أعراض “كورونا” تصيب أسواق الغاز.. والصين الخاسر الأكبر

حسام عيد – محلل اقتصادي

بعد توقعات إيجابية مع نهاية عام 2019 بحدوث انتعاشة في سوق الغاز الطبيعي المسال عالميًا، ونمو الطلب المستقبلي، والخروج من منحنى الأسعار الهابط، والتي بلغت ذروتها بحلول يناير 2020، مسجلة 75 دولارًا لكل ألف متر مكعب بالسوق الأمريكي، أحدث فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” صدمة مفاجئة، تلاشت على إثرها توقعات متفائلة للطلب المستقبلي على الطاقة.

وقد أربك فيروس كورونا صناعة النفط والغاز والمستثمرين والتجار الدوليين على حد سواء، حيث هدد الفيروس النمو الاقتصادي في الصين التي عادة ما تقود الطلب على الطاقة والمعادن والسلع الأولية.

وتُعَدّ الصين المحرك الرئيسي للطلب العالمي على الغاز، وتصنف بأنها ثاني أكبر مستورد للغاز المسال في العالم. وتشير تقديرات إلى تراجع الطلب الصيني بكميات تتراوح بين 3 إلى 6 ملايين طن سنويًا، ما يعادل 4 إلى 6% مع استمرار تفشي فيروس كورونا وعجز السلطات الصينية عن مكافحته.

ضغوط وخسائر بمليارات الدولارات

ظروف السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال ضعيفة بالوقت الراهن، بسبب وصول المعروض الجديد، وفصول الشتاء المعتدلة المتعاقبة وانتشار فيروس كورونا”.

وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني حذرت من “ضغوط شديدة” في سوق الغاز العالمية. وقد بدأت مشاكل سوق الغاز تتراكم في النصف الثاني من العام الماضي ولا تزال مستمرة.

وتبلغ أسعار الغاز من شركة غازبروم في أوروبا، الآن، ما بين 180 و 200 دولار لكل ألف متر مكعب، وهذا قريب من الحد الأدنى التاريخي.

إلى ذلك، فقد حمل فصل الشتاء مفاجأة أخرى. كان فصلًا دافئًا جدًا، فمتوسط درجة الحرارة في ديسمبر في العالم تجاوزت بنسبة 0.55 درجة مئوية معدلها في الأعوام 1981-2010، وفي يناير، بـ 0.59 درجة.

وكأن ذلك كله لم يكن كافيًا، ففي يناير، تفشى وباء فيروس كورونا في الصين. علمًا بأن أسعار الغاز في شرق آسيا، تاريخيًا، أعلى من مثيلاتها في أوروبا، وأحيانًا بمعدل مرة ونصف إلى مرتين. أما هذا الشتاء، فتساوت الأسعار أخيرًا.

أسعار متدنية غير مسبوقة

فيما هبطت أسعار الغاز المسال في السوق الفورية في آسيا لمستويات غير مسبوقة نتيجة ضعف الطلب الصيني واستمرار انتشار فيروس كورونا وتراجع سعر الغاز 50% دون 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بنهاية شهر يناير الماضي، بعد أن حذر مستوردون في الصين من إمكانية إلغاء 70% من الواردات عبر البحر هذا الشهر.

وكانت ثاني أكبر شركتين للطاقة في الصين أعلنت حالة القوة القاهرة لتعليق استلام 14 ناقلة محملة بالغاز المسال ويتوقع أن يعلق استلام المزيد منها في الأيام المقبلة.

الصين المتضرر الأكبر

وقد بلغ نصيب الصين من نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال نحو 40 % خلال السنوات الخمس الماضية، أي منذ عام 2015.

وحسب البيانات الصينية الرسمية، تستورد الصين سنويًا نحو 82 مليون طن من الغاز المسال في العالم. وحسب معدلات النمو الاستهلاكي للغاز، كادت الصين تأخذ مكانة اليابان كأكبر مستورد للغاز المسال في العالم، لولا تفشي فيروس كورونا.

وعلى الرغم من التداعيات الكبرى التي تركها تفشي فيروس كورونا على الطلب الصيني على الغاز خلال شهر فبراير الجاري، فإن مستقبل الطلب الصيني أو العالمي سيعتمد إلى درجة كبيرة على مدى قدرة الصين على السيطرة على فيروس كورونا والفترة التي ستأخذها في ذلك.

ويتوقع كبير محللي الغاز في شركة “وود ماكينزي” الأمريكية، روبرت سيمز، في تقييمه لتداعيات فيروس كورونا على سوق الغاز العالمي، عودة الطلب الصيني على الغاز إلى معدلاته الطبيعية مع عودة العمال والمصانع. إلا أن العديد من المؤشرات تظهر أنّ من غير المعروف حتى الآن متى ستعود المصانع للعمل بطاقتها الاعتيادية، ما يبقي عودة الطلب الصيني على الغاز إلى طبيعته في طيّ المجهول.

فيما يرى كبير المحللين الاستراتيجيين للغاز العالمي في شركة IHS Markit، مايكل ستوبارد، أن أي تباطؤ في نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين نتيجة انتشار كورونا، سينعكس مباشرة على استهلاك الغاز وعلى واردات الغاز الطبيعي المسال.

وتتوقع شركة “وود ماكينزي” الأمريكية أن يدفع فيروس كورونا بالطلب الصيني على الغاز إلى التراجع 2% خلال العام الجاري في حال تمكُّن الصين من السيطرة على الفيروس بحلول إبريل المقبل، لكن في حال استمرار تفشي الفيروس لفترة أطول، فإن الطلب سيهبط 4%.

ربما يعجبك أيضا