آفاق الاقتصاد الصيني.. تباطؤ «محتوم» على واشنطن ألّا تستغله

علاء بريك

يتوقع العديد من الخبراء أن الاقتصاد الصيني لن يحقق النمو المستهدف، ما سينعكس على الداخل الصيني والعالم، فما أبرز هذه الانعكاسات وأي السبل هو الأفضل أمام الإدارة الأمريكية لعالم أفضل ومستقر.


تسبب قرار الإغلاق الأخير لمواجهة فيروس كورونا في الصين إلى تضرر الاقتصاد، ما يهدد بعرقلة الهدف المحدد من قبل بكين لنمو إجمالي الناتج المحلي، حسب ما نشرت شبكة بلومبرج.

وتأتي هذه الأنباء في ظل تنافسٍ أمريكي صيني وإعلان القيادة الصينية استهدافها معدل نمو قدره 5.5%، لكنَّ الصعوبات والمشاكل أمام تحقيق هذا المعدل متعددة، ويرجّح خبراء أنَّ ما ينتظر الاقتصاد الصيني هو تباطؤ لا نمو، فما الواقع على الأرض؟ وما الآفاق المستقبلية؟

صعود الاقتصاد الصيني

في مؤتمرٍ عقدته جامعة بروكنجز في فبراير 2006، تحدَّث كبير الباحثين في مركز جون ثورنتون والمساعد الخاص للرئيس الأمريكي سابقًا، جيفري بدر، عن العلاقة بين الصين وأمريكا وأطوارها المختلفة، وقال “اختلفت رؤية أمريكا للصين عدة مرات خلال الـ50 عامًا الماضية… بين 1949-1971 كانت ديكتاتورية شمولية، وبين 1971-1989 كانت شريكًا في الحرب الباردة… بين 1989-1995 تركز اهتمام أمريكا على سجل حقوق الإنسان الصيني، وبدأت تولي الاقتصاد الصيني بعض الانتباه”.

على الصعيد الاقتصادي، يورد بدر بعض المؤشرات اللافتة عن الاقتصاد الصيني في حينها: 1) نموه بمعدل 9.5% على مدار ربع قرن، 2) تضاعف الناتج المحلي 4 مرات بين 1980 و2000، 3) انتشال 400 مليون شخص من الفقر، 4) صعوده إلى المرتبة 3 بعدما كان في المرتبة 30 في 1977، 5) ثاني أكبر مستقطب للاستثمار الأجنبي المباشر، 6) راكم 819 مليار دولار من العملة الأجنبية.

وتعاظمت قوة الصين الاقتصادية اليوم، على سبيل المثال تظهر البيانات أنَّ الاقتصاد الصيني يحتل المرتبة الثانية عالميًّا من حيث حجمه بعد الاقتصاد الأمريكي، لكنَّ هذه الأرقام مضللة بحسب أستاذ التمويل في جامعة ستوني بروك، نوا سميث، كونها تُغفِل تفاوت القوة الشرائيّة بين البلدين، أو بعبارة أخرى اختلاف سعر السلعة بين دولة وأخرى، لذا لتحصيل صورة أدق يعمد الاقتصاديون إلى تعديل البيانات بـ”معادل القوة الشرائيّة”، وبتطبيقها على الاقتصاد الصيني يتبين أنَّه يحتل المرتبة الأولى عالميًّا متفوقًا على الأمريكي.

widget?indicators=NY.GDP.MKTP.PP.CD&locations=CN-US

العلاقة الأمريكية الصينية

في 2006، وصف بدر العلاقة بين الصين وأمريكا بالتكاملية، فالواردات الصينية ساعدت على إبقاء معدلات التضخم الأمريكية متدنية، وخففت العبء عن كهل الطبقات الأمريكية الفقيرة والمتوسطة. لكن بعد نحو عقد من الزمن، عدَّلت الإدارة الأمريكية تقييمها للصين في خطتها الأمنية الاستراتيجية واصفةً إياها بالمنافس الاستراتيجي، بحسب ما كتب مؤسس مجموعة روديوم، دانيال روزِن، لصحيفة فورِن أفايرز في 15 إبريل 2022.

وبرأي روزِن، عززت خطط الحزب الشيوعي الصيني هذا التقييم، فالقيادة الصينية تخطط لإبقاء معدلات النمو بين 6 و8% سنويًّا، ما يعني تجاوز الاقتصاد الصيني لنظيره الأمريكي مع نهاية العقد الحالي. وبالتبعية سيزداد الإنفاق العسكري الصيني زيادةً كبيرة، فضلًا عن استمرار توطين التكنولوجيا وتقليل الاعتماد على الخارج. ونبَّه هذا الأمر الإدارة الأمريكية ودفعها لاتخاذ خطوات لمواجهة هذا التحدي تمحورت حول زيادة الإنفاق العسكري، وضبط علاقة شركاتها مع الصين بما لا يسمح للأخيرة استغلالها لمصلحتها.

