أمريكا وأوروبا تخاطران بالفشل بسباق الجغرافيا السياسية.. كاتب يوضح الأسباب

ما مخاطر خسارة الغرب لأوكرانيا؟

محمد النحاس

أوكرانيا وتايوان وإسرائيل.. قضايا جيوسياسية قد تحدد مستقبل الغرب.. حسب نيال فيرجسون


في مقالٍ نشره بوكالة بلومبرج الأمريكية، قال الكاتب نيال فارجسون، إن الولايات المتحدة وأوروبا تخاطران بالفشل في سباق الجغرافيا السياسية.

وفي مقاله، قال فارجسون، وهو أيضًا مؤرخ اسكتلندي، وكاتب مرموق وأكاديمي، إن الأمريكيين والأوروبيين مصابون بـ”العمى” إذا اعتقدوا أن بإمكانهم أن ينعموا بـ”عام جديد سعيد” بينما القذائف والصواريخ لا زالت تتساقط على كييف.

العجز الأمريكي

يرى فارجسون أن الحجج التي ساقها، قبل عقدين من الزمان، في كتابه “صعود وسقوط الإمبراطورية الأمريكية”، لا زالت قائمة، حيث كان متشككا في مشروع المحافظين الجدد لإعادة ترتيب “الشرق الأوسط الكبير” تحت غطاء “الحرب العالمية على الإرهاب”، انتقامًا لأحداث 11 سبتمبر.

وأوضح أنه شكّ بشكل خاص في قدرة الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها المتمثلة في تحويل حكومتي أفغانستان والعراق إلى حليفتين لها، وعائدًا للتاريخ يتساءل: هل نجح الإمبرياليون البريطانيون في ترويض الأراضي البرية شمال ممر خيبر (سلسلة جبال هندوكوش يصل بين باكستان وأفغانستان) ناهيك عن بلاد ما بين النهرين القديمة؟

كانت أسباب شكوك الكاتب “فارجسون” تتلخص في ما أسماه ثلاثية العجز، العجز الاقتصادي، وهو المسار غير المستدام مالياً الذي تسلكه الحكومة الفيدرالية، والذي من شأنه أن يجعل من الصعب تحمل التزامات عسكرية وإدارية طويلة الأمد في الخارج.

ما جوانب العجز الأخرى؟

أما الثاني هو عجز القوى العاملة -على عكس البريطانيين في القرن التاسع عشر- حيث أن معظم الأمريكيين ليس لديهم حماس كبير لقضاء أجزاء كبيرة من حياتهم في البلدان الحارة والفقيرة والخطيرة البعيدة.

وأخيرا، والأهم من ذلك، كان هناك عجز في الاهتمام حيث يميل الناخب الأمريكي (وبالتالي ممثليهم المنتخبين) إلى فقدان الاهتمام بأي مهمة أجنبية تستغرق أكثر من بضع سنوات لإكمالها، وانطلاقًا من ذلك تنبأ بأن الشهية الأمريكية لإعادة ترتيب الشرق الأوسط لن تدوم.

وأثبتت فترة الرئاسة الأولى لبوش أنها ذلك التصوّر كان صحيحًا، واستند باراك أوباما في صعوده الصاروخي إلى عدم دعمه للحرب واستمر في إخبار العالم أن أمريكا لم تعد “شرطي العالم”.

سرعة الملل الأمريكي

يشبه الكاتب هذه الحالة لدى الأمريكيين باضطراب ADHD (فرط الحركة وقصور الانتباه)، حيث سرعان ما يعرب الجمهور عن نفاد صبره مع الحروب، ويطلب فقط الدعم بالمال والمواد، وحسب المقال لم يضطر أي أمريكي إلى القتال مع أوكرانيا ضد روسيا. ومع ذلك، وفقا لاستطلاع الرأي الأخير الذي أجراه اللورد أشكروفت، يعتقد ما يقرب من 4 من كل 10 جمهوريين أنه “من حيث الدعم العسكري، فإن الولايات المتحدة تفعل الكثير”.

ووفق المقال، فمنذ وقتٍ طويل، لم تعد الحرب في أوكرانيا على أولى صفحات الأخبار في الولايات المتحدة. وهي أقل بكثير من الحياة الخاصة لتايلور سويفت (مغنية أمريكية) أو معارك مجلس إدارة أوبن إيه آي، حتى جاء الـ 7 من أكتوبر وهجوم الفصائل الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة، لتغييب أوكرانيا تمامًا عن المشهد.

