هل تنجح الصين في الانفصال الاقتصادي عن الولايات المتحدة؟

آية سيد

من المتوقع أن تدفع الحرب الروسية الأوكرانية الصين إلى تسريع جهود انفصالها الاقتصادي عن الولايات المتحدة. فهل تنجح؟


على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية فرضت الولايات المتحدة والدول الغربية مجموعة من العقوبات غير المسبوقة على روسيا، وامتنعت الصين عن إدانة روسيا بنحو واضح.

هذه العقوبات لها تداعيات اقتصادية واسعة النطاق على روسيا ودول العالم. في هذا السياق نشرت صحيفة فورين بوليسي الأمريكية تقريرًا توقعت فيه أن الصين ستُسرّع انفصالها الاقتصادي عن أمريكا، خاصة إذا استغلت بكين الفرصة لتعزيز الجاذبية العالمية لعملتها وهيكلها المالي.

تأثير عقوبات روسيا في الصين

رأت كبيرة الاقتصاديين في مركز الأبحاث البريطاني “إينودو إيكونوميكس”، ديانا تشويليفا، في تقرير صحفي، نشرته فورين بوليسي في 15 إبريل 2022. أن واشنطن عبر منع وصول روسيا إلى 630 مليار دولار في صورة نقد أجنبي واحتياطيات ذهب، استعرضت قدر القوة المالية الهائلة التي لا يزال الغرب يحتفظ بها. وهذا من شأنه أن يعزز إصرار بكين على التمسك بمسارها الأيديولوجي واقتطاع دائرة نفوذ جيوسياسية.

وذكرت الكاتبة أن الإجراءات العقابية، مثل منع المقرضين الروس من استخدام شبكة سويفت، من المرجح أن تُسرّع تشعب النظام الاقتصادي والمالي العالمي. وأطلقت شركة إينودو إيكونوميكس على هذه العملية اسم “الانفصال العظيم” منذ بضعة سنوات. ولفتت الكاتبة إلى أن الاعتماد على الذات ماليًّا سيكون سمة مهمة للنظام العالمي الناشئ.

الحد من الاعتماد على الدولار

وفقًا لتشويليفا، فإن أي دولة قلقة من استعراض الغرب للقوة المالية للدولة ربما تختار التحوط من اعتمادها على الدولار عن طريق المشاركة في البدائل الروسية والصينية. وفي هذا الصدد اعتمدت روسيا على دول مجموعة البريكس، المكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، لتوسيع استخدام عملاتها الوطنية في التجارة ودمج أنظمة الدفع.

وبحسب ما قاله وزير المالية الروسي، أنطون سيلوانوف، كانت هذه الخطوات ضرورية، لأن العقوبات الغربية دمرت أساس النظام النقدي والمالي الدولي الحالي القائم على الدولار.

أنظمة بديلة لـ”سويفت”

لفتت الكاتبة إلى أن روسيا أنشأت نظام تحويل الرسائل المالية، البديل لسويفت، ونظام دفع “مير”. لكن حصة روسيا من الاقتصاد العالمي ضئيلة. لذلك إذا كانت الدول لا ترغب في التحالف اقتصاديًّا وماليًّا مع الغرب والتمسك بالدولار، يصبح لديها بديلًا واقعيًّا واحدًا وهو الصين واليوان، المعروف أيضًا بـ”رنمينبي”.

وتتطلع السعودية بالفعل إلى الحصول على أموالها باليوان مقابل النفط الذي تبيعه لبكين بعد التعامل بالدولار حصريًّا لقرابة الـ50 عامًا. وإذا استطاعت بكين جعل أنظمتها المالية وأنظمة الدفع العابرة للحدود أكثر جاذبية، وإذا ارتفعت مكانة الرنمينبي فقد تتقوض هيمنة الدولار مع مرور الوقت، بحسب الكاتبة.

