أوروبا والغاز الروسي.. هل أصبحت الجزائر بديلًا استراتيجيًا؟

مصطفى خلف الله

فاقت أوروبا على أزمة اعتمادها على الغاز الروسي لتلبية احتياجاتها من الطاقة مع اندلاع حرب أوكرانيا ووقوفها بجانب كييف، بدأت بعدها تبحث عن حلول لتنويع مصادر الطاقة للتخلص من السيطرة الروسية على أهم مورد اقتصادها.

وبعد مرور عامين على الحرب الروسية الأوكرانية لم تستطع أوروبا فرض عقوبات قاسية على الغاز الروسي، والذي انخفض، وسط مشادات سياسية ومناورات لم تتحقق على أرض الواقع، لكن بدأت دول جنوب أوروبا تستعين بالغاز الجزائري مما أدي إلى طفرة في حجم صادرات البلاد خلال العام الماضي.

حلول الطاقة في أوربا

ظهرت الجزائر كأحد أهم حلول الطاقة في أوربا حيث ترتبط بأوروبا عبر إيطاليا بعدة طرق للعبور، حيث تمتلك أنبوبا لنقل الغاز نحو إيطاليا وآخر نحو إسبانيا، كما أنها تتبني خطة استعمال موارد الطاقة الهائلة، وإعادة ضبط أطر السياسات لتعزيز تطور عمليات الاستكشاف والإنتاج.

وجاءت الجزائر ضمن قائمة أكبر الدول المصدرة للغاز المسال إلى أوروبا خلال الربع الأول من 2024، مسجلة ارتفاعًا قدر بـ12% مقارنة مع السنة الماضية حيث جاءت في المرتبة الثالثة بعد روسيا.

صادرات الغاز المسال الجزائري

ارتفعت صادرات الغاز المسال الجزائري إلى أوروبا بنسبة 12% لـ3.01 مليون طن، ما يمثّل 9.9% من إجمالي واردات القارة العجوز خلال الربع الأول من العام الجاري.

وجاءت روسيا في المركز الثاني وفقا للدول المصدرة الى أوروبا، مع ارتفاع صادراتها بنسبة 4% على أساس سنوي إلى 5.06 مليون طن، ما يعادل 16.6% من إجمالي واردات أوروبا من الغاز المسال، وفق ما رصدته وحدة أبحاث منصة الطاقة المتخصصة.

حصة صادرات الجزائر الى أوربا 

استحوذت الجزائر على حصة 19% من الغاز الطبيعي المصدر عن طريق الأنابيب نحو الاتحاد الأوروبي عام 2023، لتحتل المرتبة الثانية بعد النرويج التي جاءت في المرتبة الأولى، بحصة 54% ، فيما حلت روسيا في المرتبة الثالثة بحصة 17% بحسب تقرير منتدى الدول المصدر للغاز GECF..

وتنتج الجزائر -أكبر مُصدر للغاز في شمال أفريقيا- نحو 100 مليار متر مكعب سنويًا، يُصدر أقل من نصف هذه الأحجام بقليل، ويُستهلك الباقي محليًا.

المعدل الشهري لصادرات الجزائر نحو الاتحاد الأوروبي

يحتوي خط أنابيب إمدادات الغاز الجزائري إلى أوروبا على نقطتي دخول رئيستين؛ وهما خط أنابيب ميدغاز إلى إسبانيا، وخط أنابيب ترانسميد، الذي يشهد تدفق الغاز إلى البر الرئيس لإيطاليا عبر تونس وصقلية.

كما بلغ المعدل الشهري لصادرات الجزائر نحو الاتحاد الأوروبي السنة الماضية 2.4 مليار متر مكعب، مقابل متوسط بـ 7 مليارات متر مكعب للنرويج، و2.3 مليار متر مكعب لروسيا.

ارتفعت واردات الغاز الجزائري لإيطالية بنحو كبير منذ 2023، كما انتعشت تدفقات الغاز الجزائري إلى إسبانيا، محققة أعلى مستوى في مايو2023 ، وفق منصة “إس آند بي جلوبال”

الجزائر أكبر مورد للغاز لإيطاليا

لفت التقرير إلى أن الاتحاد الأوروبي استورد 155 مليار متر مكعب من الغاز سنة 2023، ما يمثل عجزا بـ 23% مقارنة بما تم استيراده سنة 2022″.

وتُصنف الجزائر الآن بوصفها أكبر مورد للغاز لإيطاليا، إذ جاءت وارداتها من الغاز المسال في المرتبة الثانية بإجمالي 5.56 مليار متر مكعب، في حين بلغ إجمالي الواردات من أذربيجان 3.45 مليار متر مكعب حتى 2023، وفقًا لبيانات “إس آند بي جلوبال”.

