أمريكا ممزقة وروسيا مهزومة والصين تحدٍّ خطير.. كاتب أمريكي: العالم في مرحلة مفصلية

رنا أسامة

أضحى النموذج السياسي الأمريكي أقل جاذبية، كما أسهم تراجع الديمقراطية في الولايات المتحدة بدوره في تراجعها بأماكن أخرى. والأنكى من ذلك أن سوء إدارة الاقتصاد الأمريكي أفضى إلى الأزمة المالية العالمية لعام 2008، وارتفاع معدلات التضخم الذي أضر في نهاية المطاف بسمعة البلاد.


حذر رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ريتشارد هاس، من أن العالم يمر الآن بمرحلة مفصلية في تاريخه، بفعل التدهور الذي يشهده النظام العالمي حاليًّا.

وأضاف هاس، في مقال بمجلة فورين أفيرز الأمريكية، أن هذه المرحلة تنذر بتراجع أكثر حدة نتيجة تهديدات قديمة وجديدة، بدأت تتقاطع مع تراجع مكانة أمريكا بما لا يمكنها من التصدي لتلك التهديدات، مشيرًا إلى أن العالم يشهد إحياءً لبعض ما عده أسوأ مظاهر الجغرافيا السياسية.

تحديات معقدة

من تلك المظاهر، بحسب هاس، رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في صنع مجال نفوذ لبلاده من جديد، وربما حتى إمبراطورية روسية، بكل السبل الممكنة، في وقت تباشر فيه الصين تحت قيادة الرئيس شي جين بينج مساعيها وراء سيادة إقليمية، وربما عالمية، لتضع نفسها في مسار يفضي إلى مزيد من التنافس أو حتى المواجهة مع الولايات المتحدة.

ولكن ما يعقد الأزمة حقًّا أن تلك المخاطر الجيوسياسية تصطدم، في تقدير هاس، بتحديات معقدة جديدة، بما في ذلك تغير المناخ، وتفشي الأوبئة، وانتشار الأسلحة النووية. ولا عجب أن التداعيات الدبلوماسية الناجمة عن الخصومات المتزايدة جعلت من شبه المستحيل على القوى العظمى العمل معًا لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، حتى لو كان ذلك في مصلحتها، على حد قوله.

الديمقراطية الأمريكية على المحك

ما يزيد الصورة تعقيدًا، وفق هاس، أن ديمقراطية أمريكا وتجانسها السياسي معرضان لخطر غير مسبوق منذ منتصف القرن 19. وأشار هاس، الذي شغل سابقًا منصب مدير تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية، إلى أن أمريكا “الممزقة داخليًّا” لن تكون مستعدة أو قادرة على تولي القيادة على المسرح الدولي.

وأضاف أن هذه الظروف ولدت حلقة مفرغة، ذلك أن حدة التنافس الجيوسياسي تجعل من العسير بمكان تحقيق التعاون لمواجهة أي مشكلات عالمية جديدة، كما أن البيئة الدولية المتدهورة تزيد من حدة التوترات الجيوسياسية، في وقت تبدو فيه الولايات المتحدة الأمريكية ضعيفة ومشتتة.

اللحظة الأخطر

أشار هاس إلى أن الفجوة المخيفة بين التحديات الدولية وردود الفعل العالمية، وتزايد احتمالات نشوب حروب بين القوى الكبرى في أوروبا ومنطقة الهندوباسيفيك، مع تعاظم قدرات إيران على زعزعة استقرار الشرق الأوسط معًا، كلها عوامل اجتمعت، في رأيه، لتفرز أشد اللحظات خطورة منذ الحرب العالمية الثانية، أطلق عليها اسم عاصفة كاملة، أو على نحو أدق، عاصفة غير كاملة.

وفي حين أن التحذير من الخطر لا يعني التنبؤ بالمستقبل، أوصى الدبلوماسي والكاتب الأمريكي صانعي السياسة في الولايات المتحدة بإعادة اكتشاف مبادئ وممارسات فن الحكم، بحشد القوة الوطنية وتعزيز روح العمل الجماعي ضد النزعة الفوضوية. ولتحقيق ذلك، سيتعين على واشنطن إعطاء الأولوية لتعزيز الديمقراطية في الخارج، كما تعزيزه في الداخل الأمريكي، بحسب هاس.

الحرب الروسية الأوكرانية وحرب الخليج الثانية

لفت هاس، في مقاله، إلى أن التحالف الذي نشأ إبان حرب الخليج الثانية عام 1990، بقيادة أمريكا، وضم دولًا أبرزها روسيا والصين، أظهر أن استخدام القوة لتغيير الحدود الدولية عنصر أساسي في النظام العالمي، لكنه استبعد حدوث شيء مماثل اليوم، مستشهدًا في ذلك بالحرب الروسية الأوكرانية التي انحازت فيها الصين إلى جانب روسيا، في حين رفضت عدة دول العقوبات التي فرضتها واشنطن وحلفاؤها على موسكو.

وعلى النقيض من حرب الخليج الثانية، أظهرت الحرب في أوكرانيا، بجلاء، أن روسيا دولة أكثر قوة وتأثيرًا بكثير مما كان عليه العراق في عام 1990. وعلى الرغم من التضامن والدعم الغربي لكييف في مواجهة موسكو، فإنه لم يرق إلى ما يمكن عدّه احتضانًا عالميًّا لأهداف ومؤسسات النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، التي أفرزتها حرب الخليج، وفق هاس.

الحرب الروسية الأوكرانية...

