أصوات معارضة وأصوات محرضة.. كيف يستجيب الروس للتراجع العسكري في أوكرانيا؟

علاء بريك

بعد التراجع الروسي الأخير في أوكرانيا، برزت أصوات معارِضة بعضها يعارض بوتين وبعضها يعارض مَن حوله، لكن الاختلاف بين الفريقين كبير.


تجاوزت الحرب الروسية الأوكرانية 6 أشهر في كرٍّ وفرٍّ، ما جعل حسم أي من الطرفين للصراع أمرًا مستبعدًا في الأجل القريب.

وفي ظل هذا الوضع المعلَّق، ومع شن أوكرانيا هجومًا مضادًّا حرر آلاف الكيلو مترات مما كانت روسيا قد سيطرت عليه في السابق. ويبحث أنصار الكرملين عن تبريرات لهذا التراجع العسكري للفوات الروسية، وفي المقابل بدأت أصوات جديدة في الظهور لتعارض كل هذه العبثية.

البحث عن تفسير

في خضم التراجع الروسي بعد الهجوم المضاد لأوكرانيا، بحث المعسكر المؤيد للحرب في روسيا عن جهة يلقي باللوم عليها، وفي سياق تجنب اتهام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالخطأ أو المغامرة غير المحسوبة، رأى هذا المعكسر أن التراجع سببه عدم كفاءة القيادة العسكرية على الأرض وتراخي كبار الضباط وعدم إيصال الحقائق كاملة للرئيس، بحسب ما ذكر تقرير لنيويورك تايمز، 12 سبتمبر 2022.

وبحسب الصحيفة فإن أنصار بوتين لا يرونه المتسبب في مشكلات الحرب ولا يتحمل مسؤوليتها، لأن كبار مسؤوليه أو القيادة العسكرية أوصلت إليه معلومات مضللة وغير دقيقة. وقد قال النائب في البرلمان الرسي، قسطنطين زاتولين، إن الكثيرين في روسيا يعتقدون أن “بوتين قد وصلت إليه معلومات مغلوطة، وأنه لا يعرف كل شيء”.

معارضة جديدة

نشرت مجموعة من أعضاء المجلس البلدي من مدينة موسكو وسانت بطرسبرغ، مسقط رأس الرئيس بوتين، بيانًا يطالب بإقالة الرئيس من منصبه بتهمة الخيانة في الأسبوع الماضي، بحسب ما نقلت نيويورك تايمز، وأتت هذه الخطوة الجريئة في وقتٍ دفع فيه الخوف من السجن أغلب المعارضين إلى تجنب انتقاد بوتين علانيةً. ويواجه بعض أعضاء المجلس الآن غرامات “لتشويه سمعة” الجيش والحكومة.

ووقع على العريضة 19 موقعًا من موسكو وسانت بطرسبرج عندما نُشِرت على موقع تويتر، صباح أول من أمس الاثنين 12 سبتمبر 2022، وبحلول نهاية اليوم ارتفع العدد إلى أكثر من 40، بما في ذلك ممثلو البلدية من مدينة ياكوتسك النائية في سيبيريا ومن سامارا على نهر الفولجا. والجدير بالذكر أن القيادة الروسية تشن أعنف حملة ضد المعارضين منذ وصول بوتين إلى السلطة بداية القرن الحالي.

ضد العدو الداخلي

بحسب تقرير نشرته صحيفة فورين بوليسي، في 12 سبتمبر 2022، تتكون حركة احتجاج روسية جديدة، لكنها ليست مؤيدة للديمقراطية ولا معارضة للحرب، إنما حركة تجمع أكثر أنصار بوتين تطرفًا، فهؤلاء يريدون من بوتين تصعيد الحرب واستخدام أسلحة أقوى وضرب الأوكرانيين بلا رحمة، وقد هاجموا الجيش الروسي والقيادة السياسية من دون الإشارة إلى بوتين.

وتنشط هذه الحركة على الإنترنت وتروج لنسخة روسية من أسطورة الطعن في الظهر، وتجمع بين صفوفها منظري اليمين المتطرف والمتطرفين المتشددين والمحاربين القدامى في حرب الدونباس عام 2014 ومرتزقة مجموعة فاجنر والمدونين والمراسلين الحربيين، بعضهم جنود أو مرتزقة يقاتلون في أوكرانيا، ويروجون لأفكار من قبيل استعادة الإمبراطورية الروسية.

نسخة روسية من أسطورة قديمة

تتجنب هذه الحركة الجديدة النظر في الأسباب الفعلية لتراجع روسيا في أوكرانيا، وبدلًا من ذلك تتبنى تصورًا تبسيطيًّا مفاده أن الجيش لا تقهره قوة أجنبية إلا إذا تعرضت لخيانة من الداخل، أي ما يشبه إلى حد ما الرواية الألمانية عن “الطعن في الظهر” “Dolchstosslegende” عندما هُزِمَت في الحرب العالمية الأولى وجلبت إلى السلطة الحزب النازي، بحسب الفورين بوليسي.

وتنظر هذه الحركة إلى الكرملين بنوع من التبجيل والخضوع الكامل لسلطة بوتين، القائد المصيب على الدوام، والشخصية التاريخية الشبيهة بالإله، ولكن على عكس أنصار الكرملين في التليفزيون الحكومي، فإن أعضاء معسكر تصعيد الحرب غير الرسمي هذا لا ينفكون يوجهون انتقادات لاذعة للحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا ولتقصير قياداتها على الأرض.

زراعة التطرف

ترى “فورين بوليسي” أن هذه الحركة الجديدة ستتطور في ضوء التناقض بين الدعاية الرسمية عن عملية عسكرية خاصة سهلة ومضمونة وواقع التراجع العسكري الروسي، عندئذٍ لا بد أن يبحث مؤيدو بوتين عن جهة تتحمل مسؤولية الهزيمة وتتلقى اللوم، وعلى غرار ألمانيا ما قبل النازية قد يوفر مزيج الهزيمة والإذلال القومي والانهيار الاقتصادي التربة الخصبة لحركات اليمين المتطرف.

بذا، قد تسير روسيا إذا تعرضت للهزيمة والإذلال وفقدان مكانتها الدولية على يد دولة لا تعترف بها في مسارٍ أشبه بالمسار الألماني بعد الحرب العالمية الأولى، ويعزز هذا الاحتمال وجود مثل هذه الحركة، وعندئدٍ سيكون العالم على موعد مع تحدٍّ جديد يهدد، بحسب الفورين بوليسي، مستقبله.

ربما يعجبك أيضا