بعد موافقة أوكرانيا على اقتراح أمريكي بوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا، بدا أن الأوضاع تتجه نحو التهدئة، ولكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يُظهر أي نية لإنهاء الصراع، إذ ظهر بزيه العسكري خلال زيارة لمركز قيادة، مؤكدًا أن قواته تقترب من السيطرة الكاملة على كورسك.
وجاءت تصريحات بوتين بعد لقائه بالرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، حيث أشار إلى أن وقف إطلاق النار سيمنح كييف فرصة لإعادة تنظيم قواتها، هذه النظرة تعكس رؤية موسكو التي ترى أن أي توقف في القتال لا يخدم مصالحها طالما أنها تواصل تحقيق تقدم ميداني.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتن يلتقي نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو
تحقيق مكاسب
أوضحت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن بوتين لم يرفض اقتراح ترامب لوقف إطلاق النار بشكل مباشر، لكنه ربطه بمطالب سياسية واسعة، تتضمن إنهاء التعبئة الأوكرانية وتسليم كورسك بالكامل. هذه المطالب لم تتغير منذ بداية الغزو، مما يشير إلى أن الكرملين لا يرى في المفاوضات سوى وسيلة لتعزيز موقفه العسكري والسياسي.
وأضافت، في تقرير نشرته الجمعة 14 مارس 2025، أن بوتين يسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب قبل الدخول في أي مفاوضات جادة، ومع وجود إدارة أمريكية تبحث عن إنهاء الحرب بسرعة، يحاول الكرملين الاستفادة من هذا الوضع لإملاء شروطه.
تعليق المساعدات الأمريكية
قالت الصحيفة إن التراجع الأمريكي المؤقت عن تقديم الدعم العسكري لكييف منح روسيا فرصة لاستغلال تفوقها العسكري، حيث تمكنت موسكو، خلال هذه الفترة، من تحقيق مكاسب كبيرة، خاصة في كورسك، ما جعل بوتين أكثر ثقة في موقفه التفاوضي.
وباتت القوات الأوكرانية في موقف صعب، إذ تراجعت إلى مناطق محصنة على الحدود، فيما تشير التقارير إلى أن الجنود المتبقين في كورسك باتوا محاصرين. ومع استمرار تقدم القوات الروسية، تبدو فرص كييف في استعادة زمام المبادرة أكثر صعوبة.
جدية الضغط الأمريكي
ذكرت الصحيفة البريطانية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يسعى لإنهاء الحرب بسرعة، أشار في منشور على منصته “تروث سوشيال” إلى أن آلاف الجنود الأوكرانيين محاصرون بالكامل، وأنه طلب من بوتين السماح لهم بالمغادرة بأمان، وأثارت هذه التصريحات تساؤلات حول مدى جدية الضغط الأمريكي على موسكو.
في المقابل، يدرك الكرملين أن وقف الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا سيصب في مصلحة روسيا، وهو ما يجعله مترددًا في قبول أي وقف لإطلاق النار دون ضمانات تحقق أهدافه الاستراتيجية.
معضلة معقدة
يرى بعض المحللين أن بوتين يواجه معضلة معقدة، إذ إن وقف إطلاق النار قد يمنح أوكرانيا فرصة لإعادة التسلح أو التوصل إلى اتفاق مع القوى الأوروبية لنشر قوات حفظ سلام، وفي هذه الحالة، ستجد روسيا نفسها أمام خيارين: إما تصعيد القتال أو قبول تسوية قد لا تكون في صالحها.
ورغم ذلك، فإن بوتين يراهن على أن إرهاق أوكرانيا عسكريًا واقتصاديًا سيجبرها على تقديم تنازلات، وهذا التكتيك يعكس استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى فرض أمر واقع يصعب تغييره لاحقًا.

فلاديمير بوتن يزور نقطة قيادة للقوات في منطقة كورسك الروسية
ضغوط اقتصادية
أوضحت الصحيفة أن تعنت بوتين يختبر مدى استعداد واشنطن للضغط على روسيا حتى مع سعيها لتحقيق تقارب تاريخي مع الكرملين، مشيرة إلى أن ترامب هدد بفرض عقوبات جديدة على روسيا إذا رفضت وقف إطلاق النار، ولكنه في الوقت ذاته أبدى استعدادًا لبحث تقديم تنازلات إقليمية، ما يشجع بوتين على التفاوض دون تقديم تنازلات كبيرة.
ورغم أن العقوبات الغربية لم تغير موقف موسكو بشكل جذري، فإن استمرار الضغوط الاقتصادية قد يدفع الكرملين إلى إعادة تقييم استراتيجيته، وفي حال تراجع عائدات النفط الروسية، فقد تجد موسكو نفسها مضطرة إلى البحث عن حلول سياسية أكثر مرونة.
حسابات بوتين
يدرك بوتين أن تحقيق نصر كامل في أوكرانيا قد يكون أمرًا صعبًا، لكنه يسعى إلى استغلال أي فرصة لتعزيز موقفه، فوقف إطلاق النار قد يكون مجرد استراحة قبل جولة جديدة من الصراع، حيث يحاول كل طرف تحقيق أقصى مكاسب ممكنة قبل العودة إلى المفاوضات.
إضافة إلى ذلك، فإن بوتين يراهن على تراجع الدعم الغربي لكييف مع مرور الوقت، سواء بسبب الضغوط الاقتصادية أو الانقسامات السياسية داخل الدول الداعمة. ومن خلال استمرار الضغط العسكري، يسعى إلى فرض شروطه على أي تسوية مستقبلية، مما يجعله أكثر استعدادًا لمواجهة أي مبادرات دبلوماسية قد تطرحها واشنطن أو حلفاؤها الأوروبيون.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2164529