انتهاء حقبة الحرب الباردة

من وجهة نظر الكاتب، فإن الحربين بمثابة شاهدين على انتهاء حقبة الحرب الباردة، أو ما يعرف بالسلام الأمريكي، فقد كانت هيمنة القوة الأمريكية في طريقها إلى الاضمحلال، ليس بسبب تدهورها، بل بسبب ما أطلق عليها الكاتب الأمريكي فريد زكريا، “صعود البقية”، أي تطور دول وكيانات أخرى اقتصاديًّا وعسكريًّا، وبروز عالم من سماته انتشار القوة على نطاق أوسع.

وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن أمريكا أهدرت كثيرًا من إرثها في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وأخفقت في ترجمة تفوقها إلى نظام راسخ، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بروسيا، ففي السنوات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي مباشرة، في ظل التعارض بين القوة الأمريكية “الهائلة” والضعف الروسي “المذهل”، بدا مستبعدًا، بعد 3 عقود، أن يهيمن عداء بين الكرملين والعواصم الغربية على القضايا الدولية.

مشكلة حادة لأمريكا

بحسب المقال، هاجم هاس بشدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، متهمًا إياه بعدم احترام حدود الدول الأخرى وسيادتها، واستخدامه تكرارًا لقوة عسكرية غاشمة ضد مدنيين في أوروبا والشرق الأوسط. وفيما تنذر الحرب الروسية الأوكرانية بطول أمدها، توقع رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أن تخرج روسيا أضعف مما كانت عليه.

وقال إنها يمكن أن تكون أي شيء عدا كونها دولة عظمى، بخلاف ما كان عليه الاتحاد السوفيتي، ما يشير إلى أن موسكو ستخرج من الحرب منهكة على مستويات شتى، عسكريًّا واقتصاديًّا وغيرهما، ورجح أنها سوف تمثل مشكلة حادة على المدى القريب للولايات المتحدة الأمريكية.

تحدٍّ أكثر خطورة

بخلاف روسيا، أشار الكاتب الأمريكي إلى أن الصين ستمثل تحديًا أكثر خطورة أمام أمريكا على المديين المتوسط والبعيد، لا سيما أن دمجها في الاقتصاد العالمي سيجعلها أكثر انفتاحًا على الصعيد السياسي، وأكثر توجهًا نحو السوق، وأكثر اعتدالًا في سياستها الخارجية، لكنه لم يؤت ثماره بل أدى إلى نتائج عكسية. ورغم تزايد قوتها عسكريًّا ونوويًّا، فقد ظلت الصين تعاني نقاط ضعف داخلية كبيرة.

وبعد عقود من الازدهار، بدأ اقتصادها الآن في التعثر، ما أدى إلى تقويض مصدر رئيس من المصادر التي يستمد منها النظام شرعيته. وشكك هاس في قدرة الحزب الشيوعي الصيني على استعادة النمو الاقتصادي القوي، نظرًا إلى القيود السياسية التي تعيق الابتكار، وقلة الأيدي العاملة، فضلًا عن السياسة الخارجية العدوانية لبكين التي دفعت لنفور عديد من جيرانها منها.

شي

انتقال صعب

بحسب هاس، فمن شبه المؤكد أن الصين ستواجه انتقالًا صعبًا في القيادة خلال العقد المقبل. وكما بوتين، واصل شي إحكام قبضته على مقاليد السلطة بطرق من شأنها أن تعرقل أي محاولة لخلافته وإلى صراع على الحكم في الصين.

ولكن من الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور في الصين، ذلك أن أي صراع داخلي قد يفضي إلى تراجع ​​النشاط الدولي أو ظهور قادة أكثر اعتدالًا، لكنه قد يسفر عن سياسات خارجية أكثر قومية بهدف حشد الدعم أو صرف انتباه الشعب.

تغيرات مقلقة في الداخل الأمريكي

بصرف النظر عن القلاقل الخارجية، لفت هاس إلى أن التغيرات الأكثر إثارة للقلق هي تلك التي تحدث حاليًّا داخل أمريكا نفسها. وفي حين أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تحتفظ بمكامن قوتها، توجد شكوك تحوم حول بعض مزاياها.

ومن بين تلك المزايا، بحسب الكاتب الأمريكي، سيادة حكم القانون، والانتقال المنظم للسلطة، والقدرة على استقطاب مهاجرين وموهوبين، فضلًا عن مشكلات مثل العنف المسلح والجرائم في المناطق الحضرية وتعاطي المخدرات والهجرة غير الشرعية، التي باتت أكثر وضوحًا.

نظام دولي مفضل

نتيجة لذلك، أضحى النموذج السياسي الأمريكي أقل جاذبية، كما أسهم تراجع الديمقراطية في الولايات المتحدة بدوره في تراجعها بأماكن أخرى. والأكثر من ذلك أن سوء إدارة الاقتصاد الأمريكي أفضى إلى الأزمة المالية العالمية لعام 2008، وارتفاع معدلات التضخم الذي أضر في نهاية المطاف بسمعة البلاد.

وخلص الكاتب الأمريكي في مقاله، إلى أن جهود بناء نظام دولي جديد، سواء كانت بهدف مقاومة العدوان ومنع الانتشار النووي أو مكافحة تغير المناخ والأمراض المعدية، تحظى بدعم واسع النطاق من الدول غير الديمقراطية، فالنظام الدولي المبني على أساس احترام الحدود والجهود المشتركة لمواجهة التحديات العالمية، سيكون أكثر تفضيلًا عن آخر ليبرالي لا يستند إلى أيٍّ من هذين المبدأين.

ربما يعجبك أيضا