أمن إسرائيل في مواجهة إرهاب المستوطنين.. تداعيات مستقبلية

التوترات الأمنية والسياسية في إسرائيل..«صراع الهوية والوجود»

شروق صبري
نتنياهو وسط وسط سموتريتش وبن غفير

حذّر رئيس الشاباك الإسرائيلي، رونين بار، من تصاعد العنف الاستيطاني ضد الفلسطينيين، مشيراً إلى تأثيره على الأمن الإسرائيلي.


في شهر أغسطس 2024، كتب رونين بار، رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، رسالة مثيرة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزراء الحكومة، تناولت جوهر الأزمة منذ هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر 2023.

حذر بار من الاعتداءات المتزايدة من المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين في الضفة الغربية، التي وصفها بـ”الإرهاب اليهودي“، معتبرًا أنها تمثل تحديًا “لأمن إسرائيل القومي”، وتعتبر وصمة كبيرة على اليهودية.

تصاعد العنف

خفت الأحداث في الضفة الغربية خلال العام الماضي بسبب الهجمات الإسرائيلية المستمرة في غزة، والآن نتيجة تصاعد الحرب في لبنان. ومع ذلك، منذ 7 أكتوبر 2023، سجلت الأمم المتحدة أكثر من 1400 حادثة اعتداء للمستوطنين في الأراضي المحتلة، مما أسفر عن إصابات وأضرار في الممتلكات، ونزوح 1600 فلسطيني من منازلهم.

وتأتي تدخلات بار في صيف هذا العام وسط تحذيرات من مسؤولين إسرائيليين في وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي من أن الضفة الغربية على وشك الانفجار، مما قد يؤدي إلى مئات الوفيات بين الإسرائيليين.

تناقضات سياسية

طريقة تعامل إسرائيل مع الوضع في الضفة الغربية له تداعيات تتجاوز مصير الفلسطينيين، حيث أن الصراع بين المؤسسة الأمنية واليمين المتطرف وحلفائه من المستوطنين ليس عن استخدام القوة في غزة أو إنهاء احتلال الضفة الغربية أو تقديم تنازلات لحل الصراع المستمر منذ عقود. بل يدور عن أمن إسرائيل، الذي يعتبره كثير من الإسرائيليين معركة من أجل الهوية.

ووفق ما جاء في تقرير مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، اليوم الثلاثاء 15 أكتوبر 2024، تستجيب إسرائيل لتحذيرات المسؤولين الأمنيين مثل بار، أو تستمر في اتباع توجهات اليمين المتطرف، الخيار الأخير سيؤدي إلى مزيد من إراقة الدماء، والإضرار بمكانة إسرائيل ودعمها في الغرب، وزيادة عزلتها الدولية، وربما حتى الوصول إلى حالة من النبذ الدولي.

بالنسبة للعديد من الإسرائيليين الذين يرون في بلدهم دولة علمانية وليبرالية وديمقراطية، يعتبر الصراع ضد اليمين المتطرف وجوديًا، وله تداعيات على جميع مستويات الحكم والعلاقات الخارجية الإسرائيلية، هذا الصراع سيحدد بشكل حاسم السياسة والأمن في إسرائيل في السنوات المقبلة.

الأمن واليمين المتطرف

يعود الانقسام بين المؤسسة الأمنية واليمين المتطرف إلى حادثة إيلور أزاريا في عام 2016، عندما أطلق جندي إسرائيلي النار على فلسطيني جريح لم يعد يشكل خطرًا.

في تلك الفترة، قدمت شخصيات يمينية، بما في ذلك رئيس الوزراء نتنياهو، الدعم لأزاريا، مما أبرز قوة حركة المستوطنين في السياسة الإسرائيلية، رغم إدانة أزاريا، زاد تأثير اليمين المتطرف على السياسات العامة، مما أدى إلى تفاقم الفجوة بين الجيش والحكومة.

تصاعد التوترات

حذر كبار المسؤولين الأمنيين من أن بعض عناصر اليمين السياسي تعمل ضد مصالح إسرائيل، وبشكل خاص، أشاروا إلى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن الوطني إيتامار بن غفير، اللذين يمثلان حركة المستوطنين الراديكالية.

كلا الوزيرين يروّج لضم الضفة الغربية، ويدعم إعادة توطين غزة بالمستوطنين الإسرائيليين، كما طالب بن غفير بإقالة رئيس جهاز الأمن العام رونين بار، ووزير الدفاع يوآف جالانت، متهمًا إياهما بالفشل في منع الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر.

العواقب المُحتملة

تظهر المواجهة بين اليمين المتطرف ومؤسسة الأمن بشكل غير مسبوق، حيث يسعى نتنياهو للحفاظ على سلطته عبر التحالف مع اليمين المتطرف، يرفض نتنياهو حتى الآن تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الهجوم، مما يعكس عدم استعداده لتحمل المسؤولية، بالمقابل، يواجه القادة العسكريون ضغوطًا متزايدة في ظل استمرار النزاع في غزة.

تعدّ الأوضاع في الحرم الشريف، الذي يضم المسجد الأقصى، من أبرز نقاط التوتر، وحذر المسؤولون الأمنيون من أن تصرفات بن غفير قد تستفز الفلسطينيين وتثير ردود فعل سلبية في العالم الإسلامي.

مستقبل غامض

لا يزال النزاع قائمًا بين المؤسسة الأمنية واليمين المتطرف رغم التدهور السريع للوضع في الضفة الغربية، لقد منعت إسرائيل 150 ألف فلسطيني من العمل داخلها، مما يزيد من التوترات الاقتصادية ويعزز احتمالات العنف.

وفي الوقت الذي تستمر فيه المؤسسة الأمنية في الضغط على الحكومة لاستئناف العمل مع السلطة الفلسطينية، تظل الحكومة خاضعة لضغوط اليمين المتطرف الراغب في ضم الضفة الغربية.

بؤر التوتر

الخلاف يتجاوز طموحات اليمين المتطرف في الضفة الغربية ليشمل مستقبل غزة أيضًا، المؤسسة الأمنية، تحت قيادة وزير الدفاع يوآف جالانت، دعمت صفقة إطلاق رهائن وهدنة تمتد لعدة أشهر، وهو ما يتماشى مع توجهات إدارة بايدن. في المقابل، يعارض اليمين المتطرف أي هدنة، ويدعو إلى إعادة توطين غزة بالمستوطنين الإسرائيليين.

هذا الصراع بين المؤسسة الأمنية واليمين المتطرف يمثل تحديًا كبيرًا لإسرائيل، يتجاوز القضايا الأمنية ليشمل هويتها السياسية والاجتماعية، وبالتالي يبدو المستقبل غامضًا في ظل الضغوط الداخلية والخارجية المستمرة.

ربما يعجبك أيضا