إفريقيا تواجه توليفة مميتة من أدوية السعال الهندية

بسام عباس

اللوائح الفضفاضة في بعض الدول المصدرة ونقص موارد اختبار الجودة في الدول المستوردة ترك الدول الإفريقية تواجه توليفة مميتة من شركات الأدوية.


تسببت أدوية سعال هندية في مقتل 70 طفلًا في جامبيا، ما استدعى التحقيق في اللوائح الهندية وانعدام اختبارات الجودة بالدول الفقيرة.

وأوضح تقرير، نشرته صحيفة نيويورك تايمز، الخميس 3 نوفمبر 2022، أن السلطات في ولاية هاريانا الهندية أوقفت إنتاج أدوية السعال، بعدما ذكر تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن وفاة الأطفال في جامبيا لها علاقة بهذه الأدوية.

صيدلية العالم

قالت نيويورك تايمز إن الهند تطلق على نفسها اسم “صيدلية العالم”، فقد توسعت في صناعة الأدوية بسرعة، ما وفر شريان الحياة للعالم النامي بإنتاجها الأدوية، خاصة الأدوية الجنيسة (المكافئة)، للعديد من الأمراض مثل الملاريا والإيدز، بأسعار أقل من الأدوية الأمريكية والأوروبية.

وأضافت الصحيفة أن الهند هي ثالث أكبر مصنع للأدوية في العالم من حيث الحجم، وتنتج 60% من اللقاحات العالمية و20% من الأدوية الجنيسة، وفي إشارة إلى اعتماد العالم على الأدوية الهندية، فقد زادت صادرات الأدوية الهندية بنحو 20% في أثناء انتشار وباء كورونا، لتصل إلى 24 مليار دولار، رغم عمليات الإغلاق التي عطلت سلاسل التوريد.

كوكتيل خطير

أوضحت الصحيفة أن الوفيات في جامبيا أثارت القلق بشأن ما وصفه أحد الخبراء بـ”الكوكتيل الخطير”، فمن ناحية، ظل تنظيم صناعة الأدوية فوضويًّا رغم الكوارث المتكررة، ومن ناحية أخرى لا يوجد لدى الدول الفقيرة آلية جيدة لاختبار جودة الأدوية المستوردة.

وأضافت أن صناعة الأدوية في الهند مليئة بالاحتيال في البيانات والاختبارات غير الكافية وممارسات التصنيع المتدنية، ونقلت الصحيفة عن خبراء قولهم إن الثغرات في اللوائح التنظيمية تمنح صانعي الأدوية في البلاد فرصًا لتقليص النفقات وزيادة الأرباح.

حالات مأساوية في إفريقيا

أفادت الصحيفة أن هذه الحادثة خلقت واقعًا مأساويًّا في إفريقيا، ما يزعزع الثقة بالأدوية الهندية في مناطق هي في أشد الحاجة إليها، مشيرة إلى أن السلطات الصحية في جامبيا لا تزال تحقق في وفيات الأطفال، وتقيم ما إذا كان الشراب قد تسبب في وفاتهم.

وقال مبعوث الاتحاد الإفريقي الخاص للوكالة الإفريقية للأدوية، ميشيل سيديبي، إن ما حدث في جامبيا يحدث في دول إفريقية أخرى، لافتًا إلى أن معظم الدول الإفريقية ليس لديها آليات لتطبيق اختبار جودة ولا هيئات تنظيمية مدربة جيدًا، وأن لوائحها الفضفاضة تسمح بمرور الأدوية من دولة إلى أخرى.

ممارسات خطيرة

ذكرت الصحيفة أن الناشط في مجال الصحة العامة، دينيش ثاكور، والناشط الحقوقي والمحامي، براشانت ريدي، كشفا عن بعض الممارسات الخطيرة لشركات الأدوية الهندية، وعن ثغرات اللوائح التنظيمية في الهند، وذلك في كتاب حديث بعنوان “حبة الحقيقة”.

