في أواخر شهر نوفمبر عام 2024، اتخذت كل من السنغال وتشاد خطوات مهمة لإنهاء علاقاتهما العسكرية الطويلة مع فرنسا، ما يعكس تغييرات جذرية في السياسات الإفريقية تجاه باريس.
الرئيس السنغالي بَسيرو ديومي فاي، صرح لصحيفة “لوموند” مؤخرًا: “قريبًا لن يكون هناك جنود فرنسيون في السنغال”، مُستذكرًا الذكرى الـ80 لمجزرة “ثياروي” التي ارتكبتها القوات الفرنسية بحق جنود سنغاليين تم تحريرهم من معسكرات الأسر الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية
تشاد على خطى السنغال
في الوقت نفسه، على بُعد نحو 3 آلاف ميل شرقًا، أعلنت الحكومة التشادية إنهاء اتفاقية التعاون الدفاعي مع فرنسا الموقعة عام 2019.
وجاء في البيان الرسمي: “بعد 66 عامًا من إعلان جمهورية تشاد، حان الوقت لتشاد لتأكيد سيادتها الكاملة وإعادة تعريف شراكاتها الاستراتيجية بما يتماشى مع أولوياتها الوطنية”، وفق تقرير لمجلة “ريسبنسبول ستيت كرافت”، نشرته الأربعاء 4 ديسمبر 2024.
السيادة محور التغيير
كلمة “السيادة” أصبحت شعارًا متكررًا في إفريقيا، وهو ما يجب أن تدركه واشنطن في مراجعتها لسياساتها تجاه القارة، وفق التقرير.
ورغم أن إدارة بايدن لم تُظهر حتى الآن ملامح واضحة لسياستها الإفريقية، إلا أن المؤسسات مثل القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) ووزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قد تجد أن شراكاتها الأمنية السابقة لم تعد تلق القبول ذاته.
شهدت منطقة الساحل تغيّرات سياسية كبيرة منذ 2020، حيث أطاحت انقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر بحكومات منتخبة ديمقراطيًا، لكنها كانت تواجه اتهامات واسعة بالفساد وعدم الكفاءة، تلك الحكومات المُقالة كانت تُعتبر حليفة لفرنسا، التي كانت لها دور بارز في دعمها أمنيًا وسياسيًا.
ماذا بعد؟
الأنظمة العسكرية التي وصلت إلى السلطة في هذه الدول تبنت خطابًا شعبويًا قائمًا على تعزيز السيادة الوطنية، بما في ذلك طرد القوات الفرنسية وإعادة النظر في شراكاتها مع القوى الغربية، مع الاعتماد بشكل أكبر على شركاء مثل روسيا.
وفي تشاد، شكّل مقتل الرئيس إدريس ديبي عام 2021 لحظة مفصلية، حيث استلم ابنه محمد ديبي السلطة في ظل ظروف سياسية متوترة.
ورغم أن فرنسا لعبت دورًا حاسمًا في تثبيت نظام ديبي الابن، إلا أنه منذ ذلك الحين بدأ بإعادة تقييم العلاقات مع باريس وواشنطن، وفي أبريل 2024، طالبت تشاد القوات الأمريكية بالمغادرة.
السنغال.. مسار مختلف
رغم أن السنغال لم تشهد انقلابات، إلا أن الانتخابات الرئاسية في مارس 2024 أحدثت تحولًا سياسيًا كبيرًا، مع فوز المعارضة بقيادة الرئيس الحالي ديومي فاي ورئيس وزرائه عثمان سونكو.
يتبنى الثنائي الحاكم رؤية سيادية تقدمية، ما يُنبئ بإصلاحات جذرية في العلاقات الدولية للسنغال، بما في ذلك تقليص النفوذ الفرنسي.
دروس لواشنطن
في حين أن الولايات المتحدة ليست مرتبطة تاريخيًا بالماضي الاستعماري في إفريقيا كما هو الحال مع فرنسا، إلا أن واشنطن تواجه تحديات في الحفاظ على علاقات متوازنة مع الدول الإفريقية، وفق التقرير.
السياسات الأمنية، مثل برامج التدريب والمساعدات العسكرية، أثبتت أنها غير كافية لبناء شراكات طويلة الأمد، كما أظهرت تجربة النيجر، حيث تم طرد القوات الأمريكية رغم استثماراتها الهائلة في القواعد والطائرات المسيّرة.
ولتحقيق شراكات مستدامة، تحتاج واشنطن إلى تجاوز نهج “مكافحة الإرهاب” الذي هيمن على سياساتها، وتبني رؤية أكثر شمولية تركز على التنمية الاقتصادية والتعاون في مواجهة التحديات العالمية.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2066253