينة ذات يوم، ويحل محلها مفهوم العزلة الذي يتسم بالانقسام والإقصاء.
وقال إن مقديشو تاريخيًّا كانت منارة للوحدة، فكانت الأسر جميعها تستمتع بوجبة إفطار صومالية نموذجية من “العنجيرو”، يليها الأرز في الغداء، والأثرياء والفقراء على حد سواء يتقاسمون وجبات متشابهة، ما يعزز الشعور بالانتماء إلى المجتمع والخبرة المشتركة، ولكن مع الأسف فالتوسع الحضري السريع في المدينة أدى إلى تحطيم هذا الانسجام.
مفارقة القيمة
تجاوزت القيمة المضاربية، في سوق الإسكان في مقديشو، بسرعة القيمة الفعلية، وحتى في ضوء التحديات الأمنية التي واجهتها البلاد دائمًا، تنافس أسعار الأراضي أسعار المدن الأكثر تقدمًا في العالم، ولا يتعلق الأمر في الصومال بإيجاد منزل أو تشييد مبنى تجاري، بل يتعلق بلعبة استثمارية ترتفع فيها الأسعار بشكل متصاعد بافتراض استمرار ارتفاعها.
ولفتت المجلة إلى أن أسعار العقارات، في هذه البيئة المضاربة، أصبحت منفصلة عن الواقع الاقتصادي، ما يؤدي إلى ارتفاع الإيجارات التي يعجز المواطن الصومالي العادي عن مواكبتها، مشيرةً إلى أن السبب ليس نقص المساحات، فالكثافة السكانية في الصومال منخفضة، ويبلغ عدد السكان نحو 29.34 شخصًا لكل كيلومتر مربع في 2024.
ونقلت المجلة عن الخبير الاقتصادي الصومالي، عبدالوهاب حسين محمد، قوله إن الندرة ليست الأرض، بل القدرة على الوصول، فالمساكن محجوزة لمن يستطيع تحمل الأسعار المضاربة، بينما يكافح آخرون لتأمين المأوى الأساسي، وهذا ليس بسبب نقص المساحة، ففي 2023، كانت الكثافة السكانية في الصومال منخفضة، وبلغت 28 شخصًا لكل كيلومتر مربع.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2033513