إسقاط المنطاد.. تداعيات وأبعاد حوادث التجسس الصيني في الولايات المتحدة

محمد النحاس

غير بعيد عن التنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة، عمليات التجسس والاختراق المتبادلة، فما أبعاد قضية البالون؟ وهل هي سابقة تاريخية أم تكرر هذا الحادث؟


بعد أيام من دخول المنطاد الصيني لأجواء الولايات المتحدة، أسقطته وزارة الدفاع أخيرًا، بعد عاصفة من الجدل والنقاش، أثارتها الواقعة.

وفي حين تزعم واشنطن أن المنطاد كان لأغراض التجسس، تقول بكين إنه لأغراض مدنية، فلماذا اخترق المنطاد الأجواء الأمريكية؟ وما غرضه؟ وما أبرز محطات النشاط الصيني التجسسي على الولايات المتحدة؟

إسقاط المنطاد

أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين، إسقاط مقاتلة أمريكية للمنطاد الصيني، الذي دخل أجواء الولايات المتحدة منذ أسبوع، ومنذ الإعلان عن اكتشاف المنطاد، أثارت الحادثة جدلًا واسعًا داخل الولايات المتحدة.

AustinLloyd 081022 AP Roman Koksarovوقد أمر الرئيس الأمريكي، جو يايدن، وزارة الدفاع (البنتاجون)، باتخاذ الإجراءات اللازمة لإسقاط المنطاد، غير أن الجيش تريث أمام احتمالية إسقاطه فوق منطقة مأهولة، ما قد ينتج عنه وقوع أضرار مدنية، وفقًا لتقرير نشرته شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية، أمس السبت 4 فبراير 2023.

وقف الرحلات الجوية

أعلنت السلطات الأمريكية وقف الرحلات الجوية من وإلى 3 مطارات في ولاية كارولينا الجنوبية (ويلمنجتون وميريل بيتش وتشارلستون)، لأسباب تتعلق بـ”الأمن القومي”. وبعد إسقاط البالون الصيني رفعت السلطات حظر الطيران.

وأسقط الجيش الأمريكي المنطاد بصاروخ أطلقته طائرة إف-22 مقاتلة. وقال بايدن إنه وافق على إسقاط المنطاد في وقت سابق، مع الانتظار حتى يكون المنطاد فوق سطح الماء، حتى لا يتعرض أي شخص لأضرار.

مسار المنطاد

حسب ما نقلت وكالة أنباء روتيرز عن مسؤولين أمريكيين لم تسمهم، دخل المنطاد الأجواء الأمريكية يوم 28 يناير ليحلق فوق ألاسكا، ومن ثم غادر الأجواء الأمريكية محلقًا فوق كندا يوم 30 يناير، وعاد مجددًا في اليوم التالي إلى الأجواء الأمريكية.

download 2 1ولم تعلن واشنطن وجود المنطاد حتى يوم الخميس الماضي، أي بعد 3 أيام من دخوله الأجواء الأمريكية للمرة الأولى. وحلق المنطاد في سماء مونتانا، فوق مرابض الصواريخ الباليستية الأمريكية، وفوق مواقع “عسكرية حساسة”، حسب البنتاجون.

وقال البنتاجون كذلك إن المنطاد كان قادرًا على المناورة حتى وصل إلى هذه المنطقة، ما يشير إلى أنه كان قابلًا للتوجيه، علمًا بأن المنطقة التي حلق فوقها المنطاد يوجد بها أكثر من 100 صاروخ باليستي عابر للقارات قادر على حمل رؤوس نووية.

منطاد آخر

بينما تحدث البنتاجون عن رصد منطاد تجسس آخر فوق أمريكا اللاتينية، بدأت البحرية الأمريكية في محاولة انتشال حطام المنطاد الصيني، ومن المتوقع أن تكون العملية سهلة، لأن الحطام على عمق 14 مترًا تحت سطح الماء.

ومن خلال جمع الحطام ستتمكن السلطات الأمريكية من التعرف على مكونات المنطاد والتوصل إلى غرض استخدامه والتقنيات التي يحويها، وفقًا لما قال محرر البنتاجون بمجلة “أفيجين وييك”، بريان إيفرستين، في تغريدة على تويتر.

