آسيا تايمز| لماذا تغض روسيا الطرف عن هجمات إسرائيل على سوريا؟

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

نشرت روسيا أكثر أنظمتها الدفاعية الجوية تطورًا “إس-400” في سوريا، لكن لا يبدو أن هذا السلاح المتطور يعمل ضد الطائرات الإسرائيلية. إنه لسرّ معروف أن موسكو، حليفة الرئيس السوري بشار الأسد، تسمح لإسرائيل بتنفيذ ضربات جوية ضد الجيش السوري والمليشيات الإيرانية العاملة في البلاد. إن التفوق الجوي الروسي في سوريا ساعد في تحويل كفة الصراع لصالح الأسد، لكن لماذا تسمح روسيا لإسرائيل بتنفيذ عملياتها من دون عراقيل؟

في الثامن والعشرين من ديسمبر، هاجمت طائرات حربية إسرائيلية مجمّع الحاويات في ميناء اللاذقية، في منطقة في سوريا تحتفظ فيها روسيا بقاعدة بحرية رئيسية. أصابت الضربات الجوية ساحة يُعتقد أنها تحتوي على شحنات أسلحة إيرانية.

كانت تلك محاولة إسرائيل الثانية لتدمير الشحنة؛ إذ نُفذت المحاولة الأولى في السابع من ديسمبر، لكنها كانت أقل نجاحًا فيما يبدو مقارنةً مع الضربة الأخيرة والتي ألحقت ضررًا كبيرًا.

في تلك الليلة، لم يحاول نظام إس-400 الروسي أو أنظمة الدفاع الجوي السورية ضرب الطائرات الإسرائيلية. الحقيقة هي أن روسيا لم تشغّل مطلقًا أنظمة دفاعها الجوية ضد الطائرات الإسرائيلية. يُعتقد أن هذا النهج الإيجابي هو جزء من صفقة أوسع بين البلدين.

عقب إطلاق الكرملين مغامرته العسكرية في سوريا عام 2015، توصلت روسيا لاتفاق مع الدولة اليهودية، وتفيد تقارير بأن إسرائيل تعهدت بضمان سلامة المواطنين والمنشآت العسكرية الروسية في سوريا أثناء ضرباتها على مليشيات إيرانية وأهداف عسكرية سورية. في المقابل، وعدت موسكو بعدم استخدام أسلحتها للتصدي للهجمات الإسرائيلية.

في هذه الحالة، لماذا لم يتصدَ الجيش السوري بأسلحته للضربات الإسرائيلية في الثامن والعشرين من ديسمبر؟ وبحسب مسؤولين في الكرملين، كانت طائرة نقل عسكرية روسية تهبط في قاعدة حميميم الجوية-التي تقع على بُعد 25 كيلومتر من اللاذقية- أثناء حدوث الضربات الجوية الإسرائيلية، بالتالي لم يتم تشغيل الدفاعات الجوية السورية للتصدي للهجوم.

وما من شك أن الكرملين يرغب في تفادي وقوع حوادث مثل تلك التي وقعت في عام 2018 عندما تعرضت طائرات استطلاع روسية، عائدة إلى حميميم وعلى متنها 15جنديًا، بالخطأ لنيران صاروخ أرض-جو سوري من طراز إس200. ألقت موسكو باللوم على إسرائيل في هذا الحادثة، زاعمة أن طائرات إسرائيلية وضعت الطائرة الروسية من طراز إليوشن-20 في مسار أنظمة الدفاع الجوية السورية بعد فشل إسرائيل في إعطاء القيادة الروسية تحذيرًا كافيًا بشأن هجومها على أهداف سورية.

كانت هناك توقعات بأن طائرة إليوشن-20 تعرضت لإصابة من طائرات إف-16 إسرائيلية، لكن حتى لو كان هذا ما حدث، لم يتجاوز الكرملين مطلقًا حدّ الإدانة اللفظية للحادثة.

