إدارة المستقبل (1).. كيف تصبح مصر قوة صناعية كبرى؟

هيثم البشلاوي

رؤية
هيثم البشلاوي
دون مقدمات مستهلكة عن ضرورة التخطيط لتحقيق التنمية المستدامة، دعونا نضع توصيفًا لهذا الطرح المتمثل في مجموعة توصيات للإجابة عن سلسلة تساؤلات يتم طرحها تحت عنوان “إدارة المستقبل”، والتي سنحاول من خلالها توصيف دوران عجلة التنمية من حيث الآلية وجدوى الاتجاه القومي المستهدف للإجابة على التساؤلات المطروحة.

وهنا يجب الإشارة إلى أن هذا الطرح ليس تفصيليًّا، بل هو مجرد مقدمات تخضع للدراسة المستمرة لإخراجها بشكل تفصيلي. كما أن هذا الطرح المقدم ليس في سياق سياسي أو اقتصادي مرحلي بقدر ما هو اجتهاد مدفوع بضرورة صياغة مستقبل مصر كما يجب لها أن يكون.

فعجلة التنمية، إن صح توصيفها، لا تخضع لمنطق الفرصة أو الصدفة بقدر ما تنطلق بآلية منتظمة الحركة محددة الاتجاه، وهنا نقف على المدخل الأقرب لهذا الهدف البعيد المطروح كتساؤل لإدارة مستقبل مصر.

هل يمكن لمصر أن تصبح قوة صناعية كبرى؟
ربما يبدو هذا التساؤل للبعض دربًا من الخيال، وربما يظن البعض الآخر أننا على أعتاب تحقيقه، والحقيقة أن الإجابة أبعد ما تكون عن تشاؤم الأول أو توهم الثاني، فواقع خريطة الصناعة المصرية أنها مؤهلة بالموارد الطبيعة، عاجزة بإدارة المورد البشري الذي يعد المحرك المستدام لعجلة التنمية الصناعية.

وهذا المورد البشري المتمثل في كتلة سكانية ضخمة لا يقل أبدًا بل يزيد عن الطاقة اللازمة لاستثمار واستغلال  الموارد الطبيعية، التي شكلها التاريخ على وجه مصر. وهنا يجب أن نقر، بكل أسف، أن وجود المورد البشري المصري حبيس الوادي والدلتا كان دافعًا لتصديق أكذوبة “ندرة الموارد  الطبيعية والفقر”، دون الوقوف على حقيقة تباينات التمركز السكاني، وإحداثيات انتشار الموارد الطبيعية.

وبهذا نجد أن أغلب التكتلات الصناعية تقع على ضفاف العاصمة الكبرى، رغم أنها  في معزل عن مواردها التشغيلية، ولا نجد استثناءً من تلك القاعدة سوى مصانع الإسمنت في سيناء، التي أجبرت المورد البشري بحكم ثقل المادة الخام على التمركز في هيئة مستعمرات للعمالة وليس مدنًا للتوطين، تلك الحالة من التشتت في بوصلة التنمية بين التمسك بمركز الكتلة البشرية وبين الانتشار على خريطة الموارد الطبيعة اللازمة؛ كانت تجسيدًا لأكذوبة”ندرة الموارد”.

ودون استطراد في ذلك، نجد أن التحرك الفعلي لقطبيات التنمية الصناعية المطروحة يستهدف تحقق معامل الاتزان بين طرفي المعادلة؛ المورد البشري والموارد الاقتصادية.. وسيعتمد الطرح على المراكز المضيئة spot light، كتوجه التخطيط لتحقيق قطبيات اقتصادية تحقق عدوى بينية لتنمية شاملة ليصبح التسلسل من أقطاب إلى نقاط ارتكاز لانتشار بيني بين النقاط.

ويمكننا استعراض تلك الأقطاب كالتالي:

أولًا: أقطاب الصناعات السمكية
التمركز الأول: مجمع أسوان للصناعات السمكية
ويتمركز على بحيرة ناصر (1.25 مليون فدان) وذلك بتحويلها لأكبر مزرعة سمكية في العالم، وفعليًا هناك نواة لهذا المجمع وهي شركة «مصر أسوان  للأسماك» المغلقة، والتي كانت تتضمن مجموعة متكاملة من المصانع، حيث بها مصنع لإنتاج الثلج، وآخر لإنتاج العلف.

التمركز الثاني: مجمع البردويل للصناعات السمكية
وفعليًا يعمل بالبحيرة أكثر من ثلث أبناء سيناء وساحل البردويل(165 ألف فدان)،وهو الأنسب لقيام مجتمع سكاني يحقق اصطفافًا لتلك الكتلة البشرية في مجمع صيد وتصنيع للثروة السمكية، وقد اتخذت الدولة خطوات في هذا الاتجاه، ولكن دون تزامن مع بقية المراكز المستهدفة في الطرح.

التمركز الثالث: مجمع المنزلة للصناعات السمكية

125 ألف فدان هو المساحة المتبقية من البحيرة، التي كانت تبلغ 750 ألف فدان، ونقطة الأساس في هذا التجمع هو تجريم ردم البحيرة بعقوبات رادعة،وهو جاهز بكتلته السكانية، ولكنه بكل أسف، فاقد لتنظيم الصيد والبنية التحتية للتصنيع.

