ألمانيا وروسيا.. خلافات وتوافقات حول الملف النووي الإيراني والحرب في سوريا

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

تبذل “أنغيلا ميركل” المستشارة الألمانية، جهودا كثيره لإنهاء خلافتها مع روسيا وتركيا، لإيجاد أرضية مشتركة لحل دبلوماسي، فألمانيا وروسيا تجمعهما علاقات وثيقة على المستوى الاقتصادي، بدءًا من التبادل التجاري القوي وصولًا إلى خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الشهير، وتوترت العلاقات بين البلدين منذ ضم روسيا منطقة القرم الأوكرانية في 2014، كما توترت العلاقات بين ألمانيا وتركيا عندما قامت تركيا بأعتقال مواطنين ألمان بينهم صحافيون وناشطون حقوقيون بتهم دعم الإرهاب.

موقف ألمانيا من الأزمة الأوكرانية والسورية

أفادت “أنغيلا ميركل” المستشارة الألمانية أن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم بعد الاستفتاء وإعلان استقلالها هو “انتهاك للقانون الدولي”، وقالت إن “ما يسمى بالاستفتاء انتهك القانون الدولي، كما أن إعلان الاستقلال الذي قبله الرئيس الروسي بالأمس يتعارض مع القانون الدولي، وضم (القرم) إلى الاتحاد الروسي هو في رأينا ينتهك كذلك القانون الدولي”.

أكدت “أنغيلا ميركل” المستشارة الألمانية، في مارس 2018 خلال كلمة أمام مجلس النواب (البوندستاغ) أن” الحكومة الألمانية الجديدة، عليها إقامة علاقات مع روسيا على أساس جديد، ومواصلة العمل على تنفيذ اتفاقات مينسك، لاحظت المستشارة أن عملية السلام التي نصت عليها اتفاقات مينسك برعاية ألمانيا وفرنسا معطلة تمامًا، مشيرة إلى عدم وجود “وقف دائم لإطلاق النار” في شرق أوكرانيا، واعتبرت أن إرسال بعثة للأمم المتحدة إلى هذه المنطقة “قد يكون له دور في إرساء السلم” فيها.

أعلنت المستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل” في يونيو2018 أن الأعضاء الأوروبيين في مجموعة الـ7 الكبار متفقون على أنه لا يمكن إعادة روسيا إلى المجموعة ما لم يتحقق تقدم في حل الأزمة في أوكرانيا، وأكدت نحن متفقون على أن عودة روسيا إلى مجموعة الـ7 غير ممكنة ما لم يحرز تقدم كبير في ما يتعلق بالمشاكل مع أوكرانيا”.

واستقبلت “ميركل” الرئيس الروسي بقصر “ميسيبرغ” في أغسطس 2018 ، حيث تباحثا في العديد من القضايا المشتركة، لا سيما الوضع في سوريا، بالإضافة إلى الأزمة الأوكرانية ومشروع خط أنابيب نورث ستريم 2 للغاز، الذي أثار غضب واشنطن، وفيما يتعلق بأوكرانيا عبرت ميركل عن أملها في بذل جهود جديدة للفصل بين القوات العسكرية الأوكرانية والانفصاليين على خطوط الجبهة في إقليم دونباس.

تناولت المستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل” في أغسطس 2017 مع الرئيس الروسي “بوتين” ملف مستقبل سوريا لمرحلة ما بعد الحرب، فبوتين يسعى لإقناع ألمانيا بالمشاركة في حملة إعادة الأعمار في سوريا بحجة أن ذلك سيسمح بعودة اللاجئين السوريين، وهو ما ترغب فيه ألمانيا، لكنها ترغب في ترتيب سياسي لمرحلة ما بعد الحرب يحظى بدعم غربي. وتضطلع برلين من جهتها بدور ثانوي في التحالف الذي يتدخل في سوريا ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، لكنها تقيم علاقات وثيقة مع فاعلين في المنطقة مثل تركيا أو أكراد العراق، وتستضيف أيضا مئات آلاف اللاجئين السوريين.

موقف ألمانيا من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا

أفادت دراسه أعدها خبراء” معهد الاقتصاد العالمي بشمال ألمانيا” في ديسمبر 2017 أن ألمانيا أكثر الدول الغربية تضررًا بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، وقدر الخبراء إجمالي الخسائر الألمانية منذ عام 2014 بحوالي (114) مليار دولار، حيث إن ألمانيا تتحمل نحو(40 %) من تجارة الغرب مع روسيا بينما لا تفقد قوى فاعلة أخرى مثل المملكة المتحدة سوى (7.9% )وفرنسا(4.1%) والولايات المتحدة (6.0 % )، وحسب الدراسة، فإن حجم الصادرات الألمانية يقل بنحو( 727) مليون دولار يوميا في المتوسط بسبب العقوبات.

