ألمانيا على المحك.. صراع اليمين واليسار يحدد مستقبل أوروبا

إسراء عبدالمطلب
ألمانيا تقرر مصير أوروبا: الصراع بين اليمين واليسار يهيمن على المشهد

زادت شعبية السياسة المتطرفة بين شباب أوروبا، وأصبح المصطلحان "اليسار" و"اليمين" أقل دلالة لهذا الجيل وللأجيال الأكبر سناً أيضاً، ولم تعد الخطوط الفاصلة الاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة تهيمن على النقاش السياسي الحالي.


تعاني الأحزاب الوسطية في ألمانيا من صعوبات كبيرة في تحفيز وتعبئة الناخبين، مما يوفر فرصة لأحزاب من أقصى الطيف السياسي.

وفي مقال نشرته مجلة “بوليتيكو” الأمريكية، يوضح الكاتب جون كامبنر، أن هذه الأحزاب تواجه مشاكل خطيرة، مما يتيح للأحزاب المتطرفة فرصة للتألق، على غرار تجربة النائبة في البرلمان الألماني البوندستاج، سارة فاجنكنشت، التي أسست حزباً نال نسبة ملحوظة من الأصوات في الانتخابات الإقليمية الأخيرة.

ألمانيا تقرر مصير أوروبا: الصراع بين اليمين واليسار يهيمن على المشهد

ألمانيا تقرر مصير أوروبا.. الصراع بين اليمين واليسار يهيمن على المشهد

الأحزاب الوسطية في أزمة

يشير كامبنر إلى أن الوضع الحالي يتجاوز التصنيفات التقليدية، ويطرح مسألة أن الخط الدفاعي الجديد يتجلى في مواجهة التيار السائد مع الشعبوية، وفي سياق التحولات السياسية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، يمكن وصف الصراع الحالي بأنه بين الأحزاب الراسخة والأحزاب المتمردة.

وحسب تقرير لصحيفة فايننشيال تايمز في مايو الماضي، زادت شعبية السياسة المتطرفة بين شباب أوروبا، وأصبح المصطلحان “اليسار” و”اليمين” أقل دلالة لهذا الجيل وللأجيال الأكبر سناً أيضاً، ولم تعد الخطوط الفاصلة الاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة تهيمن على النقاش السياسي الحالي.

وعلى سبيل المثال، فإن العديد من أحزاب أقصى اليمين، مثل التجمع الوطني في فرنسا وحزب البديل من أجل ألمانيا وتحالف سارة فاجنكنشت في ألمانيا، يدعمون دور الدولة في الاقتصاد بشكل رئيسي.

التأثير الروسي على أحزاب اليمين في أوروبا

تجدر الإشارة إلى أن القليل فقط من أحزاب أقصى اليمين، مثل الجمهوريين بقيادة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، يدعون إلى إلغاء القيود وضرورة انسحاب الدولة وتخفيض الضرائب، بينما يسعى حزب الإصلاح البريطاني (ReformUK) إلى تقديم مواقف تجمع بين الاتجاهين.

وفي شرق القارة الأوروبية، تتبنى أحزاب أقصى اليمين القيم العائلية التقليدية، كما هو الحال مع حزب القانون والعدالة في بولندا والائتلاف الحاكم في سلوفاكيا، وفي هذا السياق، يشير كامبنر إلى أن القاسم المشترك بين هذه الأحزاب هو دعمها السري أو العلني للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث انتقلت المشاعر المؤيدة لروسيا من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وهو ما يسره الكرملين الذي يدعم ويمول كلا الاتجاهين.

تحالف سارة فاجنكنشت

تعتبر سارة فاجنكنشت إحدى الشخصيات الجديدة الأكثر أهمية وتعقيدًا في هذا السياق، ووصفت مجلة “كومباكت” اليمينية المحظورة فاجنكنشت بأنها “أكثر الإغراءات الوطنية جاذبية منذ تأسيس الاشتراكية”، وانضمت فاجنكنشت إلى الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية قبل سقوط جدار برلين، ثم أصبحت قائدة لحزب اليسار الذي ورثه.

وبعد فترة من الزمن، قررت تأسيس حزبها الخاص، “تحالف سارة فاجنكنشت”، الذي يعكس صورتها البراقة، واستفاد تحالف سارة فاجنكنشت من ملفات مثل السعي لإنهاء دعم ألمانيا لأوكرانيا والتضييق على طالبي اللجوء في حملته الانتخابية الأخيرة.

الأحزاب المتطرفة

في تحليل كامبنر، يبرز أن قوى أقصى اليسار وأقصى اليمين تستحوذ على الكثير من الزخم السياسي في الوقت الحالي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تراجع الأحزاب الرئيسية عن تقديم رؤية واضحة ومتماسكة، ويستشهد كامبنر برئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير الذي يعتقد أن العالم لن يتباطأ، وأن الحل يكمن في تجهيز الناس للتغيير السريع بدلاً من محاولة إبطائه.

وعلى الرغم من أن حجج بلير متسقة ومنطقية، إلا أنها لا تحظى بالاهتمام الكافي ربما بسبب غيابه الطويل عن المناصب العامة، وفي المقابل، يتراجع كل من المستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن تقديم رؤى واضحة، حيث يعتبران أن الأمل الرئيسي يكمن في تحسين حياة الناس.

ومع اقتراب شولتز من نهاية فترة ولايته مع توقع هزيمة شبه مؤكدة في الانتخابات العامة القادمة في 2025، يترك فراغاً يمكن أن تستفيد منه أحزاب مثل حزب البديل من أجل ألمانيا وتحالف سارة فاجنكنشت، وفي النهاية يصبح من الصعب التمييز بين اليسار الراديكالي واليمين الراديكالي، طالما أن الأحزاب الوسطية تكافح لتقديم قضاياها بشكل يحفز الناخبين ويواجه تحديات الأحزاب المتطرفة.

ربما يعجبك أيضا