هل الزلزال وحده هو المسؤول عن الانهيار الكامل للمباني التركية؟

ثروت منصور

تطرقت الـ"بي بي سي" البريطانية إلى بعد آخر في مسألة الانهيار المريع للمباني التركية، غير الزلزال وتوابعه، فما الأسباب الأخرى لذلك؟


أثار منظر الشقق المشيدة حديثًا، وهي تنهار إثر الزلازل التي ضربت تركيا، الأسبوع الماضي، شكوكًا حول مدى التزام الشركات بمعايير ولوائح البناء.

وأفاد تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي ) وصحيفة الجارديان أن آلافًا من المباني المنهارة جرى تشييدها دون التزام قواعد السلامة ومواصفات الأمان، في حين غضت الحكومة الطرف عن تلك المخالفات.

من المسؤول؟

وقع زلزال بأنقرة عام 2011 قتل فيه المئات، وقد ألقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، باللوم في ذلك الوقت، على سوء البناء، ما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى، قائلًا: “يجب على البلديات والمقاولين والمشرفين الآن أن يروا أن إهمالهم يرقى إلى القتل”.

وأدخلت تركيا قوانين بناء تتطلب أن تكون الإنشاءات مقاومة للزلازل، ولكن غالبًا ما جرى فرض هذه القوانين بطريقة فضفاضة، فجرى إنشاء أكثر من نصف المباني بنحو غير قانوني، وفقًا للجارديان.

انهيار مبانٍ جديدة

في الأسبوع الماضي، وقع زلزالان كبيران بقوة 7.8 و7.5 درجة بمقياس ريختر، دمرا كل المباني الواقعة في محيطه، وقتلا الآلاف من الناس في جنوب تركيا وشمال سوريا.

وانهار بعض المباني السكنية الجديدة، ما أدى إلى طرح أسئلة ملحة حول معايير السلامة في المباني. وبات من المهم أن تفعّل تقنيات البناء الحديثة، وأن تطبق في كل المباني، حتى تتحمل الزلازل والهزات الأرضية هذا الحجم.

مخالفات في البناء

جرى تشييد بعض الشقق المنهارة في العام الماضي، وتوجد مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر إعلانًا كان يقول إن هذه المبانى “اكتملت وفقًا لأحدث أنظمة الزلزال”.

وزعم الإعلان أن جميع المواد المستخدمة كانت ذا جودة من الدرجة الأولى، ولم يعد الإعلان الأصلي متاحًا عبر الإنترنت، وتوجد إعلانات مماثلة من نفس الشركة عن مبانٍ أخرى.

وتتطلب المناطق المعرضة للزلازل استخدام خرسانة عالية الجودة، مدعمة بقضبان فولاذية. وعلاوة على ذلك يجب توزيع الأعمدة والحزم لامتصاص تأثير الزلازل بطريقة فعالة.

مبانٍ حديثة

تظهر الصور أن مبنى سكنيًّا آخر جرى بناؤه في الفترة الأخيرة في مدينة الإسكندرونة الساحلية، الواقعة جنوب تركيا، قد دُمِّر إلى حد كبير، فانهار المبنى المكون من 16 طابقًا بالكامل، ولم يتبق سوى جزء صغير منه.

وفي هذا السياق، طابقت “بي بي سي” البريطانية صورة المبنى المنهار بصورة دعائية نشرتها شركة البناء، ما يدل على اكتمال بنائه في عام 2019.

وتظهر صورة أخرى في أنطاكيا، جرى التحقق منها من “بي بي سي”، أن مجمعًا سكنيًّا مكونًا من 9 طوابق، تحول إلى أنقاض، ووجدت الشبكة البريطانية مقطع فيديو لحفل افتتاح المجمع السكني في نوفمبر 2019.

لوائح البناء

مع انهيار العديد من المباني في جميع أنحاء المنطقة المنكوبة، يطرح الكثيرون في تركيا أسئلة بشأن طبيعة لوائح البناء. وعلى الرغم من أن الزلازل كانت قوية، فإن الخبراء يقولون إن المباني المشيدة بطريقة صحيحة كان يجب أن تظل قائمة.

ويقول الخبير في التخطيط وإدارة الطوارئ بجامعة لندن، ديفيد ألكسندر: “هذا الزلزال كان شديدًا، ولكن درجته ليست كافية بالضرورة لهدم مبانٍ جيدة التشييد”.

تطبيق معايير البناء

جرى تشديد لوائح البناء في أعقاب الكوارث السابقة، بما في ذلك زلزال 1999 حول مدينة إزميت، شمال غرب البلاد، والذي قتل فيه 17 ألف شخص.

ويقول البروفيسور ألكسندر: “تكمن المشكلة جزئيًّا في وجود القليل جدًّا من التعديلات التحديثة للمباني الحالية، غير أنه يوجد القليل جدًّا من تطبيق معايير البناء على المباني الجديدة”.

عفو عن مخالفات البناء

قدمت الحكومة عفوًا عن مخالفات البناء دوريًّا مع دفع رسوم، وذلك للمباني التي جرى تشييدها بدون شهادات السلامة المطلوبة. ولقد جرى تمرير هذا الإجراء منذ الستينات وآخرها عام 2018.

وحذر النقاد من أن هذه القرارات قد تؤدي إلى كارثة في حالة وقوع زلزال كبير. وجرى منح ما يصل إلى 75 ألف مبنى في منطقة الزلزال المتضررة جنوب تركيا قرارات عفو، وفقًا لما ذكره رئيس اتحاد غرف المهندسين ومخططي المدن في اسطنبول، يلين بينار جيريتلي أوغلو.

مشروع قانون

قبل أيام قليلة من وقوع الكارثة الأخيرة، ذكرت وسائل الإعلام التركية أن مشروع قانون جديد، ينتظر موافقة البرلمان التي ستمنح عفوًا إضافيًّا عن أعمال البناء المخالفة الأخيرة.

وحذر رئيس غرفة المهندسين المدنيين، جمال جوكتشي، عام 2019 من قوانين العفو، قائلًا: “سيعني ذلك تحويل مدننا، لا سيما اسطنبول، إلى مقابر، ما يؤدي إلى ظهور توابيت من منازلنا”.

13 مليون مبنى

قال الجيولوجي، جلال سينجور، في وقت سابق من هذا العام، إن تمرير مثل هذا العفو عن البناء في بلد تمزقه خطوط الصدع يرقى إلى حد الجريمة.

وذكرت وزارة البيئة والتحضر أنه في عام 2018 جرى تشييد أكثر من 50% من المباني في تركيا، ما يعادل 13 مليون مبنى تقريبًا، في انتهاك واضح للوائح.

 

ربما يعجبك أيضا