إلغاء زيارة بلينكن

إثر الحادثة، ألغت الولايات المتحدة زيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، للصين بعد جهود لإجراء اللقاء الدبلوماسي. وكانت هذه الزيارة متفقًا عليها بعد لقاء بايدن ونظيره الصيني، شي جين بينج. نوفمبر الماضي، على هامش قمة مجموعة الـ20 في بالي بإندونيسيا.

ومن جانبها، عقبت الصين على إلغاء الزيارة قائلة إن أيًّا من الجانبين لم يعلن أي زيارة رسمية، مقللةً من شأن الإعلان الأمريكي.

إدانة صينية

أشاد جو بايدن بجهود الطيارين الأمريكيين في إسقاط البالون. وفي المقابل أدانت وزارة الخارجية الصينية الخطوة الأمريكية، واصفة إياها بـ”الرد الفعل المبالغ فيه”، واحتفظت بحق الرد.

230204155015 biden وأعربت بكين عن أسفها لدخول ما وصفته بـ”المنطاد المدني الخاص بأغراض استطلاع أحوال الطقس” الأراضي الأمريكية وخروجه عن مساره، لكن أصر البنتاجون على أنه منطاد تجسس.

كيف يعمل المنطاد؟

قال الخبير المتخصص في مناطيد المراقبة بمركز أبحاث مبادرة “ماراثون”، وليام كيم، في تصريح إلى وكالة الأنباء الفرنسية، إن المنطاد الصيني ذكي التوجيه، ويعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي.

ويشبه المنطاد الصيني في تكوينه منطاد الاستطلاع الجوي العادي، غير أنه يحوي جملة الأدوات الإلكترونية والتقنية الخاصة بالمراقبة والتوجيه والتحكم، ويحوي كذلك ألواحًا للطاقة الشمسية تمد المنطاد بالطاقة اللازمة لحركته.

لماذا استخدمت بكين المنطاد؟

قال كيم، في سؤاله عن سبب استخدام المنطاد بدلًا عن الأقمار الاصطناعية، إن الأخيرة سهلة الرصد ومن ثم الاستهداف، من الجو أو الأرض، في حين أن المنطاد يستطيع الهرب من الرادار.

ولم يستبعد الخبير الأمريكي من جانبه أن يكون المنطاد، الخاص بجمع المعلومات، دخل الأجواء الأمريكية عن طريق الخطأ بعد أن ضل طريقه.

تأثير نفسي؟

في مقال نشرته واشنطن بوست، لا يتفق الكاتب آرثر هولاند ميشيل مع البنتاجون، ويرى أن من غير المنطقي أن يكون منطاد بحجم 3 شاحنات ضخمة يعمل بغرض التجسس، وكان من البديهي أن يتخذ بعض إجراءات الاحتياط بغرض التخفي.

ويرى ميشيل أن الصين أرسلت المنطاد بغرض أن ترصده الولايات المتحدة، معلقًا بأن “أثمن ما استحوذ عليه (المنطاد) هو انتباهنا. ويرجح أن يكون السبب الرئيس لإرساله هو التأثير النفسي في الأمريكيين، والشعور الجمعي بـ”عدم الأمان، واختراق السيادة، والخضوع للمراقبة تحت أعين الصين”.

ليست المرة الأولى

هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقد حدث مثل هذه الاختراق 3 مرات في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، دون رد فعل عسكري. وحسب الكاتب الصحفي ومحرر الشؤون الدولية بصحيفة الجارديان البريطانية، جوليان بورجر، قد يكون الغرض معرفة الرد العسكري، واختبار مدى قوة بايدن.

وأشار بورجر إلى أن الصين قد تطالب الولايات المتحدة بتسليمها حطام المنطاد، على غرار حادثة جزيرة هاينان عام 2001 في مطار جزيرة هاينان الصينية، حيث احتجزت الصين طائرة الاستطلاع التابعة للبحرية الأمريكية وماطلت لعدم تسليمها.

وتاريخيًّا، يعود استخدام مناطيد التجسس إلى الأيام الأولى من الحرب الباردة، إذ استخدمت الولايات المتحدة المئات منها لمراقبة منافسيها، وفقًا لما نقلت “سي إن إن” عن الضابط السابق في سلاح الجو الملكي الأسترالي، والزميل السابق بمعهد جريفيث آسيا في أستراليا، بيتر لايتون.

تاريخ من التجسس

في عام 2018 حذر مسؤولو أجهزة الاستخبارات الأمريكية المواطنين من استخدام تقنيات شركات هواوي الصينية، حسب تقرير “سي إن إن”. ويجري جدل في الوقت الحالي وتحذيرات مماثلة من استخدام تطبيق تيك توك، الذي يهدد انتشاره في عموم البلاد “الأمن القومي الأمريكي” وبيانات الأمريكيين.

