ازدواجية الموقف الأمريكي.. تخبط في إدارة “ترامب” أم مصالح عليا؟

سهام عيد

كتبت – سهام عيد

مشهد ضبابي، وتصريحات متضاربة، ربما تأخذك في البداية إلى طرفي نزاع، غير أن اللافت في الأمر أنها تعبر جميعًا عن إدارة واحدة هي “البيت الأبيض”، وموقف واحد لدولة واحدة هي “الولايات المتحدة” تجاه قضية بعينها.

سيناريوهات عديدة فرضت نفسها مؤخرًا، للعديد من التأويلات، لا سيما بعد تضارب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع مؤسسات دولته تجاه القضايا الخارجية، كالأزمة الخليجية القطرية، والملف النووي، و فرض عقوبات جديدة على روسيا، وغيرها من القضايا الشائكة، التي عكست حالة التخبط التي تعاني منها الإدارة الأمريكية الجديدة، فالبعض يرى أن هناك خلافًا واضحًا بين مؤسسات الدولة، وآخرون رأوا أن “ترامب” يحاول كسب ود جميع الأطراف ويقف في المنتصف لحماية المصالح الأمريكية.

في ضوء ازدواجية الموقف الأمريكي تجاه القضايا الخارجية، نستعرض فيما يلي أبرزها..

أزمة قطر

منذ اشتعال فتيل الأزمة بين قطر وبعض الدول الخليجية والعربية، في يونيو الماضي، والتي على إثرها أعلنت عواصم بعض الدول مقاطعتها الدبلوماسية للدوحة وعلى رأسها أبوظبي والرياض والقاهرة والمنامة، حرصت المؤسسات السيادية الأمريكية على تهدئة الموقف وتجنب التصعيد.

ففي أول رد فعل رسمي لواشنطن، حض وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، دول الخليج على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وحل الخلافات ومحاولة الوصول إلى نقاط اتفاق ينهي هذا التوتر المشوب بالخطر.

وخلال مؤتمر صحفي له في أستراليا، قال تيلرسون: “الإجراءات الدبلوماسية الأخيرة التي وصلت إلى حد قطع السعودية والإمارات والبحرين لعلاقاتها مع الدوحة جاءت نتيجة لتفاقم تلك الخلافات”، مشددًا على أهمية “وحدة الخليج” بالنسبة لواشنطن.

الوزير الأمريكي لفت أيضًا إلى أن قطع العلاقات مع قطر سيسبب تداعيات إنسانية غير مقصودة، كما أنه يضر بنشاط الشركات الأمريكية في المنطقة، داعيًا السعودية والإمارات والبحرين إلى تهدئة الأوضاع.

لم يكن موقف وزير الخارجية هو الوحيد الداعم للغة الحوار وتهدئة الأوضاع، إذ أعلنت المتحدثة باسم الرئاسة الأمريكية، سارة سياندرز، أن الرئيس دونالد ترامب يعتزم مواصلة العمل مع جميع شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، معربة عن أمنياتها مواصلة العملية ونزع فتيل التوتر هناك، ومؤكدة أن ذلك سيكون بالعمل مع جميع شركائنا.

وفي سياق متصل، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” مجدّدًا أنّ مقاطعة دول عربية لدولة قطر “لم يكن لها تأثير” ولا يتوقع أن يكون لها أي تأثير على العمليات العسكرية الأمريكية في قطر، وأكدت “ممتنون لقطر لالتزامها بالأمن الإقليمي”.

وزيرة القوات الجوية الأمريكية هيذر ويلسون، أبلغت في وقت سابق لجنة في مجلس الشيوخ أنها ليست قلقة بشأن قاعدة العديد الجوية الأمريكية في قطر، رغم قرار السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر في تحرك منسق مع مصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة، وقالت: “لا يوجد تهديد بنقل القاعدة والعمليات الأمريكية مستمرة دون انقطاع”.