الإمدادات عبر خط أنابيب ميدغاز إلى إسبانيا

وفقًا لتقرير منتدى الدول المصدرة للغاز مايو 2024، تراجع الصادرات الجزائرية عبر إيطاليا بنسبة 6% على أساس شهري، في حين شكلت 71% من صادرات بابوا غينيا الجديدة من هذا البلد خلال الشهر، إلا ان الجزائر في الوقت نفسة رفعت الإمدادات عبر خط أنابيب ميدغاز إلى إسبانيا بنسبة 16%.

وقالت الدكتورة سابينا هينبرج، مديرة برنامج أبحاث المبتدئين في معهد واشنطن، إن أوروبا تسعي لتنويع إمداداتها من الغاز بعيدًا عن روسيا وسط حرب أوكرانيا، وفي سياق المنافسة الاستراتيجية العالمية المتزايدة، لم يُعطَ سوى القليل من الاهتمام للطريقة التي ستحاول بها في الوقت عينه تحقيق أهدافها المتمثلة في خفض انبعاثات غاز الميثان العالمية.

خفض إمدادات الغاز الروسي تدريجيًا

تابعت:” تم الإعلان مؤخرًا عن مبادرة للتعاون مع الجزائر بشأن الحد من الممارسات الضارة بالبيئة المتمثلة في حرق الغاز وتنفيسه، وهي فرصة “مربحة للجانبين” تساعد الجزائر على التقاط وتسويق الغاز المهدر في الحالات الأخرى، بما في ذلك تصدير بعض الكميات إلى أوروبا، ويمكن أن تمثل خطوة محتملة إلى الأمام.

وقالت إن الاتحاد الأوروبي، سيحتاج مع استمراره في خفض إمدادات الغاز الروسي تدريجيًا، إلى إيجاد مصادر بديلة يمكن الاعتماد عليها، وذلك أيضًا من أجل التعامل مع الأحداث غير المتوقعة مثل فصول الشتاء القاسية أو التطورات الجيوسياسية التي تؤثر على العرض.

الجزائر الرابعة بين دول العالم الأكثر إحراقًا للغاز

تابعت:” في حين تمكنت أوروبا من الاعتماد في الغالب على الولايات المتحدة (بالنسبة للغاز الطبيعي المسال) والنرويج (بالنسبة للغاز المنقول عبر الأنابيب) بعد أن قطعت موسكو الإمدادات في أعقاب غزو أوكرانيا، لم يحمِ ذلك أوروبا بالضرورة من انقطاع الإمدادات، ويعد الانقطاع المفاجئ مؤخرًا في منشأة غاز نرويجية رئيسية مثالًا على ذلك”.

قالت إن الجزائر أحتلت المرتبة الرابعة بين دول العالم الأكثر إحراقًا للغاز، بحيث بلغت أحجام الغاز المحترق لديها وفقًا لبيانات البنك الدولي 8.6/8.5 مليار متر مكعب، أي أقل من الكمية المسجلة في إيران والعراق وروسيا، وتتجه صادرات الغاز الجزائرية بشكل أساسي إلى أوروبا، بحيث تمثل حوالي 14 في المئة من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز.

فرنسا تتجه الجزائر

ذكرت أن هذه التدفقات تعتبر أساسية لتحقيق أمن الغاز في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وقد زادت منذ أن بدء الحرب في أوكرانيا، بما في ذلك إيطاليا وإسبانيا اللتان تتشاركان خطي أنابيب منفصلين للغاز مع جارتهما الجنوبية، وفي الوقت عينه، تتطلع فرنسا، إلى الجزائر للحصول على شحنات إضافية من الغاز الطبيعي المسال، ففي وقت سابق من هذا العام، اتفقت شركة النفط الوطنية الجزائرية، سوناطراك، وشركة توتال إنرجي الفرنسية على تمديد تعاونهما في مجال الغاز الطبيعي المسال حتى عام 2025، حيث ستقوم الدولة الواقعة في شمال أفريقيا بتوريد مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال إلى شركة توتال.

استطردت: بالتالي، تبدو الجزائر خيارًا طبيعيًا لأوروبا لإيجاد موردين بديلين جدد للغاز الروسي ودعم خفض انبعاثات غاز الميثان، فمن خلال العمل المشترك للحد من حرق الغاز في حقول النفط الجزائرية، لن يتمكن الاتحاد الأوروبي والجزائر نظريًا من تخفيف الاحتباس الحراري العالمي فحسب، بل سيوفران أيضًا غازًا إضافيًا للتصدير.

أوضحت أن الاستهلاك المحلي المتزايد للغاز في الجزائر، لا سيما في قطاع توليد الطاقة (الذي يعتمد على الوقود الأحفوري)، يمثل فرصة أيضًا، فبينما تبحث سوناطراك عن طرق لتحرير الغاز للتصدير مع استمرارها في تلبية الطلب المحلي، تشير بعض الدلائل إلى أن السلطات الجزائرية تتخذ خطوات أولية وإن كانت محدودة للمشاركة في الحد من ممارسات إحراق الغاز.

ربما يعجبك أيضا