ثانيا: أقطاب الصناعات الغذائية
التمركز الأول: مجمع قها للصناعات الغذائية
والهدف من اختيار هذا التمركز هو موقعه في قلب الدلتا الزراعية، وهذا التمركز تتوفر لديه مقومات البنية التحتية القائمة فعليًا؛ لتكون مصانع شركة قها للأعذية نواة لها .

التمركز الثاني: مجمع نجع حمادي لصناعات السكر

وبنيته التحتية قائمة فعليا، حيث كان هذا التمركز هو أكبر مجمع لصناعات السكر في الشرق الأوسط.

ثالثا: أقطاب صناعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا
التمركز الأول: مجمع أسوان للطاقة المتجددة
ويقترح أن يكون في امتداد أسوان في المثلث الذهبي، ويتكون من مجمع مصانع لخلايا الطاقة الشمسية وطواحين الرياح، يكون المستهدف من إنتاجها إنشاء أكبر مزرعة طواحين الرياح في الشرق الأوسط، ومحطة للطاقة الشمسية على مساحة 1000 فدان، ويقترح إنشاء جامعة متخصصة للطاقة المتجددة.

التمركز الثاني: مجمع وادي التكنولوجيا

وتستهدف خطة الدولة في محور تنمية قناة السويس هذا التمركز بمساحة 500 فدان، ونقترح أن يكون ضمن الوادي جامعة متخصصة لتكنولوجيا المعلومات، وفي الطرح المستهدف نتصور أنه ينبغي له أن يكون مثل وادي السلكون في الولايات المتحدة الأمريكية.

رابعا: أقطاب الصناعات الثقيلة
التمركز الأول: مجمع حلوان لصناعات الصلب والسيارات
وكلا من البنية التحتية قائمة، وقد تم الجمع بين النشاطين لكونهم صناعات متكاملة، فصناعة الهياكل مهمة لتصنيع السيارات، وتلك البنية التحتية تتمثل في شركتين:
الأولى: هي شركة حلوان للحديد والصلب، والثانية: هي شركة النصر للسيارات

التمركز الثاني: مجمع نجع حماد للألمونيوم

وهو قائم فعليا على مساحة 5000 فدان، وبحاجة لإعادة هيكلة وتسويق إنتاجهعالميًا، وهذا التمركز يكاد يكون مكررًا من تمركز نجع حماد لصناعات السكر، ولهذا فإن التمركز مرشح بقوة ليكون القطب الصناعي الأضخم في الصعيد، الذي وإن صح إدارته سيكون بمثابة قاهرة الصعيد، أي مركزها الأكبر اقتصاديًا .

خامسا: أقطاب صناعة الغزل والنسيج
التمركز المتباين: الشركة القابضة لصناعات الغزل والنسيج
والتمركز المتباين يعني التمركز على نقاط الانتشار القائمة فعليا لفروع ومصانع الشركة القابضة لصناعة الغزل والنسيج المنتشرة في محافظات مصر، وهي بلا مبالغة أكبر شركة من نوعها في إفريقيا والشرق الأوسط تمتلك عددًا من المصانع على مستوى الجمهورية، أغلبها بكل أسف مغلق، وأكبر تلك المصانع يقع في المحلة على مساحة أكثر من 600 فدان، بطاقة عمالة 20000 عامل، ويقترح أن يكون تطوير هذاالمصنع هو الانطلاقة لتطوير كافة مصانعها وتنويع إنتاجها والتعاقد مع شركة تسويق لها، واستحداث أكثر من علامة تجارية للشركة تتناسب مع السوق المحلي والدولي.

ختاما: لا نبالغ عندما نقول: إن تطبيق هذا الهيكل الصناعي على خريطة مصر سيجعلها الدولة الأولى في صناعة الأسماك بلا منافس خلال 10 سنوات، وهو هدفها القومي الأول القائم على مورد متجدد، كبداية لا تدفعها لاستهلاك مواردها الخام من خلال استثمار منقوص يعمل على استخراجها وتصديرها دون تصنيع.

ثم تضع مصر هدفها القومي الثاني في أن تصبح خلال 20 عامًا ضمن العشر دول الأوائل في إنتاج التكنولوجيا والطاقة المتجددة.

ويتمثل هدفها القومي الثالث في أن تصبح مصر دولة ذات صدارة تنافسية في سوق الملابس القطنية على مستوى العالم.

أما الهدف القومي الرابع، فيتمثل في تأهيل بقية القطبيات الصناعية للدخول في تنافسية دولية عبر تحقيق الأهداف الثلاثة.

هذا الطرح، هو استهداف إعادة هيكلة وتطوير ميراث القاعدة الصناعية لمصر، وليس تأسيس قاعدة جديدة،وبمعنى أدق استهدفنا استغلال المراكز المستهلكة القائمة لتتحول تدريجيًا لنواة ومقدمة  للانتشار.

ويبقى سؤال أخير لتلك الفرضية.. هل نستطيع؟ نعم بالعلم مصر تستطيع التقدم للأمام.
 

ربما يعجبك أيضا