أما السفيرة الأمريكية السابقة لدى الإمارات ورئيسة معهد دول الخليج العربية في واشنطن، مارسيل وهبة، فقالت: “الولايات المتحدة ستتحرك ولكن كيف ستفعل ذلك؟ أعتقد أنه سيكون تحركًا هادئًا للغاية ووراء الكواليس، لا أظن كثيرًا أننا سنجلس على الهامش وندع الأزمة تتفاقم”، بينما قال مسؤول أمريكي آخر: “نتواصل مع كل شركائنا لإيجاد سبيل لإعادة بعض الوحدة في مجلس التعاون الخليجي دعمًا للأمن الإقليمي”، مضيفًا أن من المهم مواصلة قتال الإرهاب والفكر المتشدّد.

في المقابل خرج الرئيس ترامب بتصريحات متناقضة تمامًا مع ما أدلت به مؤسسات دولته السيادية، حيث كتب على صفحته الشخصية مجموعة تغريدات أصابت المتابعين بحالة من الضبابية في تقييم الموقف الأمريكي الرسمي.

وقال ترامب عبر موقع التدوين المصغر “تويتر”: “خلال زيارتي للشرق الأوسط أكدت ضرورة وقف تمويل الأيديولوجية المتطرفة والقادة أشاروا إلى قطر – انظر”.

ثم تابع: “من الجيد رؤية أن زيارتي للسعودية مع الملك “العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز” و50 دولة تؤتي ثمارها، قالوا إنهم سيتخذون نهجًا صارمًا ضد تمويل الإرهاب، وكل المؤشرات كانت تشير إلى قطر، ربما سيكون هذا بداية النهاية لرعب الإرهاب”.

ثم جاءت تعليقاته أكثر جرأةً ووضوحًا، حين وصف قطر بأنها “داعم تاريخي للإرهاب”، داعيًا دول الخليج ودول الجوار لاتخاذ المزيد من الإجراءات لمكافحة الإرهاب، حيث قال في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض: “دولة قطر، للأسف، ممول تاريخي للإرهاب على مستوى عالٍ جدًا، يجب أن ينهوا هذا التمويل”.

موقف الرئيس الأمريكي حيال الأزمة الخليجية القطرية “المتناقض” مع مؤسسات دولته، طرح العديد من التساؤلات، بشأن دوافع ترامب حيث تبنى موقف أحد الأطراف المتنازعة في مقابل موقف مؤسسات الدولة السيادية والتي تفضل دور الوساطة لتخفيف حدة التوتر.
 

الموقف الأمريكي تجاه روسيا

يقف الكونجرس الأمريكي والرئيس ترامب على طرفي نقيض فيما يتعلق بالعقوبات على روسيا، ففي حين يحاول الكونجرس جاهدًا توسيع العقوبات وحل خلاف إقرار مشروع قانون بهذا الشأن، يبعث ترامب برسائل ود لنظيره الروسي ويستبعد أي حديث عن عقوبات جديدة.

وقال السناتور الجمهوري بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وأحد واضعي مشروع القانون: “أعتقد أن مجلس النواب ربما يقر التشريع قريبا جدا”.

وأضاف أنه يتوقع أن يجري المجلس تعديلات لن تؤثر على روح التشريع بشكل عام وأن يعالج مسائل أقلقت شركات الطاقة مثل وجود بند ذكرت شركات النفط أنه قد يحرمها من دخول مشروعات عالمية للتنقيب إن شاركت فيها مؤسسات روسية أيضا.

