اتفاق التجارة الأمريكي الصيني.. مصير ضبابي تحت راية ترامب

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

فجر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كعادته قنبلة جديدة من العيار الثقيل، مساء أمس الثلاثاء، بالإعلان عن تأجيل محادثات التجارة مع الصين إلى أجل غير مسمى، في خطوة تثير تكهنات مرعبة بشأن مصير الاتفاق التجاري بين أكبر اقتصادين بالعالم، في وقت يرزح فيه الاقتصاد العالمي تحت وطأة تداعيات ثقيلة لجائحة كورونا.

تأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين توترا متصاعدا تحت عناوين عدة، أبرزها أزمة كورونا و”الفيروس الصيني”، والوضع في هونج كونج، وأزمة التجسس عبر تطبيق “تيك توك” وبالطبع لا ننسى “هواوي”، وطوال الشهور الماضية كانت المحادثات التجارية العنوان الأكثر استقرارا في هذه العلاقات.

ترامب لا يريد الحديث
خلال تواجده في يوما بولاية أيزونا، أمس، قال ترامب: إنه أرجأ محادثات التجارة مع بكين، لأنه لا يريد الحديث مع الصين في الوقت الحالي، وبسؤاله عما إذا كان سينسحب من اتفاق التجارة مع الصين، قال: إنه سينظر في الأمر، تجدر الإشارة هنا إلى أن إنهاء الصفقة بين البلدين يتطلب إشعارًا كتابيًا يسري مفعوله بعد 60 يومًا من تاريخه، ما لم يتفق الطرفان على تاريخ مختلف.

كان من المقرر -بحسب تقارير صحفية- أن يناقش ممثلون من الولايات المتحدة والصين، السبت المقبل، مدى الالتزام بتطبيق ما يسمى باتفاق التجارة “المرحلة 1” المبرم في يناير الماضي، لكن الآن لم يعد معروفا إن كانت هذه المحادثات سيتم استئنافها لاحقا، أم أن الاتفاق بين البلدين وصل إلى طريق مسدود.

بحسب وكالة “بلومبرج”، لم يحدد أي موعد جديد للمحادثات، ووفق ما هو متفق عليه يتم إجراء مناقشات كل ستة أشهر، لمراجعة مستوى الالتزام باتفاق المرحلة الأولى، الذي دخل حيز التنفيذ فبراير الماضي، وتعهدت الصين بموجبه بشراء سلع أمريكية إضافية بنحو 200 مليار دولار على مدى عامين، وبتحسين حماية حقوق الملكية الفكرية الأمريكية والحد من النقل القسري للتكنولوجيا، وفتح سوق الخدمات المالية لديها أمام الشركات الأمريكية.

وفي المقابل تعهدت واشنطن بإلغاء جزء من الرسوم الجمركية المفروضة على حزمة من السلع الصينية كالهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والشاشات المسطحة، تقدر بنحو 120 مليار دولار، مع الإبقاء على رسوم نسبتها 25% على منتجات صينية بقيمة 250 مليار دولار.

وفق ما هو معلن حاولت الصين على مدار الشهور القليلة الماضية الوفاء بتعهداتها فيما يتعلق بشراء المزيد من السلع الأمريكية، وإجراء العديد من التغييرات الهيكلية التي وعدت بها بشأن ملف حماية حقوق الملكية الفكرية، لكن بالطبع جائحة كورونا أضرت بالسقف المطلوب من الواردات الصينية من السلع الأمريكية، ما دفع العجز التجاري الأمريكي مع بكين للارتفاع مجدد، ويبدو أن هذا أغضب ترامب المتطلع لولاية جديدة مع قرب انتخابات نوفمبر.

بيانات شهر يوليو تظهر ارتفاع العجز الأمريكي في تجارة السلع مع الصين، بنسبة 9.4 بالمئة إلى 32.8 مليار دولار، مع ارتفاع الواردات بنسبة 6.4 بالمئة، وانخفاض الصادرات إلى الصين بنسبة 3.3 بالمئة.

قبل أيام فقط، أشاد المستشار التجاري للبيت الأبيض، بمستوى مشتريات الصين من الصادرات الأمريكية، لكنه اتهم القيادة الصينية بالعمل مع الديمقراطيين ضد ترامب.

فيما أكد كبير موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز، أمس، عدم وجود محادثات رفيعة المستوى مجدولة بين البلدين في الوقت الراهن، مضيفا أن الصين قامت بعدد من صفقات الشراء المهمة في مجال الزراعة، لكن الرئيس ترامب يشعر بالإحباط بسبب الافتقار إلى الشفافية بشأن ما حدث مع فيروس كورونا.