وقدر معدو الدراسة إجمالي الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الألماني بسبب العقوبات الغربية المفروضة على روسيا منذ عام 2014 بنحو( 114 ) مليار دولار عام 2015 وحده، في حين بلغت خسائر صادرات دول غربية مشاركة في العقوبات( 44) مليار دولار(90%) منها خسائر دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي، وفرض الاتحاد الأوروبي العديد من العقوبات على روسيا منذ ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية.

أعلن “شتيفين زايبرت” المتحدث الرسمي باسم الحكومة الألمانية، بمؤتمر صحفي، فى إبريل 2018 ، أن برلين تعتزم الإعراب عن قلقها من العقوبات الأمريكية على روسيا، بسبب تأثيرها السلبي على الصناعة الألمانية ، ويقول “سنكون هناك حيث يتم المساس بمصالح الشركات الألمانية، والصناعة الألمانية وبالطبع إيضاح مواقفنا على كافة مستويات العمل، إيضاحها بدقة حيث نشعر بالقلق ونرى تأثيرا ثقيلا جدا.

روسيا وألمانيا والملف النووي

استقبل الرئيس الروسي” فلاديمير بوتين” في مايو 2018، المستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل” في سوتشي،وبحث الطرفان الملف النووي الإيراني، وصرحت ميركل “الكل في الاتحاد الأوروبي يشاطر الرأي بأن الاتفاق النووي مع إيران ليس مثاليًا، لكن علينا البقاء فيه، ومواصلة المفاوضات مع إيران حول مواضيع أخرى مثل الصواريخ الباليستية”، وتم بحث الأوضاع المترتبة حول خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني، بعد انسحاب واشنطن منها من جانب واحد .

وصرح الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” فى يونيو 2018، بأنه سيكون من المؤسف أن تتوقف خطة العمل المشتركة الشاملة حول البرنامج النووي الإيراني، وأن الموقف الروسي سيبقي دون تغيير.

ويقول الكاتب والصحفي ملهم الملائكة من مدينة بون: وفي إيران تقف ميركل بقوة ضد سياسة الرئيس ترامب بفرض حصار جديد على إيران، لكن جهودها لم توفق كثيرا، فالشركات الألمانية الكبرى العاملة في إيران ومنها سيمنس ومرسيدس سرعان كانت أول من غادر إيران بعد قرار المقاطعة الأمريكي.

كما ان موقف إيران المؤيد للرئيس السوري بشار الأسد تجعل المستشارة حائرة كيف تدافع عن إيران فيما تعادي ميركل بوضوح بشار الأسد وتدعو للتدخل الألماني بالقوة العسكرية في أدلب لحماية التمرد هناك.

موقف ألمانيا من قضية سكريبال

دعت حكومة المستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل”، فى مارس 2018 روسيا الاتحادية أن تضمن الشفافية وأن تحدد موقفها من قضية التسميم في سالزبوري ويقول”هايكو ماس ” من الواضح أن هذا الهجوم لن يكون دون عواقب، ويجب محاسبة المجرمين، وسنسعى جاهدين لاتصال وثيق مع الحكومة البريطانية فيما يتعلق بهذا الحادث”، طردت كل من (ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة ودول غربية أخرى) دبلوماسيين روس ردا على الهجوم الذي وقع في مدينة سالزبوري البريطانية، وردت روسيا بالمثل وقامت بطرد دبلوماسيين أوروبيين وأمريكيين.

أعلن “غيرنوت إيرلر” منسق شؤون روسيا في حكومة ألمانيا، في إبريل 2018 أن بريطانيا تحتاج لإظهار دليل على أن موسكو متورطة بتسميم العميل المزدوج العقيد الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته، وأضاف، يبدو أن معلومات جهاز سري إضافية دفعت بريطانيا إلى لوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على محاولة اغتيال العميل المزدوج السابق سيرغي سكريبال وابنته.

الخلاصة

العلاقة ما بين موسكو وبرلين هي علاقة تاريخية، وتتميز عن باقي دول أوروبا، فمهما اختلفت دول أوروبا مع روسيا، تبقى العلاقة ما بين برلين وموسكو علاقة حميمة. وهذا يعني أن ألمانيا ما زالت تحرص على عدم خسارة علاقتها مع موسكو، رغم تبنيها العقوبات. وهناك أصوات داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الائتلاف الحاكم دائما يطلب برفع العقوبات عن موسكو. الخلافات بين ضفتي الأطلسي وخاصة مع إدارة ترامب، يدفع ألمانيا باتجاه موسكو أكثر.

التوصيات

أن تضع دول المنطقة حقيقة العلاقة “التاريخية” ما بين ألمانيا وروسيا، وتأثير روسيا على المانيا وبالعكس في ميزان العلاقات الدولية والمواقف حول مجمل القضايا الدولية والإقليمية، منها الملف النووي الإيراني وكذلك ملف سوريا. فرغم الخلافات ما بين البلدين هناك فهم مشترك وتقارب حول الملف النووي الإيراني وكذلك حول إيجاد حل سياسي في سوريا، ويبقى الموقف الألماني أيضا واضحا من القضية الفلسطينية، رغم علاقات حكومة تل أبيب وبرلين الحميمة.

ربما يعجبك أيضا