وعام 2017 كانت شركات صينية بصدد تنفيذ مشروع حديقة وطنية في واشنطن، ولكن جرى إلغاء المشروع بعد التقاط المسؤولين الأمريكيين لبعض علامات الخطر، وعلاوةً على ذلك اعتمدت بكين في جمع معلومات لأغراض التجسس، على طلاب مبتعثين وعلماء ورجال أعمال، وفقًا للشبكة الأمريكية.

جواسيس الصين بالولايات المتحدة

بالإضافة إلى ما سلف، يهدف نشاط الجواسيس الصينيين في الولايات المتحدة كذلك إلى تعقب معارضي الحزب الشيوعي، وخصوم الرئيس الصيني شي جين بينج، وفقًا لتقرير أوردته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في هذا الشأن.

ومنذ عام 2000 سجلت الولايات المتحدة العشرات من حالات التجسس الصينية عليها، يدور معظمها بين عمليات سرقة الملكية الفكرية، ومحاولة نقل التكنولجيا الأمريكية، وعمليات اختراق تقني، حسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن (CSIS).

اختراقات أمنية وتفوق صيني

وفق الباحثة المتخصصة في الشؤون الأمنية، نانيس عبدالرازق فهمي، قد يكون المنطاد بالفعل مدنيًّا، ولكن هذا لا ينفي أو يقلل من شأن الاختراقات الأمنية الصينية للبنية التحتية وللشركات بالولاىات المتحدة، لافتةً إلى أن هذه الهجمات مكنت بكين من تطوير المقاتلة j20.

210603 china image mc 10133 1

وأضافت خبيرة الشؤون الأمنية في حديث إلى شبكة رؤية الإخبارية، أن الصين لديها وحدة خاصة بالهجمات السيبرانية، تحوي عشرات أجهزة الاختراق، مشددةً على أن الصين هي المنافس الأبرز للولايات المتحدة في مجال تكنولجيا المعلومات، وعلاوةً على ذلك لا تستطيع واشنطن اللحاق ببكين في هذا المجال.

مهمة ناجحة؟

وفقًا للدكتورة نانيس، تعمل الصين على تطبيق استراتيجية متكاملة من أجل الاستحواذ، وجمع المعلومات، وتستخدم التكنولوجيا لتحقيق أهدافها القومية، ولديها القدرة على الدمج والتكامل بين القطاعين المدني والعسكري، فهي تفرض على شركاتها مشاركة معلوماتها مع أجهزة الاستخبارات الصينية.

وفي ما يتعلق بقضية المنطاد، لفتت الباحثة إلى أنه إذا ما كان بغرض التجسس، فقد يكون جمع معلمومات بالفعل وأرسلها إلى بكين وحقق مهمته قبل إسقاطه، وإذا كان بالفعل يخص أغراض الطقس، فقد اخترق الأجواء الأمريكية رغم ريادة واشنطن في المجال الدفاعي.

تنافس استراتيجي

على صعيد التنافس الاستراتييجي، لفت المحلل السياسي عمرو عبدالعاطي، إلى أن أحد أبرز مجالات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، هو مجال التقنية، وأن الصين، وهي القوة الطامحة إلى الصعود، تسعى لحيازة التكنولجيا الأمريكية.

107151480 16684579222022 11 14t195352z 1185340475 rc2mlx9b0vzi rtrmadp 0 g20 summit biden xi democracy scaled

وتنظر الولايات المتحدة إلى الصين بوصفها “أكبر تحدٍّ جيوسياسي” يواجها على المدى البعيد. وتنبأ عبدالعاطي، وهو أيضًا مساعد رئيس تحرير مجلة الأهرام للسياسة الدولية، بأن العلاقات بين واشنطن وبكين ستشهد مزيدًا من حلقات التصعيد.

ويلفت عبدالعاطي، ختامًا، إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية تبنت النهج الأكثر تشددًا تجاه الصين مقارنةً بالإدارات السابقة، فارتفع معدل التصعيد بين الجانبين من التنافس التجاري في عهد ترامب، إلى مزيد من العقوبات والقيود على التكنولجيا الحديثة في عهد بايدن، لتقويض محاولات الصعود الصيني.

ربما يعجبك أيضا