لم يؤثر ذلك الحادث المأساوي على العلاقات بين روسيا وإسرائيل. بالرغم من أن الجيش الروسي العامل في سوريا لديه القدرة على منع إسرائيل من ضرب أهداف إيرانية وسورية، إلا أن روسيا تغض الطرف باستمرار عن نشاط إسرائيل في سوريا، ولم يكن الهجوم على ميناء اللاذقية استثناءً.

بالنسبة للأسد والإيرانيين، يتصرف الكرملين كحليف وشريك غير موثوق به. في عام 2010، رفضت موسكو بيع نظام إس-300 للدفاع الجوي إلى طهران، رضوخًا لضغوط من الولايات المتحدة وإسرائيل. رفضت روسيا مجددًا في عام 2019 طلبًا إيرانيًّا لشراء نظام إس-400 الدفاعي، خشية أن يتسبب هذا في زيادة التوترات في الشرق الأوسط. 

وحتى الآن بعد انتهاء سريان حظر مجلس الأمن الدولي على مبيعات الأسلحة التقليدية إلى إيران، لا يزال من المستبعد للغاية أن تبيع موسكو أنظمة إس-400 إلى إيران. يُقال إن الكرملين قلق من أن إسرائيل قد تردّ عبر تقديم مسيّرات متطورة إلى أوكرانيا، التي تخشى من حرب وشيكة مع روسيا.

بالتالي، وحتى لا تضع علاقاتها مع إسرائيل في مهب الريح، ربما تحجم روسيا عن تعميق علاقاتها العسكرية مع إيران.

وكما ذكر “مائير بين شابات”، المستشار الإسرائيلي السابق لشؤون الأمن القومي، فإن روسيا تشارك إسرائيل الرأي بأن إيران “قوة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط”. كما شدد “مائير” على أن موقف موسكو إزاء إيران أقرب إلى إسرائيل من التصريحات العلنية.

إن موقف روسيا السلبي تجاه الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا، يوضح جليًّا أن الكرملين ليس مستعدًا للإضرار بعلاقاته مع إسرائيل من أجل التحالف مع سوريا أو شراكة استراتيجية محتملة مع إيران.  وقبل بضعة أيام من الهجوم على اللاذقية، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإسرائيلي “إسحاق هيرتزوغ” مكالمة هاتفية وناقشا التعاون الثنائي.

إن العلاقات بين إسرائيل وروسيا متشابكة تاريخيًّا وتتمركز حول الحرب العالمية الثانية، وتأسيس دولة إسرائيل، وهجرة اليهود الروس للعيش هناك.

هناك نحو 1.5 مليون إسرائيلي يتحدثون الروسية في الدولة اليهودية، كما أن بعض رجال الأعمال الروس من طبقة الأوليغارش، مثل ميخائيل فريدمان وجيرمان خان، حصلوا على الجنسية الإسرائيلية.

وبالنظر إلى الدور المهم للغاية الذي تلعبه طبقة الأوليغارش في السياسة الروسية، ورغبة روسيا في الحفاظ على علاقات طيبة مع جميع الأطراف في الشرق الأوسط، فإنه من المتوقع أن يواصل الكرملين منع دمشق من الردّ على الضربات الجوية الإسرائيلية.  إن سوريا هي الحلقة الأضعف في العلاقات الروسية – السورية، كما أن طهران من جانبها، ليست في موقف يسمح لها بالضغط على موسكو للسماح للمليشيات الإيرانية باستخدام الأراضي السورية كقاعدة ضد إسرائيل.

وأخيرًا، ستواصل روسيا الموازنة بين ما يسمى بمحور المقاومة (سوريا وإيران ووكلاء طهران) وعدوهم اللدود إسرائيل، لكن العلاقات التاريخية والحالية تعني أن كفة الميزان ربما تميل أكثر لصالح إسرائيل.  

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا