صفقة تاريخية تسدل الستار على أزمة بنك «كريدي سويس»

ولاء عدلان

صفقة استحواذ «يو بي إس» على كريدي سويس تسطر نهاية لبنك مثقل بالعديد من الفضائح.


وافق «يو بي إس»، أكبر بنك في سويسرا، على شراء منافسه التقليدي كريدي سويس، في صفقة إنقاذ هي الأكبر من نوعها منذ 2008.

ولعبت الحكومة السويسرية دورًا بارزًا في الوصول إلى هذه الصفقة، لتهدئة القلق المتزايد بشأن صحة النظام المصرفي، في ظل أزمة ثقة تجتاح الأسواق العالمية، منذ إعلان السلطات التنظيمية الأمريكية إغلاق بنك سيليكون فالي قبل أسبوع.

صفقة إنقاذ طارئة

أعلنت هيئة الإشراف على الأسواق المالية السويسرية، أمس الأحد 19 مارس 2023، استحواذ «يو بي إس» على أقدم بنوك سويسرا، كريدي سويس، رسميًّا مقابل 3.2 مليار دولار، وهو رقم أقل بكثر من قيمة البنك المتعثر، لكن الصفقة كانت ضرورية للغاية في هذا التوقيت.

وسابقت الحكومة السويسرية الزمن، خلال الأيام القليلة الماضية، لحل أزمة كريدي سويس، قبيل افتتاح الأسواق المالية صباح اليوم الاثنين، لإعطاء رسالة إيجابية للأسواق، ومنع الشكوك بشأن تكرار سيناريو أزمة 2008، وفق ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

وقال البنك الوطني السويسري (البنك المركزي) إن صفقة الإنقاذ الطارئة ستؤمن الاستقرار المالي وتحمي الاقتصاد الوطني، ووصف الرئيس السويسري، آلان بيرسيه، الصفقة بأنها مفصلية لاستقرار النظام المالي العالمي، وليس فقط السويسري.

تفاصيل صفقة بيع كريدي سويس

أعلنت وزيرة المالية السويسرية، كارين كيلر-سوتر، في مؤتمر صحفي، الصفقة التاريخية، وقالت إن إفلاس كريدي سويس كان سيؤدي إلى أضرار اقتصادية لا يمكن إصلاحها، لذا سعت الحكومة لحل الأزمة في أقرب وقت ممكن، انطلاقا من مسؤولياتها، وفق ما نقلته شبكة يورونيوز الأوروبية.

وتقدر صفقة الإنقاذ الطارئة سهم كريدي سويس بنحو 0.8 دولار للسهم الواحد، أي أقل من سعر إغلاق السهم يوم الجمعة الماضي، البالغ دولارين، وأعلن المركزي السويسري توفير سيولة بنحو 107.5 مليار دولار على هيئة قروض، للكيان الناتج عن إندماج البنكين.

وقالت الحكومة السويسرية إن بنك «يو بي إس» سيتحمل نحو 5.4 مليار دولار بموجب ضمانات حكومية لخسائر عملية الاستحواذ، وتعهدت بتقديم ضمانات مالية بنحو 9.8 مليار دولار للخسائر المحتملة، مشيرة إلى أنه بموجب الصفقة ستصبح قيمة نحو 17.3 مليار دولار من سندات كريدي سويس صفرًا، في ضربة مباشرة لحملة هذه السندات.

«يو بي إس» يعزز مكانته العالمية

بنك كريدي سويس، البالغ 167 عامًا، مصنف ضمن أهم 30 بنكًا في النظام المالي العالمي، ما يفسر حرص الحكومة السويسرية على إنقاذه في أقرب وقت ممكن، تحسبًا لانتشار موجات من الفشل المصرفي بأنحاء العالم، على غرار ما حدث في أعقاب انيهار بنك ليمان براذرز الأمريكي في 2008.

وتقتضي صفقة الإنقاذ الدمج بين أكبر بنكين في سويسرا، تقدر قيمة أصولهما معًا بنحو 140% من الناتج المحلي للبلاد، ومن المتوقع أن تعزز الصفقة مكانة «يو بي إس» كرائد في إدارة الثروات عالميًّا بأصول مستثمرة بقيمة 5 تريليونات دولار، وتعزز طموحه للنمو في الأمريكتين وآسيا، وفق وكالة أنباء رويترز.