الضغط لأقصى حد
خلال الفترة الأخيرة، كثف ترامب جهوده للضغط على بكين في عدة ملفات، فمن عاصفة اتهامها بإغراق العالم عن عمد في أزمة كورونا إلى رياح إقرار الصين لقانون الأمن القومي الذي يقوض الحكم الذاتي في هونج كونج والرد الأمريكي بسلسلة جديدة من العقوبات، مرورا بالتحرك الأمريكي للرد على التوسع العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي، وبزوبعة اتهام بكين بالتجسس على واشنطن عبر “تيك توك”، وأخيرا ملاحقة شركات التكنولوجيا الصينية وعلى رأسهم العملاقة “هواوي” التي عمل ترامب على إغلاق الأسواق في وجه شبكاتها للجيل الخامس.

الرئيس الأمريكي أيضا أعلن عن تسهيلات سخية للشركات الأمريكية التي ستقوم بنقل أعمالها من الصين إلى الولايات المتحدة، فيما لوح بمعاقبة الشركات التي ستنتقل إلى البر الصيني تحت أي مسمى.

أول أمس أعلنت الحكومة الأمريكية، عن زيادة القيود المفروضة على “هواوي” بإضافة 38 من الشركات التابعة لها إلى قائمة الشركات الممنوعة من الحصول على التكنولوجيا الأمريكية “الحساسة”، وفي  أول رد رسمي من بكين، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية تشاو لي جيان، أمس: إن الولايات المتحدة تستخدم مفهوم الأمن الوطني وسلطة الدولة بشكل خاطئ لفرض قيود مختلفة على الشركات الصينية، وهو ما يعد عملا سافرا من أعمال الهيمنة.

وأضاف واشنطن، انتهكت قواعد التجارة الدولية وأضرت بشدة بالسلسلة الصناعية وسلسلة الإمداد على المستوى العالمي، مؤكدا أن بلاده ستواصل اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية الحقوق والمصالح المشروعة للشركات الصينية.

مي شينيو، الباحث في مركز أبحاث تابع لوزارة التجارة الصينية قال في تصريح لـ”بلومبرج”: كيف يمكن أن تستمر المحادثات التجارية بين البلدين إذا كانت واشنطن تخلق مشاكل جديدة من وقت لأخر.

انهيار لا يخدم أحد
تشارلز فريمان العضو في غرفة التجارة الأمريكية قال لـ”بلومبرج”: اتفاق المرحلة الأولى بين بكين وواشنطن كان نقطة مضيئة في العلاقات بين البلدين، لذا نستبعد أن تنهار الصفقة بالكامل، فالرئيس ترامب في حاجة إلى الاتفاق فعينه على الانتخابات وأسواق الأسهم والمؤشرات الاقتصادية، والأمر سيكون أسوأ في حال إلغاء الصفقة مع بكين.

انهيار الصفقة بالكامل سيؤدي حتما إلى عودة حرب الرسوم الجمركية المتبادلة بين البلدين، والتي أضرت بالتجارة في جميع أنحاء العالم، وهو سيناريو لا يريد أحد تكراره الآن.

ولنكن منصفين، ففي حالة تمكنت الصين من شراء منتجات زراعية أمريكية بنحو 32 مليار دولار، كما هو منصوص عليه في اتفاق المرحلة الأولى، فمن غير المرجع أن تتكمن من الوفاء بكامل تعهداتها الخاصة بإمدادات الطاقة  “50 مليار دولار” أوفيما يتعلق بقطاع الخدمات، فجائحة كورونا أتت على كل شيء ليس فقد معدلات الطلب الصيني أو العالمي في العموم، فقيود السفر أضطرت بالطلب الصيني على الطائرات الأمريكية الجديدة وتسببت في إلغاء رحلات الآلاف من الصينيين إلى الولايات المتحدة سوءا بغرض الدراسة أو السياحة.

الرئيس ترامب يدرك جيدا هذه المتاعب، لكنه مع اقتراب الانتخابات، يبدو أنه في حاجة إلى رفع السقف مع الصين في ملفات الديمقراطية وحقوق الملكية الفكرية فهي ملفات تلقى اهتماما من الناخب الأمريكي، وأيضا ربما يحمل تأجيل المحادثات في طياته مناورة للحصول على المزيد من التعهدات الصينية، لكن في المقابل يجب أن يدرك ترامب أن للصين سقف احتمال قد تصل إلى آخره في أي لحظة وتصبح العودة إلى طاولة المفاوضات مستحيلة، وفي هذه الحال لن يكون الاقتصاد الأمريكي فقط هو المتضرر؛ فالاقتصاد العالمي سيصبح رهينة لحرب مفتوحة بين أكبر اقتصادين.

ربما يعجبك أيضا