«أسوشيتد برس»: روسيا تهرّب الحبوب الأوكرانية لتمويل الحرب

آية سيد
الحبوب الأوكرانية

تحقيق لوكالة "أسوشيتد برس" يتهم روسيا بسرقة شحنات الحبوب الأوكرانية وتهرّبها لتمويل جهدها الحربي.. فكيف تدير موسكو تلك العملية؟


اتهم تحقيق صحفي لـوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكي روسيا بتهريب شحنات حبوب استولت عليها من أوكرانيا، للمساعدة في تمويل جهدها الحربي.

وزعم التحقيق، الذي نشر يوم الاثنين 3 أكتوبر 2022، أن روسيا تنفذ عمليات السرقة والتهريب، التي قال خبراء قانون إنها جريمة حرب محتملة، بمشاركة رجال أعمال أثرياء وشركات مملوكة للدولة في روسيا وسوريا، يواجه بعضهم عقوبات مالية من أمريكية وأوروبية.

تهريب الحبوب الأوكرانية

التحقيق الذي أجرته وكالة “أسوشيتد برس” بالتعاون مع برنامج “فرونت لاين” الذي تنتجه شبكة “بي بي إس” الأمريكية، رصد عملية تهريب معقدة تديرها روسيا باستخدام بيانات شحن مزيفة، وحيلًا بحرية لسرقة حبوب أوكرانية بقيمة 530 مليون دولار على الأقل، وهي أموال ساعدت في تمويل حرب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أوكرانيا، بحسب وصف الوكالة.

واستخدمت “أسوشيتد برس” صور الأقمار الصناعية وبيانات أجهزة الإرسال اللاسلكية البحرية لتعقب أكثر من 50 رحلة لـ33 سفينة تحمل حبوبًا من المناطق التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا، إلى موانئ في تركيا وسوريا ولبنان وغيرها من الدول.

السفينة «لاوديسيا»

تتبع التحقيق السفينة “لاوديسيا”، التي قال إنها رست في لبنان، الصيف الماضي، وقال دبلوماسيون أوكرانيون إنها كانت تحمل حبوبًا سرقتها روسيا، وطلبوا من المسؤولين اللبنانيين مصادرتها. ولكن موسكو وصفت الادعاء بأنه “كاذب ولا أساس له من الصحة”، وانحاز المدعي العام اللبناني إلى الكرملين، وأعلن أن حمولة السفينة، المتمثلة في 10 آلاف طن من الشعير ودقيق القمح، لم تكن مسروقة، وسمح للسفينة بتفريغ حمولتها.

وذكر التحقيق أن “لاوديسيا” واحدة من 3 سفن شحن ضخمة تشغلها شركة “سيريامار” للشحن البحري، وهي شركة تديرها الحكومة السورية، وتخضع لعقوبات أمريكية منذ 2015 بسبب علاقاتها بنظام الرئيس بشار الأسد. وتتبعت “أسوشيتد برس” 10 رحلات للسفن “لاوديسيا” و”سوريا” و”فينيقيا” من الساحل الأوكراني إلى موانئ في تركيا وسوريا ولبنان.

الحبوب الأوكرانية

السفينة السورية لاوديسيا

بداية الرحلة

بدأت السفينة “لاوديسيا” رحلتها من مدينة ميليتوبول، جنوبي أوكرانيا، الذي سيطرت عليها روسيا في بداية الحرب، وفق التحقيق. وفي فيديو نُشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في 9 يوليو الماضي، يظهر قطار شحن يتجه إلى مخزن ميليتوبول، وهو منشأة ضخمة لتخزين القمح، بعربات خضراء تحمل اسم شركة “أجرو فريجات” الروسية.

وفي الأسبوع التالي، عقد مسؤول المنطقة الذي عيّنته روسيا، أندريه سيجوتا، مؤتمرًا صحفيًّا في المستودع، وقال إن الحبوب “ستوفر الأمن الغذائي” للمناطق التي تسيطر عليها موسكو في أوكرانيا، وإن الإدارة “ستقيّم المحصول، وتحدد الكمية التي ستُطرح للبيع”. وفي أثناء حديثه، كان العمال يحمّلون الدقيق في أكياس بيضاء كبيرة، مثل تلك التي أوصلتها “لاوديسيا” إلى لبنان بعد 3 أسابيع.

نقل الحبوب الأوكرانية إلى القرم

في تصريح لـ”أسوشيتد برس”، قال عمدة ميليتوبول، إيفان فيدوروف: “ينقل المحتلون كميات ضخمة من الحبوب من المنطقة عبر القطارات والشاحنات إلى موانئ في روسيا والقرم”، التي ضمتها موسكو في 2014. وتُظهر مقاطع فيديو عبر وسائل التواصل، في الأشهر الأخيرة، تدفقًا ثابتًا من شاحنات نقل الحبوب التي تتجه جنوبًا، وتحمل شعار Z الذي تستخدمه القوات الروسية.