وكشف الناشطان أن مصنعي الأدوية الهندية يتخذون أساليب ملتوية مع بعض الأدوية الموجهة للتصدير إلى الأسواق ذات ضوابط الجودة الضعيفة، وتشير الأدلة إلى دراسة محدودة اختبرت جودة الأدوية الهندية التي أثارت شكاوى وأدرجت في القائمة السوداء في دول أخرى.

مركبات سامة في أدوية السعال

أوضحت الصحيفة الأمريكية أن العديد من حالات الوفاة الجماعية التي حدثت في الصين كانت بسبب أدوية السعال، لافتة إلى أن الشركات المقلدة استخدمت مركب “ثنائي إيثيلين جلايكول” و”إيثيلين جلايكول”، التي تتحول إلى مركبات سامة في الجسم، بدلًا من المذيبات غير السامة الأكثر كلفة.

وأضافت أن الهند سجلت ما لا يقل عن 5 حالات وفاة جماعية ناجمة عن ثنائي إيثيلين جلايكول منذ السبعينات. ووجد أن الأدوية الهندية الصنع المصدرة إلى جامبيا أيضًا تحتوي على كميات عالية من ثنائي إيثيلين جلايكول وإيثيلين جلايكول، ولكنها أنتجت في مصانع مرخصة، وليست مقلدة مثل الصين.

الفساد سيد الموقف

قالت الصحيفة الأمريكية إن مصنعي الأدوية يستفيدون من الثغرات الموجودة في اللوائح التنظيمية بالهند، فالحكومة المركزية مكلفة بضمان جودة الأدوية المستوردة والموافقة على الأدوية الجديدة، وحكومات الولايات تكون مسؤولة عن تطبيق لوائح الأدوية، سواء للاستخدام المحلي أو للتصدير.

ونقلت “نيويورك تايمز” عن ثاكور قوله إن مختبرات فحص الأدوية المملوكة للدولة في الهند تفتقر إلى المعدات الأساسية، بسبب نقص الموارد، فضلًا عن انتشار الفساد، مضيفًا أن العديد من الشركات الهندية لا تتبع “ممارسات التصنيع الجيدة”، وهو مصطلح في صناعة الأدوية يشير إلى اختبار مراقبة الجودة.

أدوية غير مطابقة للمواصفات

من جانبها، كشفت بي بي سي البريطانية أنه في عام 2013، وبعد تحقيق استمر 7 سنوات، أصدرت الولايات المتحدة قرارًا بتغريم شركة “رانباكسي لابوراتوريز” الهندية، بغرامة غير مسبوقة قدرها 500 مليون دولار، وهي أكبر غرامة تُفرض على الشركة بسبب التصنيع والتخزين والاختبار غير السليم للأدوية.

وأضافت أن السجلات الهندية الرسمية تكشف أنه بين عامي 2007 و2020، أُخذت عينات من أكثر من 7 آلاف و500 دواء في 3 ولايات فقط من أصل 28 ولاية هندية و3 أقاليم اتحادية، وفشلت تلك العينات في اختبارات الجودة، وصنفت على أنها أدوية “ليست بجودة قياسية” أو بأنها أقل جودة.

منظمة الصحة العالمية على الخط

في تقرير آخر، نشرته بي بي سي البريطانية، تدخلت منظمة الصحة العالمية، بعد أن اكتشفت السلطات الطبية في جامبيا زيادة في حالات إصابة الكلى الحادة بين الأطفال دون سن الخامسة، وقال رئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس جيبريسوس، إن فقدان هؤلاء الأطفال يفطر قلوب عائلاتهم وقلوبنا.

وأوضحت المنظمة أن الهيئة المركزية لمراقبة الأدوية في الهند أشارت إلى أن الشركة المصنعة قد قدمت الأدوية الملوثة إلى جامبيا فقط، إلا أن المنظمة أشارت إلى إمكانية “تعرض العالم” لهذه الأدوية، لأن “الشركة المصنعة قد تكون استخدمت المادة الملوثة في منتجات أخرى ووزعتها محليًّا أو صدرتها”.

ربما يعجبك أيضا