“آيا صوفيا” نموذجًا.. أردوغان يستغل الدين لخدمة أطماعه الاستعمارية

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

يسعى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، جاهدًا وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة لترسيخ مشروعه العثماني، القائم على امتصاص خيرات ودماء الشعوب ونهب خيراتها تحت ستار الدين.

الأمور تعدت المدى مع “أردوغان” لتنفيذ مشروعه ولو على حساب شعبه وأبناء وطنه، من خلال صبغة دينية؛ فأصبح يتعامل مع كل من يعارضه على أنهم أعداء الإسلام، لتحقيق مكاسب سياسية، وإنقاذ شعبيته المتراجعة.

استغلال الدين

ويدخل قرار تحويل متحف آيا صوفيا لمسجد في إطار حملة سياسية توظف الرسائل الدينية من أجل التحكم في قاعدة الناخبين من عامة الناس ذوي الطابع المتدين بعد أن اختلت هذه القاعدة تحت وطأة الاضطرابات الاقتصادية، التي تفاقمت مع جائحة كورونا وسياسات أردوغان الطائشة التي أفسدت علاقات تركيا بالكثير من الدول.

الرئيس التركي يحاول دومًا أن يظهر في صورة الرئيس المؤمن؛ فتارة يبث لنفسه مقطع فيديو وهو يقرأ القرآن، جالسًا على مكتب وصوته مسموع ويرتل باللغة العربية. الشرح المرفق للفيديو يقول إن الرئيس كان يقوم بختم القرآن الكريم بمناسبة شهر رمضان المعظم، مما يعد مثالاً صارخًا على كيفية استغلال الدين في السياسة بتركيا.

حصان طروادة

الدين الذي يتسلل من خلاله رجب أردوغان وحزبه إلى نفوس الناخبين فعندما أيقن الرئيس التركي بهزيمة حزبه في الانتخابات المحلية التي أجريت خلال مارس 2019. كما استخدم أردوغان مذبحة المسجد في كرايست شيرش بنيوزيلندا للتلاعب بمشاعر الأتراك المسلمين لأهداف انتخابية، للظهور على أنه حامي حمى المسلمين والخليفة المزعوم.

آيا صوفيا

ويقول الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن التركي، محمود البتاكوشي: عاود أردوغان قبل أسبوع من موعد الانتخابات البلدية لتوظيف قضية آيا صوفيا من خلال الإعلان عن أنه سيحول هذا المتحف إلى مسجد آيا صوفيا، يومها لمح أردوغان قائلًا: بعد الانتخابات سيصبح متاحًا الدخول إلى آيا صوفيا مجانًا، مثلها في ذلك مثل الدخول إلى المسجد الأزرق.

وفي محاولة منه لدغدغة مشاعر الأتراك صرح أردوغان سابقًا بأنه يرغب في تشكيل جيل متدين في البلاد يؤمن بالثقافة العثمانية ويتغلب على الأفكار الغربية، من خلال إلزامية دروس التربية الدينية حتى الصف الثالث الابتدائي وإدراج اللغة التركية العثمانية في المناهج الدراسية كمادة إلزامية، كما رفع حظر الحجاب في مؤسسات الدولة بشكل كامل عام 2013.

وأضاف الكاتب المتخصص في الشأن التركي -في تصريحات خاصة لـ”رؤية”- كما وظف أردوغان الخطاب الديني لتهدئة الداخل التركي وتخديرهم حتى لا ينفجروا في وجهه جراء سياساته الفاشلة والأوضاع المتردية التي آل إليها وضع البلاد حتى إن بعض هؤلاء المفتين أوصلوه لمرتبة الأنبياء، وبعضهم جعل من مساندته فرض عين على كل مسلم وحرمة الوقوف ضده كحرمة الهارب من الحرب.

