هجوم يوم الأربعين .. لماذا اختار حزب الله هذا التوقيت؟

عبدالمقصود علي
هجوم حزب الله

منذ 30 يوليو، تاريخ اغتيال الإسرائيليين لقائده العسكري في الضاحية الجنوبية لبيروت، توعد حزب الله بالرد، لكنه رفض إعطاء معلومات لجميع من سألوه، لبنانيون أو أجانب، عن تاريخ ومكان رده، ومع اقتراب شهر أغسطس من نهايته، بدأ كثيرون يعتقدون أن الرد لن يحدث، وأن حزب الله سيكتفي بحرب نفسية يغذيها غموض نواياه.

وفي فجر يوم الأحد 25 أغسطس، أطلق الحزب 320 صاروخًا وعددًا كبيرًا من الطائرات بدون طيار ضد عدة أهداف عسكرية في إسرائيل، مشيرًا في وقت لاحق إلى إتمام المرحلة الأولى من رده، ومنذ ذلك الحين، كثرت التكهنات حول مدى فعالية هذا الرد ورد الفعل المتوقع من الإسرائيليين.

توقيت دقيق

المحللة والصحيفة سكارليت حداد، تقول في صحيفة “لوريان لوجور” الناطقة بالفرنسية، حتى نتمكن من تقييم رد حزب الله، علينا أولاً أن نحاول فهم الأسباب التي دفعته إلى اختيار هذا التوقيت الدقيق.

وأوضحت أنه بحسب مصادر دبلوماسية عربية، فقد حصل حزب الله مؤخرًا على معلومات دقيقة حول نية إسرائيل شن هجوم واسع النطاق على لبنان، على غرار ما حدث في يوليو 1981 ضد مقر منظمة التحرير الفلسطينية ببيروت، أو ما حدث في يوليو 1993، في عملة أطلق عليها “تصفية الحساب”، حيث كانت أول هجوم كبير ينفذه الإسرائيليون ضد حزب الله، برئاسة الأمين العام الجديد حسن نصر الله.

واليوم، اعتبر الإسرائيليون أن إطلاق عملية مماثلة هو السبيل الوحيد الممكن لإعادة التفوق الإسرائيلي على “الجبهة الشمالية”، والسماح للمستوطنين بالعودة إلى ديارهم مع اقتراب بدء العام الدراسي الجديد في سبتمبر، حيث أبلغ المبعوثون الدبلوماسيون الأطراف اللبنانية بقرب الهجوم الإسرائيلي، ولذلك قرر حزب الله الرد في أسرع وقت ممكن.

تقديم تنازلات

بالنسبة للجماعة اللبنانية كان الأمر يتعلق بشن هجوم مذهل يظهر للإسرائيليين قوتها العسكرية وتصميمها، دون مهاجمة أهداف مدنية حتى لا تعطي عدوها ذريعة تدفعه إلى توسيع المواجهة. كما أن التوقيت المختار يتوافق مع احتفال الطائفة الشيعية بالذكرى الأربعين لاستشهاد الإمام الحسين، حفيد النبي، والتي لا تزال بعد كل هذه السنوات، تحمل رمزية كبيرة له لهذه الطائفة من حيث التفاني والوفاء والتضحية.

وأخيرًا، فإن هذا الهجوم من جانب حزب الله يأتي بينما تُستأنف المفاوضات حول التوصل إلى اتفاق بقطاع غزة بالعاصمة المصرية القاهرة، وبالتالي يمكن اعتباره وسيلة للضغط على هذه المفاوضات، لدفع الإسرائيليين إلى تقديم تنازلات ترفضها حكومة بنيامين نتنياهو حتى الآن.

الإسرائيليون أبلغوا بالسر

تقول الكاتبة إن مصادر دبلوماسية أشارت إلى أن اتصالات سرية، مباشرة أو غير مباشرة، قد جرت بين المعسكرين الأمريكي والإيراني، وأن الأمريكيين ربما أبلغوا برد فعل حزب الله، ولذلك أرسلوا على الفور رئيس أركان الجيوش الجنرال تشارلز براون إلى المنطقة لمحاولة منع أي تصعيد.

وأوضحت أنه ربما أبُلغ الإسرائيليون بهذا السر، فوفقًا لوسائل الإعلام العبرية، بدون الغارات الإسرائيلية الاستباقية، فإن حزب الله خطط لإطلاق أكثر من 1000 صاروخ ضد أهداف إسرائيلية، وبالتالي، أجبرته “العملية الوقائية الإسرائيلية” على التخفيف من حدة هجومه وإفراغه فعليًا من مضمونه.

ومن جهته يستنكر حزب الله هذه النظرية، وتؤكد مصادر مقربة منه أن الإسرائيليين يقصفون مناطق في الجنوب والبقاع وأحيانًا في صيدا، من دون تحديد أهداف محددة، وهذا فقط لإخافة اللبنانيين واستعراض قوتهم النارية.

معادلة جديدة

في المقابل، نجح حزب الله، في العملية التي نفذها فجر الأحد، في إغلاق جبهة بطول 1500 كلم، من الشرق إلى الغرب. وبدأ بإرسال الصواريخ الـ320 “لشغل القبة الحديدية” وبالتالي السماح للطائرات بدون طيار التي أرسلها بعد ذلك بالوصول إلى أهدافها العسكرية، إذ تعرضت معظم الثكنات والقواعد في الشمال لقصف بطائرات مسيرة تابعة لحزب الله.

وبحسب الكاتبة فإن العنصر الجديد والمثير للدهشة هو الوصول إلى قاعدة تقع على بعد 100 كيلومتر من الحدود اللبنانية وحوالي 7 كيلومترات من تل أبيب. وهكذا أسس حزب الله معادلة جديدة: ضواحي بيروت في مواجهة ضواحي تل أبيب. وأنه بغض النظر عن أهمية الهدف الذي جرى ضربه، فهذه هي المرة الأولى بالفعل التي يتمكن فيها حزب الله من ضرب أهداف بعيدة جدًا في الداخل الإسرائيلي، دون أن تعترض الدفاعات الإسرائيلية المضادة للطائرات طائراته بدون طيار.

ويرى الحزب أنه في ظل رد الفعل الإسرائيلي المحدود على هذا الهجوم، فإنه نجح في فرض قواعد الاشتباك الخاصة به وإعادة إرساء ما يسميه “ميزان الردع”. وإذا كان الإسرائيليون ما زالوا يريدون توسيع المواجهة، فسيكون مستعدًا لشن حرب أكبر. لكن الإشارات التي وصلت إليه طوال نهار الأحد، تشير إلى أن الاتجاه السائد هو إبقاء المواجهة تحت سقف محدد في انتظار مجريات الأحداث.

ربما يعجبك أيضا