وعلى مدار السنوات الماضية، سادت سردية الصعود الحتمي للصين والتراجع الحتمي لأمريكا، وعززها صمت واشنطن إزاء التهديدات الاقتصادية الصينية، لكن روزِن يطرح رؤية مخالفة تقول إنَّ هذا الصعود ليس محتَّما ومثله التراجع، وإن على واشنطن الاستثمار في تحدي هذه السردية، وكشف نقاط الضعف في الاقتصاد الصيني ومشاكله للحفاظ على القيادة العالمية.

مطبات الاقتصاد الصيني

في بداية صيف 2021، بدأت الصين تطبيق إجراءات صارمة على بعض شركات التكنولوجيا بعد أن كان القطاع التكنولوجي أحد القطاعات الريادية في الدولة، فبحسب روزِن في مقالٍ آخر له على فورن أفايرز أفرز هذا القطاع مشكلتين، أولاها مشكلة الفجوة في الدخل والثروة، وثانيها أنَّ تنامي نفوذ هذا القطاع من الشركات الخاصة أتى على حساب نفوذ وسلطة الدولة. وفي منتصف الصيف، كان موعد قطاع آخر هو قطاع العقارات مع إجراءات مماثلة. لاحقًا في سبتمبر، انفجرت أزمة توريد الطاقة.

مع بداية عام 2022، أعلنت الصين استهدافها معدل نمو 5.5% مع نهاية 2022، ويستاءل روزِن مِن أين قد يأتي هذا النمو؟ فبالنظر إلى حجم الاقتصاد الصيني البالغ 17.7 تريليون دولار في 2021 تحتاج بيكين إلى زيادة قدرها تريليون دولار لتحقيق هذا النمو، يحيل روزِن على 3 قطاعات: استثمار الشركات، والإنفاق الحكومي، والإنفاق العائلي. بعد عرض العقبات أمام هذه القطاعات يخلص روزِن إلى أنَّ النمو المستهدف من الصعب تحقيقه، بل حتى معدل 2% سيكون صعبًا على القيادة الصينية.

بخلاف الأداء الاقتصادي، يبرز عامل آخر يمثل تحديًا للصين وهو عدد سكانها البالغ نحو 1.5 مليار ونصف المليار، فالنمو السكاني بات منعدمًا منذ 2015، والسبب بحسب روزِن أنَّ الأزواج في الصين لا يرغبون بإنجاب أطفال نتيجة صعوبة الوضع الاقتصادي، وبالنظر إلى التفاوت بين الريف والمدينة في الصين ستتأثر اليد العاملة، ما قد يجعل الصناعات كثيفة العمل في مأزق، وبالتبعية مع عمالة أقل سيكون هناك استهلاك أقل.

التبعات على العالم

تستثمر الصين في عديد الدول عبر مبادرة الحزام والطريق، وتٌقرِض دولًا جنوبية بشروط ميسرة، وتعتمد عليها دول أخرى، وسيكون لتراجع النمو فيها أثر في تلك الدول. وستتأثر أيضًا التجارة الصينية مع قرابة 55 دولة التي لديها فائض تجاري معها، بحسب بيانات البنك الدولي. كذلك ستتأثر سلاسل التوريد العالمية سلبًا، بما يؤثر في الطلب العالمي.

وفضلًا عن التجارة، تبرز تبعات أخرى تتعلق بالسياحة، فثمة عدة دول تعتمد على وفود السياح الصينيين مثل فرنسا، بحسب ما يذكر روزِن، وبجانب السياحة لديما الطلب على الخدمات من الشركات الأجنبية في هونج كونج وسنغافورة وبريطانيا. أخيرًا، قد يقيّد التباطؤ الاقتصادي الصيني يد الحزب الشيوعي في الإنفاق وتلبية الحاجات المحلية، ما قد يترتب عليه اضطرابات اجتماعية.

ماذا على أمريكا أن تفعل؟

يطرح روزِن أن على واشنطن تبيان واقع الاقتصاد الصيني ومشاكله بطريقة موضوعية، وبذكاء يحفظ مصالح أمريكا، وتبني لغة بنَّاءة وعاقلة عند مناقشة المشاكل الاقتصادية الصينية، فالتباطؤ الصيني سيؤثر على حياة أكثر من مليار صيني وآخرين كثر في العالم. وينصح روزِن بضرورة التشديد على أنَّ الغرب لا يسعى إلى استغلال مشاكل الصين الاقتصادية، بل إلى حلها، فـ”لتربح أمريكا ليس من الضروري أن تخسر الصين.”

في السياق ذاته، رأى بدر في مقالٍ له نُشِر في 2019 أنَّ شيوع رؤى عدائية تجاه الصين وسط النخبة الأمريكية ليس أمرًا محمود العواقب، بسبب مركز الصين في العالم، وأنَّ دولًا عدة لا سيّما في آسيا وإفريقيا، لا تشاطر القيادة الأمريكية مخاوفها. لهذا من الأفضل لكلا البلدين، التعاون بدل التنافس وإعادة ترتيب النظام العالمي بدلًا من التسابق على الاتفاقيات الأحادية.

فضلًا عن ذلك، يرى بدر ضرورة مسارعة القيادة الأمريكية إلى إصلاحٍ سياسي داخلي ومعالجة الجوانب السلبية للعولمة، بخلاف ذلك ستكون المنطقة والعالم أمام منافسة مفتوحة لا رجاء منها.

ربما يعجبك أيضا