«نيويورك تايمز»: استثمارات أمريكا في الرقائق ليست كافية

آية سيد
صناعة الرقائق الأمريكية

تصنّع معظم الرقائق المتطورة في تايوان، ما يثير المخاوف من تعطل سلاسل إمداد أشباه الموصلات في حالة نشوب صراع، وأن تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف سيئ تكنولوجيًّا.


على مدار الـ18 شهرًا الماضية، تعهدت كبرى شركات التكنولوجيا في أمريكا، باستثمار مليارات الدولارات في صناعة أشباه الموصلات والرقائق.

وفي خضم الحرب الباردة التكنولوجية مع الصين، قد لا تكون هذه الاستثمارات “حلًّا سحريًّا” لسد الفجوة، وفق ما جاء في تقرير للصحفيين دون كلارك وآنا سوانسون، في صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

ضخ الاستثمارات

تُعد الرقائق جزءًا أساسيًّا من الحياة الحديثة، لأنها تدخل في صناعة كل شيء من المعدات العسكرية والسيارات، إلى أجهزة المطبخ وألعاب الأطفال. وفي الولايات المتحدة، تعهدت أكثر من 35 شركة بتخصيص 200 مليار دولار تقريبًا لمشروعات التصنيع المتعلقة بالرقائق منذ ربيع 2020، وفق رابطة صناعة أشباه الموصلات.

ومن المقرر إنفاق هذه الأموال في 16 ولاية، منها تكساس وأريزونا ونيويورك، على 23 مصنعًا جديدًا لصناعة الرقائق، وتوسيع 9 مصانع، واستثمارات من الشركات التي تزود الصناعة بالمعدات والمواد.

وحسب تقرير “نيويورك تايمز”، تُعد هذه الحملة أحد جوانب مبادرة السياسة الصناعية لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي تقدم 76 مليار دولار على الأقل في صورة منح، وإعفاءات ضريبية، وغيرها من أوجه الدعم لتشجيع إنتاج الرقائق محليًّا.

تمويل ضخم

إلى جانب تقديم تمويل شامل للبنية التحتية والطاقة النظيفة، تمثل هذه الجهود أضخم استثمار أمريكي في التصنيع منذ الحرب العالمية الثانية، عندما أطلقت الحكومة العنان للإنفاق على السفن وخطوط الأنابيب والمصانع الجديدة لتصنيع الألومنيوم والمطاط، وفق التقرير.

وهذه الطفرة في التمويل لها تداعيات على الريادة التكنولوجية العالمية والجيوسياسة، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تهدف إلى منع الصين من أن تصبح قوة متقدمة في مجال الرقائق.

وعن حجم الإنفاق، قال الرئيس التنفيذي السابق لمجموعة “سيماتك”، دانيال أرمبراست، وهو اتحاد لشركات الرقائق تكوّن في 1987 بالشراكة مع وزارة الدفاع وتمويل من الشركات الأعضاء، ولكنه منحل حاليًّا: “لم أرَ تسونامي مثل هذا من قبل”.

مخاوف أمريكية

حسب “نيويورك تايمز”، كرّس الرئيس الأمريكي، جو بايدن، جزءًا كبيرًا من أجندته الاقتصادية لتحفيز إنتاج الرقائق الأمريكية، ولكن أسبابه تتجاوز المنافع الاقتصادية، لأن معظم الرقائق المتطورة تُصنع في تايوان.

وتايوان هي الجزيرة التي تطالب بها الصين، وتمثل 22% من إجمالي إنتاج الرقائق، وأكثر من 90% من الرقائق الأكثر تطورًا، ما يثير المخاوف من تعطل سلاسل إمداد أشباه الموصلات، في حالة نشوب صراع، وأن تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف سيئ تكنولوجيًّا.

تقليل الاعتماد على الخارج

حسب دراسة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية في 2020 لصالح رابطة صناعة أشباه الموصلات، من المرجح أن يحفز الاستثمار الحكومي بقيمة 50 مليار دولار إنفاق الشركات، الذي سيرفع حصة الولايات المتحدة في الإنتاج العالمي 14% تقريبًا، بحلول 2030.

وقال رئيس الرابطة، جون نوفر: “هذا يضعنا في اللعبة للمرة الأولى منذ عقود”، ولكن على الجانب الآخر، استبعد التقرير أن يؤدي هذا إلى إنهاء الاعتماد الأمريكي على تايوان للحصول على الرقائق الأكثر تطورًا، التي تحمل أكبر عدد من الترانزستورات على كل شريحة سيليكون.

ازدهار محدود

سوف يستغرق بناء مصانع الرقائق الجديدة سنوات، وقد لا تستطيع تلك المصانع توفير تكنولوجيا التصنيع الأكثر تقدمًا عندما تبدأ العمل، وفق التقرير. وقد تؤجل الشركات المشروعات أو تلغيها إذا لم تحصل على دعم كافٍ من البيت الأبيض، وقد يتسبب النقص الحاد في المهارات في تقويض الازدهار.

وبجانب هذا، فإن المصانع ستحتاج إلى أعداد كبيرة من المهندسين والفنيين، تفوق عدد خريجي الجامعات الأمريكية، ما يسلتزم أن تضع المؤسسات خططًا لتدريب العمال، ولكن بما أن جهود التدريب تستغرق أعوامًا لتؤتي ثمارها، يريد المديرون التنفيذيون تسهيل حصول العمال الأجانب على التأشيرات للعمل في أمريكا.

وفي هذا الشأن، قال الأستاذ المساعد في التاريخ الدولي بكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس، كريس ميلر، إن الطفرة في تمويل إنتاج الرقائق الأمريكية “لن تنجح في تحقيق الاكتفاء الذاتي”.

تفوق تايواني

قادت شركة “إنتل” الأمريكية، لفترة طويلة، السباق لتقليص حجم الترانزستورات كي تستوعب الشريحة عددًا أكبر منها، وهذا التقليص يُقاس بالنانومتر، ويشير العدد الأصغر إلى التكنولوجيا الأكثر تطورًا، ثم تقدمت شركة “تي إس إم سي” التايوانية في السنوات الأخيرة، وفق تقرير “نيويورك تايمز”.

وفي مصنعها الكائن بفينيكس، في ولاية أريزونا الأمريكية، قد لا تجلب “تي إس إم سي” تكنولوجيا التصنيع الأكثر تقدمًا، ففي البداية، أعلنت الشركة أنها ستنتج رقائق الـ5 نانومتر، ثم قالت الشهر الماضي إنها ستصنع رقائق الـ4 نانومتر بحلول 2024، وستبني مصنعًا ثانيًا لإنتاج رقائق الـ3 نانومتر، المقرر افتتاحه 2026.

ولكن على النقيض، بدأت مصانع “تي إس إم سي” في تايوان إنتاج رقائق الـ3 نانومتر بنهاية 2022، وبحلول 2025، ستبدأ المصانع في تايوان في تزويد “آبل” برقائق الـ2 نانومتر، وفق تصريح للرئيس التنفيذي لشركة “إنترناشونال بزنس استراتيجيز” للاستشارات.

ربما يعجبك أيضا