إرث طويل للإبادة الجماعية في رواندا.. من المتورط؟

إسراء عبدالمطلب

بسبب الإحباط الذي سببه تقاعس الحكومة، لجأ الناس إلى الجمعيات الخيرية وأخذوا زمام الأمور بأيديهم.


في مثل هذا الشهر منذ 30 عامًا، تكشّفت الإبادة الجماعية في رواندا بسرعة في الفترة من 7 إبريل إلى 15 يوليو 1994، وفي تلك الفترة القصيرة، قُتل ما يقدر بنحو 500 ألف إلى 800 ألف شخص.

في حين أُسقِطت طائرة الرئيس الرواندي، جوفينال هابياريمانا، في السادس من إبريل 1994، تمكنت لجنة أزمة مكونة من متطرفين من الهوتو من الاستيلاء على السلطة، واغتالوا رئيسة وزراء روندا أجاتي يوينجلييمانا، وهي من قبيلة الهوتو المعتدلة، وأطلقوا حملة مذبحة ضد التوتسي.

بعد 26 عاما من الإبادة الجماعية.. رواندا تسير بسرعة الصاروخ

الإبادة الجماعية في روندا

حسب مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، تم تجاهل الدعوات المبكرة للتدخل من قبل المراقبين الدوليين، وسعت الدول إلى التعامل مع المتطرفين، وتشجيعهم على تنفيذ اتفاقيات أروشا التي تم الاتفاق عليها في أغسطس.

إن فشل الأمم المتحدة في توسيع نطاق صلاحيات قوات حفظ السلام التابعة لها على الأرض والذي أعاقه تفويض الفصل السادس الذي حد من أنشطتها لتنفيذ اتفاقيات أروشا، ترك الجنود عاجزين عن وقف عمليات القتل التي تحدث أمامهم مباشرة.

إبادة جماعية

أعاد إلى الأذهان، مقتل 10 جنود بلجيكيين تابعين للأمم المتحدة، ذكريات مقتل 18 جنديًا أمريكيًا في مهمة أخرى للأمم المتحدة في الصومال في عام 1993. وبعد أسبوعين من بدء الإبادة الجماعية، وعلى الرغم من التغطية اليومية للموقف في الصحف في مختلف أنحاء العالم، قرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وخفض عدد قوات الأمم المتحدة في رواندا من 2500 إلى 250 جندي.

واستمرت الإبادة الجماعية بلا هوادة، ولم تتوقف إلا عندما وصلت الجبهة الوطنية الرواندية التوتسي، بقيادة بول كاجامي، إلى كيجالي ثم لاحقت مرتكبي الإبادة الجماعية إلى زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية الآن).

التدخل الإنساني

أصبحت رواندا اختصارًا للفشل الأخلاقي لنظام السياسة الخارجية الواقعي الذي تحكمه الدولة. واعتمدت عمليات الأمم المتحدة كثيرًا على دعوتها من قبل دول ذات سيادة. وزعم الباحث في القانون الإنساني، فرناندو تيسون، في بحثه الذي نشره عام 2001 تحت عنوان “القضية الليبرالية للتدخل الإنساني” أن “التدخل الخارجي (على الأقل) مسموح به أخلاقيًا لإنهاء هذا الظلم” الناجم عن “الاستبداد الحكومي”.

وفي هذه الحالة، بدا أن السياسة الدولية والمحلية قد أعاقت إنقاذ الأرواح البشرية، وكانت هذه القناعة هي التي شكلت السياسة والثقافة بشأن موضوع التدخل الأجنبي على مدار الثلاثين عامًا التالية.

تدخل فاشل

بسبب الإحباط الذي سببه تقاعس الحكومة، لجأ الناس إلى الجمعيات الخيرية وأخذوا زمام الأمور بأيديهم، واحتفت الأفلام والكتب والمنظمات غير الحكومية الجديدة على حد سواء بالأعمال الفردية للتدخل البطولي في إفريقيا، ولكن الدول استجابت أيضًا للضغوط الثقافية المتزايدة لتجنب رواندا أخرى، ونشأ هذا الاتجاه ببطء في البداية ثم وصل إلى ذروته في الثقافة الشعبية بين عامي 2005 و2011.

وتم إصدار فيلم “سقوط الصقر الأسود” (Black Hawk Down) ، وهو فيلم يبرز التدخل الفاشل في الصومال عام 1993، في نهاية عام 2001، وتم تصوير القوات الأمريكية على أنها على حق من الناحية الأخلاقية، بهدف الإطاحة بأمير حرب غير شرعي وغير سياسي كان يسمح للشعب الصومالي بالمجاعة.

ويوضح بطل الفيلم: “إما أن نساعد، أو أن نجلس ونشاهد البلد يدمر نفسه على قناة سي إن إن”، يُجادل الجنرال الذي بدأ معركة مقديشو مع نظيره الصومالي قائلًا: “300 ألف قتيل ولا زال العدد في ازدياد.. هذه ليست حرب.. إنها إبادة جماعية”.

بؤرة المخاوف

وجد المراسلون أثناء الإبادة الجماعية في رواندا أن قدرة الأمريكيين على النظر بعيداً أمر محبط، وأصبحت أفريقيا على وجه الخصوص بؤرة للمخاوف بشأن تأثير الحدود على خلق سيادة قانونية منيعة تحمي الدول التي تمارس الإبادة الجماعية. وأصبحت التصورات الغربية الموجودة مسبقاً حول عدم شرعية الدول الأفريقية، ومعاناة شعوب القارة كضحايا للسياسة العالمية، الأساس للتدخل.

لقد تم تفسير الإبادة الجماعية في رواندا في بعض الدوائر باعتبارها صراعاً “قبلياً”، أو “صراعاً قديماً على السلطة”، كما أوضحت صحيفة هيرالد صن في دورهام بولاية نورث كارولينا في ذلك الوقت. لكن بالنسبة للآخرين، وُصفت الإبادة الجماعية بأنها إرث الاستعمار الذي خلق عرقيات للتقسيم والحكم ثم تركها محاصرة داخل نفس الحدود الاستعمارية المزيفة بعد الاستقلال.

سوء الإدارة

في يونيو 1994، ذكرت صحيفة “بيكون جورنال” في أكرون بولاية أوهايو أن “السياسة التي انتهجتها بلجيكا كانت عنصرية بشكل واضح”. وكل من هذين الموقفين صور الدول القومية الإفريقية باعتبارها كيانات غير عضوية لا معنى لها إلا في نظر الحكومات الفاسدة التي أساءت إلى شعوبها.

وفي عام 2000، زعم المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، جون ستريملاو، أن الحروب في “حكومات إفريقية استبدادية ضعيفة “كانت نتيجة لسوء الإدارة، وعلى هذا فقد كانت مسؤوليتنا أن نحمي ضحايا إفريقيا من أمراء الحرب في القارة السمراء”.

ربما يعجبك أيضا