وزعم مفتي تركيا السابق إحسان أوزكس أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لو كان حيًا لزار قصر أردوغان، وكتب على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر: “فكرت اليوم لو كان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام على قيد الحياة بيننا، هل كان يدخل القصر الأبيض في أنقرة؟ وشعرت هذا المساء عندما كنت بالقصر أنه كان سيدخله حتمًا، لأن هناك أمارات كثيرة من السنّة النبوية الشريفة.

مباركة الأوضاع السيئة

في حين طالب دعاة أردوغان الشعب التركي بقبول أوضاع متردية في البلاد بذريعة محاربة الأعداء فقالوا: “نحن في الحرب؛ فلا يجوز الشكوى عن غياب العدالة”، فالسلطات قد تفشل في تحقيق العدل وتنحرف عن الطريق الصحيح وتبتعد عن الصدق وتتعرض للتدهور، ولكن لا يجوز الشكوى عن كل ذلك إذا كان سيتسبب في منح ذرائع للعدو”.

كما أن الرئيس التركي وظف الخطاب الديني ليكون غطاء لعملياته العسكرية، شأنه في ذلك شأن الجماعات والتنظيمات الإرهابية، مصدرًا للشعوب والأمم أنه حامل لواء الخلافة، والمسؤول عن نصرة المسلمين في العالم وخلاصهم من الاضطهاد والظلم، والساعي لتطبيق الشريعة الإسلامية، ويخفي عن الناس بأن محركهم الأساسي في هذه الحملات الاستعمارية هو ما يجنيه أردوغان من مكاسب مادية وسياسية.

إذ صور على أرباش رئيس الهيئة الدينية التركية ديانت حروب أردوغان بالمقدسة إذ نشر تغريدة على حسابه الرسمي في تويتر، دعا فيها جميع المساجد إلى قراءة “سورة الفتح” كل يوم في صلاة الصبح، وذلك طوال فترة العملية العسكرية في سوريا، سنقرأ ونصلي بسورة الفتح في صلاة الصبح بجميع مساجدنا حتى نحقق الانتصار في العملية العسكرية التي بدأتها قواتنا الأمنية ضد المنظمات الإرهابية في شمالي سوريا، قاصدًا الفصائل الكردية، التي تعتبرها أنقرة “إرهابية” نظرًا لارتباطها بحزب العمال الكردستاني الذي خاض تمردا داخل الأراضي التركية، غير عابئ بأن ذلك اعتداء على سلميين عُزل رغم قتل الأطفال والنساء والشيوخ داخل الدولة السورية.

تبرير الجرائم

كما استغل أردوغان الخطاب الديني الخارجي في تبرير جرائمه وتبرير التدخلات التركية في ليبيا بقواعد فقهية وشرعية، مثل “دفع العدو الصائل” و”إقامة الخلافة” و”تطبيق الشريعة”، كفتوى الشيخ الليبي عمر مولود عبدالحميد “إنّ طلب حكومة الوفاق الوطني (الليبية) المساعدة من الحكومة التركية هو حق شرعي لا غبار عليه كون تركيا دولة مسلمة وليبيا دولة مسلمة.. وإنّنا نؤيد حكومتنا فيما تقوم به؛ لأن من بنود هذه المذكرة نصرتنا على عدو صائل (يعني روسيا) لا حقَّ له فيما يقوم به”.

أما الداعية الليبي المقرب من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية “الصادق الغرياني” فأفتى بأن هذا التدخل التركي “حلال شرعًا ومشروع قانونًا”، واستشهد الغرياني على ذلك بآيات قرآنية، كما قال “الغرياني” -في مقابلة مع قناة تليفزيونية تابعة لجماعة الإخوان الإرهابية تبث من تركيا- “إن مذكرتي التفاهم التي وقّعها رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج مع الرئيس التركي حول ترسيم الحدود البحرية والتعاون العسكري فرصة شرعية يجب علينا أن نغتنمها؛ لأنه تحالف ضد عدو غادر”.

ربما يعجبك أيضا