وتعثر التشريع في مجلس النواب منذ 15 يونيو الماضي، حيث أجاز مجلس الشيوخ العقوبات على روسيا في إطار إجراء أوسع يفرض أيضا عقوبات جديدة على إيران، آملا في توجيه رسالة إلى ترامب تحثه على اتباع نهج قوي تجاه روسيا، وحظيت الخطوة بتأييد 98 عضوا بالمجلس مقابل اعتراض عضوين، لكن ترامب لم يرد على ما إذا كان سيوقع على مثل هذا الإجراء، وأشاع هذا التأخير إحباطا بين الديمقراطيين وبعض الجمهوريين الذين يرون أن الرئيس الجمهوري بالغ الحماس لتحسين العلاقات مع روسيا لدرجة ستثنيه عن الرد على مخالفاتها على الساحة الدولية.

بحسب صحيفة “العرب” اللندنية، يسير ترامب في اتجاه معاكس تمامًا لما يريده الكونجرس، إذ صرح بأنه لن يخفض العقوبات الحالية المفروضة على روسيا، حتى يتم التوصل إلى اتفاق حول أوكرانيا وسوريا، ورفض القول ما إذا كان سيصدق على إجراءات أشد صرامة يسعى إليها الكونجرس.

من جانبه، أكد وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، أنه والرئيس  ترامب ليسا من مشجعي فرض عقوبات جديدة على روسيا، لا سيما لأنها تعرقل محاولات استعادة العلاقات بين البلدين.

وقال تيلرسون للصحفيين، إن الإجراء الذي اتخذه الكونجرس لتطبيق العقوبات والطريقة التي نفذ بها هذا، لم تسعده والرئيس الأمريكي، مضيفا: “كنا واضحين بأننا لا نعتقد أن هذا سيخدم جهودنا، لكن هذا القرار الذي اتخذه الكونجرس وأعتقد أن الرئيس يقبله”.

ورغم عدم رضائه، أكد تيلرسون: “جميع المؤشرات تقول إنه سيوقع على مشروع القانون”، حسبما أورد موقع “إيه بي سي نيوز” الأمريكي.

جاء ذلك، بعد أشهر من فضيحة اتصالات “مايكل فلين” مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع روسيا والتي كانت سببًا في استقالته، حيث أتهم فلين بمناقشة موضوع العقوبات الأمريكية مع السفير الروسي في الولايات المتحدة قبيل تولي ترامب مهام الرئاسة.

وأفادت تقارير بأنه قد ضلل مسؤولين أمريكيين بشأن محادثته تلك مع السفير الروسي.

وقال فلين في رسالة استقالته، إنه قدم “ايجازًا بمعلومات غير كاملة من دون قصد لنائب الرئيس المنتخب وآخرين بشأن اتصالاتي الهاتفية مع السفير الروسي”.

في ضوء ما سبق، يظهر لنا أن المصالح الأمريكية هي التي تهم ترامب في المقام الأول، حيث يحرص على الوقوف في المنتصف من جميع الأطراف تجاه أغلب القضايا الخارجية لكسب ود الجميع وتوظيفها اقتصاديًا لصالح دولته.

النووي الإيراني

ظاهريًا يبدو أن الموقف الأمريكي تجاه السلاح النووي الإيراني غير متضارب، حيث أكد البيت الأبيض مرارًا أنه ملتزم بالاتفاق النووي، بينما يسعى ترامب إلى إنهاءه، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

تشير الصحيفة إلى أن ترامب عين فريقًا من موظفي البيت الأبيض لتقديم تقرير حالة في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة لإعلان أن إيران قد انتهكت الاتفاق النووي، بعد أن وافق على إعادة التصديق على الاتفاق قبل بضعة أسابيع.

من جانب آخر، اعترف وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، بأنه والرئيس دونالد ترامب مختلفان بشأن الاتفاق النووي الذي توصلت إليه القوى الدولية الكبرى مع إيران عام 2015، وقال إنهما يبحثان كيفية استخدام الاتفاق من أجل النهوض بسياسات الإدارة.

يشار إلى أن ترامب تعهد خلال حملة الانتخابات الرئاسية العام الماضي بالانسحاب من الاتفاق الذي وقعته الولايات المتحدة وروسيا والصين وثلاث قوى أوروبية للحد من البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع معظم العقوبات الغربية المفروضة على طهران.