ولطالما كانت نقطة نقاش في أوكرانيا أنه إذا تم انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة في نوفمبر، فستكون بلادهم في ورطة، وقد اتضح أن بلادهم في ورطة بالفعل، قبل 11 شهرًا من الانتخابات الأمريكية.

الغرب وإضاعة الفرصة

حسب المقال، أقر مسؤول أن باريس وبرلين لا يمكن أن تعوضا بالكامل إنهاء المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، وبالتالي يعتقد هذا المسؤول، أن على قادة الاتحاد الأوروبي إقناع كييف بالسعي إلى إبرام صفقة دبلوماسية مع موسكو.

من وجهة نظره (المسؤول الأوروبي) كان الغرب قد أضاع بالفعل فرصة للقيام بذلك في العام الماضي، عندما كان لا يزال لأوكرانيا اليد العليا، ولكن لماذا يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر اهتماما بالتفاوض في العام المقبل، بعد أن صمدت قواته ضد الهجوم الأوكراني المضاد في أوكرانيا؟.

وسيتعجب المؤرخون المستقبليون من هذه المناقشات الغامضة، سيبدو من الواضح بحلول عام 2033، إن لم يكن قبل ذلك، أن “باكس أمريكانا” (مصطلح يعني السلام الأمريكي يشير عادةً لفرض السلام عبر القوة) واجه تحديا جديًا من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية في أوائل عام 2020. وكانت الخطوة الأولى في هذا الصدد (تحدي السلام الأمريكي) هي حرب أوكرانيا، والثانية ما يسميها المقال “حرب وكلاء إيران ضد إسرائيل”، ومن المرجح أن يكون التحدي الثالث تحديا صينيا للأولوية الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفقًا للمقال.

مخاطر الانسحاب بعد تقديم التزام

لم تفعل الولايات المتحدة وحلفاؤها سوى القليل جدا لمنع هذه التحديات، ومع ذلك، بمجرد أن وقعت، هبت إدارة بايدن “للدفاع عن الديمقراطيات التي تعرضت للهجوم”، على حد وصف المقال، فقد أرسلت واشنطن موارد بقيمة 75 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا وأرسلوا مجموعتين من حاملات الطائرات للإشارة إلى دعمهم لإسرائيل وردع إيران ووكلائها وكثفوا تسليح تايوان.

واعتبر الكاتب هنا الدرس المستفاد من التاريخ أنه عندما يتم تقديم مثل هذه الالتزامات، يكون من الخطر للغاية عدم الحفاظ عليها. إذا أصبح موقف أوكرانيا، خلال عام 2024، ضعيفا لدرجة أنه يجب على قواتها الانسحاب من بعض الأراضي المتنازع عليها، فستتبع ذلك ثلاث عواقب فورية.

عواقب وخيمة

أولا، سيتدفق المزيد من اللاجئين من أوكرانيا إلى أوروبا، وفي حين يكلف كل لاجئ البلدان المضيفة في المتوسط ما يقرب من 1075 يورو شهريا، فإذا ما فرّ 4.5 مليون أوكراني آخر مع تقدم روسيا، فسيكلف ذلك 58 مليار يورو أخرى.

ثانيا، سيكون مستثمرو القطاع الخاص أقل عرضة للمخاطرة بأموالهم في أوكرانيا، وأخيرًا، سيتعين على الحكومات الأوروبية أن تكون أكثر جدية بشأن إنفاقها الدفاعي، مع كل الصداع السياسي الواضح الذي ينطوي عليه.

نهاية السلام الأمريكي؟

حسب المقال، يبدو أن مفهوم “باكس أمريكانا” (السلام الأمريكي) سينتهي، حيث يرى أن  مصير أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، غير معلوم إلى حال سيؤول، ويشير الكاتب في هذا الصدد إلى أنه ليس متفاجئًا.

ومفسرًا عدم تفاجئه يوضح: كان من المرجح دائمًا أن يتم إعادة سيناريو تجاوز الحرب على الإرهاب، مع عودة الانعزالية، يقول 57٪ من الناخبين الجمهوريين، و51٪ من المستقلين، إن “المصالح الأمريكية تخدم بشكل أفضل من خلال استخدام مواردنا لتحسين حياة الأمريكيين العاديين في الداخل”، يوافق الثلث فقط على أن “أفضل خدمة لمصالح الولايات المتحدة هي دعم الحرية والديمقراطية في جميع أنحاء العالم عندما تكون مهددة”.

ربما يعجبك أيضا