تقليص أعمال كريدي سويس

يعتزم بنك «يو بي إس» تقليص حجم الأعمال المصرفية الاستثمارية لمجموعة كريدي سويس، ومواءمتها مع ثقافته المحافظة المتعلقة بإدارة المخاطر، ما يعني تعزيز مكانته أكثر كأكبر بنك في سويسرا البلد، الذي يعتمد على الائتمان بقدر كبير، وفق شبكة «سي إن إن».

وفي المقابل، يعتزم «يو بي إس» الحفاظ على وحدة كريدي سويس المحلية، سويس يونيفرسال بنك، التي تعدّ من الكيانات المربحة ضمن المجموعة، التي خسرت نحو 7.9 مليار دولار، العام الماضي، وحقق «يو بي إس» أرباحًا في 2022 بلغت نحو 7.6 مليار دولار.

ترحيب عالمي بالصفقة

رحبت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاجارد، بصفقة إنقاذ كريدي سويس، ووصفتها بـ”التحرك السريع”، وقالت إن الصفقة كانت ضرورية لاستعادة الهدوء في الأسواق وضمان الاستقرار المالي.

وفي الولايات المتحدة، قالت وزيرة الخزانة، جانيت يلين، ورئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي)، جيروم باول، في بيان مشترك أمس، نرحب بخطوات السلطات السويسرية لدعم الاستقرار المالي.

نهاية بنك مثقل بالفضائح

جاءت صفقة إنقاذ كريدي سويس بعد أسبوع من التقلبات القوية لأسهم البنك الشهير، فقدت خلاله نحو 25% من قيمتها، وسط موجة نزوح للأموال من الصناديق الاستثمارية، التي يديرها، ومعدلات سحب لأصحاب الودائع قياسية تجاوزت 10 مليارات دولار يوميًّا، وفشل قرض طارئ بـ54 مليار دولار، حصل عليه البنك المتعثر من المركزي السويسري، في محاولة لوقف نزيف الخسائر.

وأعلن كريدي سويس، الثلاثاء الماضي، اكتشافه نقاط ضعف بنيوية في ضوابطه الداخلية، ما عزز المخاوف من انهياره، وبعدها أعلن البنك الأهلي السعودي، وهو أكبر مستثمر في البنك المتعثر، عزمه عدم ضخ استثمارات جديدة، ما ضغط أكثر على أداء الأسهم.

وزادت قسوة أزمة كريدي سويس بتزامنها مع انهيار بنكي سيليكون فالي وسينجيتشر في الولايات المتحدة، ما عزز المخاوف بشأن تأثير الدومينو، لكن صفقة الإنقاذ تسطر نهاية لبنك مثقل في الأساس بالعديد من الفضائح، سواء المتعلقة بفشله في إدارة المخاطر، أو غسل الأموال أو غيرها.

سلسلة من الفضائح

على مدار الأعوام الماضية، لاحقت سلسلة من الفضائح بنك كريدي سويس، ففي أكتوبر الماضي أعلن دفع  234 مليون دولار كغرامات وتعويضات للحكومة الفرنسية، لتفادي ملاحقة قضائية بتهم غسل الأموال والاحتيال الضريبي.

وفي فبراير 2022، وجهت محكمة سويسرية للبنك الشهير تهمًا تتعلق بالسماح لعصابة بلغارية تعمل في تهريب الكوكايين بغسل ملايين الفرنكات، وفي 2021، تكبد خسائر بـ5.5 مليار دولار بسبب انهيار أحد عملائه التجاريين “شركة آركيجوس كابيتال”.

وفي أكتوبر 2021 أقر كريدي سويس بالتآمر والاحتيال لجمع تمويلات بملياري دولار بين عامي 2013 و2014، لصالح شركات حكومية في موزمبيق، والتزم بدفع غرامات في سويسرا وبريطانيا وأمريكا بأكثر من 480 مليون دولار.

ربما يعجبك أيضا