ولفت التحقيق إلى مشاهدة عربات قطار “أجرو فريجات” تجوب بلدة “فيودوسيا” في القرم. وفي حين نفى الكرملين سرقة الحبوب، أوردت وكالة “تاس” التابعة للدولة الروسية، في 16 يونيو الماضي، أن الحبوب الأوكرانية تُشحن إلى القرم. وكذلك أوردت لاحقًا أن الحبوب من ميليتوبول وصلت إلى القرم، وتوقعت وصول شحنات إضافية لتتجه إلى عملاء في الشرق الأوسط وإفريقيا.

بيان شحن مزيف

في 11 يوليو الماضي، أظهرت صور أقمار صناعية السفينة “لاوديسيا” راسية عند رصيف ميناء “فيودوسيا”. ووفق التحقيق، كان جهاز الإرسال مغلقًا، وظهر على متن السفينة مادة بيضاء. وبعدها بأسبوعين، عندما وصلت السفينة إلى ميناء طرابلس اللبناني، زعمت أنها تحمل حبوبًا من ميناء “كافكاز” الروسي، بحسب نسخة من بيانات الشحن، حصلت عليها “أسوشيتد برس”.

وذكر بيان الشحن أن الشاحن هي شركة “أجرو فريجات”، وأن المشتري هو شركة “لويال أجرو”، الكائن مقرها في تركيا. وصرّح متحدث باسم “لويال أجرو” أن الشركة استلمت 5 آلاف طن من الدقيق، في حين ذهبت بقية الشحنة إلى ميناء طرطوس بسوريا.

ولكن بحسب التحقيق، يمتد هيكل “لاوديسيا” 8 أمتار تحت سطح الماء، في حين أن أقصى عمق يستوعبه ميناء “كافكاز” هو 5.3 متر، ما يثبت كذب بيان الشحن. ولكن عمق ميناء “فيودوسيا” يبلغ الضعف، ويستطيع استيعاب السفينة بسهولة.

تورط الشركات الروسية

أشار التحقيق إلى تورط “شركة بناء السفن المتحدة”، وهي شركة مقاولات دفاعية مملوكة للدولة الروسية تصنع سفنًا حربية وغواصات للبحرية الروسية، في تهريب الحبوب. ومن خلال شركتها الفرعية “كرين مارين كونتراكتور”، اشترت الشركة 3 سفن شحن قبل أسابيع من بدء الحرب الروسية الأوكرانية. وأجرت السفن 17 رحلة على الأقل بين القرم وموانئ في تركيا وسوريا.

وفي منتصف يونيو الماضي، التقطت الأقمار الصناعية صورًا لسفينة تُدعى “ميخائيل نيناشيف” في أثناء تحميلها بميناء روسي بسيفاستوبول في القرم، في حين أغلقت جهاز إرسالها، ثم أعادت تشغيله بعدها بيومين في البحر الأسود. واتجهت السفينة جنوبًا إلى البحر المتوسط ووصلت يوم 25 يونيو إلى ميناء دورتيول بتركيا.

الحبوب الأوكرانية

السفينة الروسية ميخائيل نيناشيف

ملياردير روسي

أظهر فيديو حصري لـ”أسوشيتد برس” السفينة وهي راسية على رصيف مملوك لشركة “إم إم كيه ميتالورجي” المنتجة للصلب، في حين قلت الرافعات شحنات ضخمة من الحبوب إلى شاحنات منتظرة. وفي رسالة بريد  إلكتروني لـ”أسوشيتد برس”، قالت الشركة إن الشحنة جاءت من ميناء “كافكاز” الروسي. ولكن أشار التحقيق إلى أن “نيناشيف” أضخم من أن يستوعبها عمق الميناء.

ويشار إلى أن “ميتالورجي” الفرع التركي لشركة “ماجنيتوجورسك أيرون آند ستيل ووركس” الروسية، المملوكة للملياردير الروسي، فيكتور راشنيكوف، المقرب من بوتين والخاضع لعقوبات أمريكية وأوروبية وبريطانية، بسبب مساهماته في الحرب الروسية الأوكرانية.

دور تركيا في سرقة الحبوب الأوكرانية

لعبت تركيا دور الوسيط في اتفاقية بين روسيا وأوكرانيا، يوليو الماضي، لتصدير الحبوب والأسمدة عبر ممرات آمنة في البحر الأسود، إلا أن الاتفاق لم يتناول الحبوب التي سرقتها روسيا من المناطق الأوكرانية. ولفت التحقيق إلى وجود مؤشرات على أن الحكومة التركية نفسها أحد المستفيدين من الحبوب المتنازع عليها من أوكرانيا.

وتتبع التحقيق رحلات لسفن التهريب “نيناشيف” و”لاوديسيا” و”سوريا” من القرم إلى موانئ بها صوامع يشغلها مجلس الحبوب التركي، التابع للحكومة. وعلى الرغم من أن السلطات التركية تعهدت بوقف التهريب غير الشرعي، صرح وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر صحفي في يونيو الماضي، بأن بلاده لم تجد أي دليل على السرقة.

ربما يعجبك أيضا