وترامب مستمر في العمل بالاتفاق حاليًا لكنه أوضح أنه يفعل ذلك على مضض بعدما نصحه تيلرسون بذلك.

وقال تيلرسون في إفادة بوزارة الخارجية، “هو وأنا لدينا اختلافات في الرؤى بشأن أمور مثل خطة العمل الشاملة المشتركة “الاسم الرسمي للاتفاق مع إيران” وكيف يجب علينا استغلاله”.

وأضاف تيلرسون أن واشنطن يمكنها “تمزيق (الاتفاق) والانسحاب” منه أو مواصلة الالتزام به وتحميل إيران مسؤولية التقيد بشروطه التي قال إنها تلزم طهران “بحسن الجوار”.

ولم يرد البيت الأبيض على طلب للتعليق على تصريحات تيلرسون.

من جانبه، يرى الباحث في الشأن الإيراني د. يوسف بدر، “إن طريقة التعامل الأمريكي مع الملف الإيراني، تكشف أن ترامب يفكر بطريقة رجل السوق الذي يراقب دائما العرض والطلب، وهو ما يدل على أنه رجل واعٍ، ولكنه لا يتحرك بمنطلقات سياسية، وإنما بمنطلق وأهداف رجل السوق”.

يتابع بدر، “فمن جانب يخرج ترامب بتصريحات نارية تجاه إيران ويتحدث عن ضرورة حصار نفوذها في المنطقة، بينما هو بذلك يود كسب الحلفاء في الخليج، ويفرض المزيد من العقوبات ظاهرهًا لإيصال شعور الأمان إلى دول جوار إيران، بينما في الحقيقة هي أوراق ضغط لدعم المصالح الأمريكية ودعم تأييد ترامب في الداخل الأمريكي”.

يشير الباحث السياسي إلى أن ترامب يخشى الخروج من الاتفاق النووي لأسباب منها، انعكاس ذلك على دول جوار إيران وهو ما قد يعود بالسلب على العلاقات الأمريكية، كذلك القلق من الموقف الأوروبي من ذلك، فهناك توتر في العلاقات الأمريكية الأوروبية، حيث أن أوروبا تحصد الكثير من الاتفاق النووي وترامب قد ينسف كل ذلك، مضيفًا: “ما يزعج ترامب حقيقة هو المبدأ الذي قام عليه الاتفاق النووي وهو خطوة تقابلها خطوة، وأنه يريد المكسب للولايات المتحدة أولا، وهذا تفكير رجل السوق”.

انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس للمناخ

في أول يونيو 2017، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس بشأن المناخ، واعتبر أن قراره “خدمة كبيرة للشعب الأمريكي”.

واعتبر ترامب، أن اتفاقية باريس تنطوي على تمييز ضد الولايات المتحدة، وأضاف، أنه سيترك الباب مفتوحًا للتفاوض على اتفاقية أفضل للشركات والعمال الأمريكيين.

في مقابل ذلك، كشفت تقارير إعلامية أن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون كان من بين المستشارين المشجعين لترامب على البقاء في الاتفاقية، لكونها جيدة للشركات الأمريكية، وقد يعزل “الانسحاب” الولايات المتحدة على الصعيد الدولي.

وقال تيلرسون: “لا أعتقد أننا سنغير جهودنا المستمرة للحد من تلك الانبعاثات في المستقبل”.

وقلل تيلرسون من أهمية الانسحاب باعتباره “قرار سياسي” وحث المراقبين على مواصلة بحثه.

وأدى قرار ترامب إلى انسحاب أكبر اقتصاد في العالم من التزامات مكافحة الاحترار العالمي، إلا أنه لن يوقف مسيرة الشركات الأمريكية نحو الطاقة المتجددة أو جهود الدولة والحكومات المحلية في هذا المجال.

ربما يعجبك أيضا