أنور إبراهيم.. من السجن إلى رئاسة وزراء ماليزيا

آية سيد
أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا

بعد مسيرة سياسية امتدت عقودًا، استطاع أنور إبراهيم أخيرًا تحقيق حلمه بتولي رئاسة وزراء ماليزيا. فكيف كان مشواره السياسي؟


بعد سباق انتخابي محموم، عجزت الأحزاب الرئيسة بماليزيا عن تأمين أصوات كافية، لتشكيل حكومة جديدة، واتجهت نحو برلمان معلق للمرة الأولى بتاريخها.

وعلى إثر ذلك الوضع، تدخل الملك عبدالله أحمد شاه، وأصدر قرارًا، يوم الخميس الماضي 24 نوفمبر 2022، بتعيين أنور إبراهيم رئيسًا للوزراء. فمن هو السياسي المخضرم وزعيم المعارضة صاحب الرحلة الطويلة في السياسة الماليزية؟

نشأة سياسية

وُلد أنور في أغسطس 1947 لأسرة سياسية، فكان والده، إبراهيم عبدالرحمن، عضوًا سابقًا بالبرلمان، ووالدته، تشي يان حسين، ناشطة في ولاية بينانج، التي كانت حينها جزءًا من الإمبراطورية البريطانية، وفق صحيفة “الجارديان“. وكان أنور ناشطًا مثيرًا للجدل خلال أيام الدراسة، وأبدى إعجابه بالثوري الفليبيني، خوسيه ريزال، الذي وصفه بأنه “رجل نهضة آسيوي حقيقي”.

وبدأت مسيرة أنور السياسية مع “حركة الشباب المسلم في ماليزيا”. وفي 1982، انضم إلى “المنظمة الوطنية الملاوية المتحدة”، التي كانت تهيمن على السياسة الماليزية، ويقودها رئيس الوزراء في ذلك الوقت، مهاتير محمد.

أنور إبراهيم رئيس وزراء ماليزيا

نائب رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم، على اليسار، بجوار رئيس الوزراء مهاتير محمد

صعود سريع

صعد نجم أنور إبراهيم سريعًا داخل المنظمة، حتى أصبح وزيرًا للمالية، ثم نائبًا لرئيس الوزراء عام 1993، حسب “سي إن إن“. وفي تلك المرحلة، كانت التوقعات تشير إلى أن أنور سيخلف مهاتير، لكن الصدامات بدأت بين الرجلين، بسبب قضايا مثل الفساد والاقتصاد.

وتصاعدت التوترات عندما ضربت الأزمة المالية الآسيوية ماليزيا عام 1997. ثم في 1998، طُرد أنور من حكومة مهاتير ومن “المنظمة الوطنية الملاوية المتحدة”. ومنذ ذلك الحين، بدأ أنور قيادة احتجاجات شعبية ضد مهاتير، في خطوة أشارت إلى بداية حركة جديدة موالية للديمقراطية، “حركة الإصلاح”.

تهم أخلاقية

في 1999، واجه أنور اتهامات باللواط والفساد أدت إلى الحكم عليه بالسجن 6 سنوات بتهمة الفساد، وفي العام التالي، حُكم عليه بالسجن 9 سنوات بتهمة اللواط، وفق “الجارديان”. وانتقدت الحكومات الأجنبية والجماعات الحقوقية هذا الحكم، بوصفه ملفقًا ومدفوعًا سياسيًاّ.

ونشرت الصحف في جميع أنحاء العالم صورًا لأنور، تُظهر كدمة حول عينه، نتيجة تعرضه للضرب في السجن، على يد قائد الشرطة حينذاك، ما حوّله إلى رمز للنضال، الذي تبنى نداء الإصلاحات. وحسب “سي إن إن”، أشعل سجنه احتجاجات عنيفة في شوارع ماليزيا، وقارن مؤيدوه محنته بمحنة نيلسون مانديلا.

أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا

صورة لأنور إبراهيم تُظهر كدمة حول عينه

عودة مؤقتة

في أواخر 2004، وبعد عام من تنحي مهاتير عن رئاسة الوزراء، جرى إسقاط التهم الموجهة لأنور وإطلاق سراحه، ثم توقف لفترة وجيزة عن السياسة، وانخرط في المجال الأكاديمي، حسب ما أفادت “الجارديان”. ولاحقًا، ظهر كقائد فعلي للمعارضة، التي كان لها حضورًا قويًا في انتخابات 2008، وفق هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي“.