كيف تتجنب البنوك الصينية السقوط في فخ العقوبات؟

حذرت تشويليفا من أن البنوك الصينية قد تسقط فريسة للعقوبات الغربية إذا زادت الخطوط الائتمانية إلى روسيا. ونظرًا لأن 75% من تجارة البضائع الصينية تصدر فواتيرها بالدولار، فإن منع الصين من نظام مقاصة الدولار ونظام سويفت قد يكون له عواقب يصعب فهمها على البنوك الصينية والاقتصاد العالمي.

وأشارت إلى أن أحد مسارات العمل المرجحة هي أن تُسرّع الصين التطوير والاستخدام العالمي لنظام المدفوعات عبر الحدود بين البنوك “سي آي بي إس” للمعاملات بالرنمينبي. ويمتلك “سي آي بي إس” نظام مراسلة خاص، لكنه يعتمد على سويفت. ورغم أن “سي آي بي إس ضئيل” بالمقارنة بسويفت ونظام المقاصة بين البنوك الأمريكي “تشيبس”، من المرجح أن يحصل على دفعة بسبب العقوبات الغربية على روسيا.

وذكرت الكاتبة أن العملة الرقمية الصينية الناشئة، اليوان الرقمي، ستلعب دورًا مهمًّا أيضًا في تعزيز الجاذبية الدولية للرنمينبي. وأضافت أنه من المرجح أن يجعل اليوان الرقمي المدفوعات عبر الحدود أرخص وأكثر كفاءة مما هي عليه الآن.

من يربح في معركة السيادة الاقتصادية؟

وفقًا لتشويليفا، من المتوقع أن تُسرّع بكين جهودها لتعزيز استخدام اليوان في الأسواق الدولية، بتحفيز من العقوبات الغربية على روسيا. وفي المدى القصير لن تكون المهمة سهلة. لقد أثارت مغامرات بوتين أزمة لا تريدها الصين بينما تصارع للحفاظ على استقرار الاقتصاد. وفي المدى الأطول تمتلك أمريكا مجالًا واسعًا لمواجهة الصين عبر بناء دائرة نفوذ مرنة تمتثل لقيم الأسواق الحرة والليبرالية.

وبيّنت الكاتبة أن الطريقة التي ستتطور بها معركة السيادة هذه وسيتشعب بها النظام المالي العالمي ستعتمد جزئيًّا على مدى تكيف الولايات المتحدة والصين مع الفترة المطولة المتوقعة من الركود التضخمي. وأشارت إلى أن إعادة تنظيم سلاسل الإمداد العالمية نتيجة للانفصال العظيم بين أكبر اقتصادين في العالم تُعد عاملًا قويًّا وراء التأجج الحالي للتضخم.

وختامًا، ذكرت الكاتبة أن من ينجح في تحويل مشكلة الركود التضخمي إلى فرصة لتعزيز الابتكار والإنتاجية المحلية وكذلك ينجح أيضًا في بناء دائرة نفوذ قوية سيكون هو الرابح.

من سيصبح الخاسر الأكبر؟

في المقالة الافتتاحية لصحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية، في 14 إبريل 2022، رأى الأستاذ بكلية كليرمونت ماكينا بكاليفورنيا، مينشين باي، أن الصين تحاول منذ أعوام الانفصال الاقتصادي عن أمريكا والغرب. هذا ظهر في استراتيجية الدورة المزدوجة التي كشفت عنها بكين في 2020، والتي تهدف إلى تشجيع الطلب المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي. وإذا حدث هذا ستكون الصين أكبر الخاسرين لـ3 أسباب.

أولًا ستعاني الصين من انخفاض إمكانية الوصول إلى الأسواق الغربية الرئيسة، والطلب المحلي لن يعوض هذه الخسارة. ثانيًا ستخسر الصين إمكانية وصولها إلى التكنولوجيات التي تحتاجها لبناء اقتصاد المعرفة. ثالثًا ستخسر الصين المكاسب المتعلقة بالكفاءة من المنافسة الديناميكية. وبحسب الكاتب، بينما تتراجع قدرة الصين الاقتصادية ستتراجع مكانتها على الساحة العالمية ومكانة الحزب الشيوعي في الداخل.

ربما يعجبك أيضا