«نناهض الإمبريالية».. لماذا يحب الألمان الشرقيون بوتين؟

محمد النحاس

40% من الألمان يعتقدون كليًّا أو جزئيًّا أن حلف الناتو استفز الروس وأشعل الحرب.


عامل بناء متقاعد، يدعى فيرنر، في سن السبعين، يقف في مدينة كيمنتس شرق ألمانيا، ملوحًا بعلم روسيا.

طرحت مجلة فورين بوليسي الأمريكية هذا المشهد، في محاولتها الإجابة عن سؤال لماذا يحب الألمان الشرقيون روسيا؟ وما سبب تأثر اليمين المتطرف واليسار المتشدد في ألمانيا الشرقية بروسيا ورئيسها على وجه التحديد، فلاديمير بوتين، رغم الحرب الطاحنة بأوكرانيا.

«توحيد ألمانيا ليس في صالحنا»

قال فيرنر، في حين يلوح بحماس بالعلم الروسي، وعليه الشعار الإمبراطوري للقيصر، في مدينة كارس ماركس سابقًا، إبّان الحقبة الشيوعية، ومدينة كيمنتس حاليًّا، إن الدولة الألمانية الحالية “هي الشر الحقيقي في العالم”، وليس بوتين، وأنها أسوأ مما كانت عليه خلال حقبة الشيوعية والأمريكيين، وفق ما نقلت المجلة.

وأردف: “لم يفد توحيد ألمانيا الشرقية والغربية، سوى الألمان الغربيين فحسب”، مشددًا “يجب على ألمانيا أن تدعنا -نحن الساكسونيين- وشأننا.. (ساكسونيا ولاية ألمانية كانت جزءًا من ألمانيا الشرقية سابقًا)، يجب على ألمانيا أيضًا أن تترك بوتين وشأنه، كان الوضع أسوأ بكثير بالنسبة لروسيا في الحرب العالمية الثانية، مما كانت عليه الأمر بالنسبة لبوتين في أوكرانيا“.

اقرأ أيضًا| بعد 30 عامًا.. سقط الجدار وعاشت برلين

استعادة الأمجاد الضائعة

في خمسينات القرن الماضي، عاد والد فيرنر، وهو جندي ألماني نازي سابق، في وضع مزرٍ من  سجن سوفياتي، وعلى ذلك لم يصرف هذا فيرنر عن إغداق التعاطف على روسيا، وإعلان غضبه على الغرب.

ودوام السبعيني على حضور تجمع للحركة الملكية اليمينية ذات التوجه الانفصالي، التي ترغب في استعادة مملكة ساكسونيا، التي كانت منغلقة على ذاتها، ودامت 112 عامًا، وانتهت حقبتها بالحرب العالمية الأولى.

نفوذ بوتين في ألمانيا الشرقية

منتصف الثمانينات، وصل ضابط الاستخبارات الروسية (كي جي بي) الشاب، فلاديمير بوتين إلى دريسدن عاصمة ولاية ساكسونيا الإقليمية، ليشرع في ممارسة عمله الاستخباري، وليمارس نفوذه بقدر فاعل على مواقف ألمانيا الشرقية تجاه روسيا.

وفي 5 ديسمبر 1989، انتهت مهمة بوتين الخارجية على نحو مفاجئ، بعد احتلال المتظاهرين مقر الشرطة السرية المعروفة باسم ستاسي، ولم يغفر بوتين أن طلبه للمساعدة قوبل بالتجاهل من الجيش الأحمر.

الناتو واستفزاز روسيا

المفارقة أنه وبعد مرور قرابة 40 عامًا، ما زال بوتين يجد داعمين في البلد السوفيتي السابق، وأعرب تحالف «غريب» واسع الأطياف السياسية دعمه موقف روسيا في الحرب مع أوكرانيا، وفق المجلة الأمريكية.

في أكتوبر الماضي، وجدت دراسىة استقصائية أن 40% من الألمان يعتقدون، كليًّا أو جزئيًّا، أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) استفز الروس، ما دفعهم في نهاية المطاف لإشعال الحرب، وتقفز هذه النسبة عند 59%، عندما يتعلق الأمر بالمقاطعات التي كانت جزءًا من ألمانيا الشرقية (الشيوعية).

مطالب انفصالية

بالعودة إلى فيرنر، الداعم لبوتين، فقد جلس وأمامه طاولة عليها كتيبات وملصقات سياسية داعمة للتحالف بين روسيا وساكسونيا، وأعلام لمملكة ساكسونيا التاريخية، وملصقات تطالب بالانفصال عن ألمانيا.

وتقع ولاية ساكسونيا الألمانية الفيدرالية، المكتظة بالسكان، في وسط تلك المنطقة المناهضة إلى حد كبير للناتو، وفق ما ذكر مقال فورين بوليسي.

مناهضة الإمبريالية

نقل المقال عن المتحدث باسم حركة الساكسونيين الأحرار، مايكل بروك، قوله “لطالما كان لسكاسونيا رأي مختلف.. نطمح في علاقات جيدة مع روسيا”، مشيرًا إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية “حرب بين الشعوب السلافية”، لا دخل لألمانيا فيها.

وأردف: “الناس هنا يرون الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسيكي، دمية في يد واشنطن.. أما بوتين فهو على النقيض من ذلك، ويتحدى الإمبريالية الأمريكية” على حد تعبيره، كذلك فإن “معظم الناس هنا مناهضون للولايات المتحدة”.

وشدد بروك على ذلك قائلا: “هنا في ساكسونيا، يتذكر الناس جيدًا إلقاء القنابل على مدينة دريسدن.. بالنسبة للسكان المحليون هنا، فإن الأمريكيين دعاة حرب”.

اقرأ أيضًا| تنامي القومية.. دوافع تصاعد اليمين المتطرف في شرق ألمانيا

ربما يعجبك أيضا