هجوم إيران على إسرائيل.. هل كان «الوعد صادقًا»؟

من الصبر إلى الردع.. ما رسائل إيران من الهجوم على إسرائيل؟

محمد النحاس

المرشد الإيراني علي خامنئي أراد أن يأتي الرد من الأراضي الإيرانية بهدف التأكيد على التحوّل من مفهوم "الصبر الاستراتيجي" الذي تبنته طهران إلى "الردع"


مساء أمس السبت 13 إبريل 2024، شنّت إيران الهجوم الأول المباشر من أراضيها على إسرائيل، عبر إطلاق وابل من المسيّرات والصواريخ، في عملية تحمل اسم “الوعد الصادق“.

ويرى متابعون أن الهجوم الإيراني ليس سوى محاولة لحفظ ماء الوجه ولا يرقى بأي حال من الأحوال لطبيعة وحجم الهجوم الذي شنته إسرائيل على القنصلية الإيرانية مطلع الشهر الجاري، والذي أودى بحياة 7 من عناصر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

الرد الإيراني

بعد كثير من التكهنات بشأن الرد الإيراني، أطلقت إيران عشرات المسيّرات والصواريخ (كروز وباليستية) على إسرائيل، وقال الحرس الثوري الإيراني عن الهجمات إنها “دمرت أهدافًا عسكرية للجيش الصهيوني”، واعتبرت إيران أمام الأمم المتحدة أن الهجوم مشروع ويمثل دفاعًا عن النفس.

وقالت طهران إن “العمل العسكري الذي قامت به ضد الكيان الصهيوني يستند إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، في ما يتعلق بالدفاع المشروع ردًا على عدوان الكيان على القنصلية الإيرانية في دمشق”.

وكانت الخارجية الإيرانية قد نوهت قبل الهجوم على أحقيّة الرد، وأنه سيأتي بشكل “مدروس وحكيم”، ورغم محدودية الرد الإيراني إلا أنه يظل خطير الأبعاد، ويبعث برسائل سرعان ما أدركتها واشنطن، كما أنها يطوي صفحة من قواعد التصعيد ليفتح أخرى أكثر خطورة.

معادلة التصعيد المدروس

على مدار السنوات الماضية، تشكلت طبيعة الصراع مع إيران وإسرائيل، وفق معادلة التصعيد المحدود والمدروس، إيران من جانبها، دعمت ميليشيات وجماعات مسلحة وعمدت لتعزيز نفوذها في المنطقة.

وبلغت التوترات بين الجماعات المدعومة من طهران وإسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة قمتها، مع اندلاع الحرب في غزة قبل 7 أشهر، مع ذلك ظلّت إيران تحافظ على المعادلة سالفة الذكر، المتمثلة في دعم الميليشيات والجماعات المواليّة لها، والتي تشن ضربات محدودة نسبيًّا ضد إسرائيل، نائيةً بنفسها عن الانخراط المباشر.

تحول إيراني

لطالما تعهدت إيران بالرد على الضربات الإسرائيلية التي كانت دائمًا أكثر خطورة من ردود إيران، في إطار ما يسميه المحور الإيراني مفهوم وحدة الساحات، إلا أنّ الرد الإيراني – غير المسبوق – وضع معادلة جديدة للردع المتبادل، وغيّر ما تمسيه طهران “الصبر الاستراتيجي”.

مع تزايد الضربات الإسرائيلية ضد الأهداف والأصول الإيرانية في المنطقة، وجدت إسرائيل أن الرد لا يكون متناسبًا ومن ثمّ اختل توازن الردع، حتى أقدمت إسرائيل على استهداف قنصلية إيران في دمشق، ضاربةً بعرض الحائط كافة الأعراف الدولية والقواعد القانونية، في دلالة على أنها لم تعد  تضع الرد الإيراني في الحسبان.

لا مفر من الرد

أمام تهاوي صورتها الإقليمية، ومكانتها في جميع أرجاء المنطقة كقوة فاعلة في المنطقة، كان لزامًا على إيران أن ترد بشكل يُرمم هذه الصورة، ويبعث برسائل لإسرائيل مفادها أن إيران حتى لو كانت غير راغبة في الحرب، إلا أنها لا تخشاها وقد تلجأ إليها إذا ما اضطرت، وليس بإمكانها ابتلاع ضربات بهذا المستوى (استهداف القنصلية).

وبحسب ما قال مسؤولون إيرانيون لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، فإن المرشد الإيراني علي خامنئي أراد أن يأتي الرد من الأراضي الإيرانية بهدف التأكيد على التحوّل من مفهوم “الصبر الاستراتيجي” الذي تبنته طهران إلى “الردع”.

لا رغبة في الحرب

في ذات التوقيت فمع الرغبة في ترسيخ مفهوم الردع، تبدي إيران أنها لا ترغب في حرب شاملة واسعة النطاق، حيث قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، يوم الأحد، إن طهران أبلغت الولايات المتحدة أن هجمات إيران ضد إسرائيل ستكون محدودة وللدفاع عن النفس، مفيدًا بأن إيران أخطرت جيرانها قبل 72 ساعة من الهجمات على إسرائيل في دلالة على عدم الرغبة في تصعيد كبير.

الولايات المتحدة من جانبها، تلقفت الرسالة الإيرانية، وفي حين لا تبرح واشنطن التأكيد على دعمها لإسرائيل والتزامها بالدفاع عنها، إلا أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن قد طلب من نتنياهو عدم الرد عسكريًّا على الهجوم الإيراني، وفق ما نقلت شبكة “إن بي سي” الأمريكية عن مصدر مطلع.

صفحة جديدة

لا شك ختامًا أن الضربة لا ترقى للمستوى الأخطر، حيث تجنبت الأهداف المدنية والاقتصادية، ولم تعمد لإيقاع ضحايا، كما لم تستخدم أقصى الإمكانات العسكريّة، لكن مع ذلك لا يمكن التقليل من حجم الحدث.

وبالإمكان القول أن الهجوم يمثل صفحة جديدة من الصراع، فبدلًا من الاقتصار على ضربات الميليشيات تعدى ذلك إلى انخراط إيراني مباشر، وليس الأول من نوعه فقط، بل أيضًا للمرة الأولى منذ السبعينيات الذي تقصف فيه دولة في المنطقة إسرائيل، باستثناء استهداف نظام صدام حسين للدولة العبرية عام 1991.

ربما يعجبك أيضا