لكن ما لبث أن طاردته مزاعم اللواط مجددًا في 2008، في ما وصفها بأنها محاولة أخرى من الحكومة لتحييده. وفي يناير 2012، برأت محكمة عليا أنور من الاتهامات متعللة بغياب الأدلة. وفي العام التالي، قاد المعارضة نحو آفاق جديدة في الانتخابات، التي شهدت أسوأ أداء لائتلاف الجبهة الوطنية “باريسان ناسونال” الحاكم.

لكن، وفق “بي بي سي”، عندما كان يستعد أنور لخوض انتخابات الولايات في 2014، ألغت المحكمة قرار تبرئته وإرسلته إلى السجن مرة أخرى.

أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا

احتجاجات تطالب بالإفراج عن أنور إبراهيم

صفقة سياسية

في تحول صادم للأحداث في 2016، أعلن خصم أنور السابق، مهاتير محمد، عزمه الترشح مجددًا لمنصب رئيس الوزراء. وحسب “بي بي سي”، ضاق مهاتير، البالغ من العمر حينذاك 92 عامًا، ذرعًا من اتهامات الفساد المحيطة برئيس الوزراء في ذلك الوقت، نجيب عبدالرزاق.

لكن لتنظيم عودته، عقد مهاتير صفقة غير متوقعة مع أنور إبراهيم، الذي كان لا يزال في السجن، ويحظى بشعبية ضخمة بين صفوف مؤيدي المعارضة، ما أسفر عن تشكيل تحالف الأمل “باكاتان هارابان”. وكجزء من الصفقة، تعهد مهاتير بإطلاق سراح أنور، وتسليم السلطة له بعد عامين.

وفيما التزم مهاتير بالوعد الأول، تراجع عن الثاني، ما أدى إلى انقسام مؤيديهما، وعرقلة جهود تشكيل حكومة مستقرة، منذ ذلك الحين، وفق “سي إن إن”.

عودة أنور إبراهيم

في فبراير 2020، أدت استقالة مهاتير غير المتوقعة إلى انهيار ائتلاف “باكاتان هارابان”، ما أدخل ماليزيا فترة غير مسبوقة من الاضطراب السياسي. وحسب “بي بي سي”، بعد تفكك الحكومة الجديدة، عادت “المنظمة الوطنية الملاوية المتحدة” إلى السلطة، بقيادة محيي الدين ياسين، لكن في ذروة جائحة كورونا، استقال محيي الدين، بعد خسارته الأغلبية البرلمانية.

وفي أكتوبر 2022، أعلن خليفته، إسماعيل صبري، إجراء انتخابات مبكرة، أدت إلى حصول تحالف “باكاتان هارابان” بقيادة أنور إبراهيم على معظم المقاعد، على الرغم من عدم حصوله على الأغلبية البسيطة، اللازمة لتشكيل الحكومة. وبعد أيام من حالة الجمود، أعلن الملك تعيين أنور إبراهيم رئيسًا للوزراء.

أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا

مراسم أداء اليمين في القصر الوطني بكوالالمبور

وعود وتحديات

بعد تعيينه في المنصب، تعهد أنور إبراهيم بعدم الحصول على راتب، في إظهار للتضامن مع الماليزيين، الذين يكافحون مع ارتفاع كلفة المعيشة، وتعهد أيضًا بمساعدة الدولة على تبني التعددية الثقافية. لكن “سي إن إن” قالت إن ذلك لن يكون بالأمر السهل في ماليزيا التي لطالما تبنت سياسة تتحيز للأغلبية العرقية الملاوية، على حساب الأقليات الصينية والهندية.

وفي حين أن ثلثي حكومة أنور ستتكون من أعضاء ائتلاف “باكاتان هارابان” الإصلاحي، وافق أنور على أن تذهب المناصب الباقية إلى أعضاء حزب “ائتلاف شعب صباح”، وممثلي “باريسان ناسونال”، الذي يضم العديد من أعضاء “المنظمة الوطنية الملاوية المتحدة”، الذين ناضل لإسقاطهم.

وقال أنور: “هذه حكومة وحدة وطنية، والجميع مرحب به، بشرط قبول القواعد الأساسية، الحوكمة الجيدة ورفض الفساد، وماليزيا لكل الماليزيين”، متعهدًا بعدم تهميش أحد تحت إدارته. ورحبت الجماعات الحقوقية بتعيين أنور وتعهده بمنح الأولوية لحقوق الإنسان والديمقراطية، لأنه عانى شخصيًّا من الظلم المدفوع سياسيًّا.

ربما يعجبك أيضا