نظرة على مستقبل تطوير الهيدروجين النظيف في «الهندوباسيفيك»

آية سيد
الهيدروجين النظيف

يضع كبار مستهلكي الطاقة في منطقة الهندوباسيفيك ومزودوهم التقليديون رؤى واستراتيجيات لتطوير اقتصادات قائمة على الهيدروجين النظيف.. فما تداعياتها على السوق العالمية؟


يبحث كبار المستهلكين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ومزودوهم التقليديون الدور المحتمل للهيدروجين النظيف في أنظمة الطاقة، وكذلك أدوارهم المحتملة في سلاسل الإمداد.

واستعرض تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، للزميلة في برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ، جين ناكانو، الرؤى والاستراتيجيات الوطنية للاقتصادات الآسيوية ومزودي الطاقة التقليديين بشأن الهيدروجين النظيف وتمويل مشروعات جديدة في المنطقة.

رؤى آسيوية لتطوير الهيدروجين النظيف

استعرض التقرير 5 أسواق آسيوية و4 دول مزودة للطاقة، موضحًا أن رؤى هذه الدول بشأن مستقبل الهيدروجين مدفوعة إلى حدّ كبير بموارد الدولة، ومواصفاتها الجغرافية، وروابط تجارة الطاقة، والهياكل الاقتصادية والصناعية، والكفاءة التكنولوجية. وأشار هنا إلى موقف اليابان وكوريا الجنوبية اللتان تعولان على الهيدروجين النظيف في نزع الكربون من الاقتصاد، وإنشاء صناعة تنافسية جديدة.

وأوضح أن استراتيجية “النمو الأخضر من خلال تحقيق الحياد الكربوني في 2050” اليابانية تحدد الهيدروجين واحدًا بين 14 قطاعًا رئيسًا يساعد الدولة في تحقيق هدفيّ نزع الكربون والتنمية الاقتصادية، مشيرًا إلى توقعات بأن تحقق الاستراتيجية عائدات اقتصادية بقيمة 880 مليار دولار في 2030، و1.8 تريليون دولار في 2050.

وبالمثل، يُعد الهيدروجين أحد القطاعات الرئيسة في “الاتفاق الجديد الأخضر” لكوريا الجنوبية تحت إدارة مون جاي إن، وتعتبر حكومة سيول الهيدروجين محركًا محتملًا للنمو الاقتصادي بقيمة 34 مليار دولار.

الصين والهند

تمتلك الصين والهند موارد هيدروكربونية ومساحات ضخمة من اليابسة الملائمة نسبيًا لمواقع البنية التحتية للطاقة، وهنا يذكر التقرير أن استخدام الهيدروجين النظيف، خصوصًا إنتاجه القائم على الطاقة المتجددة، يتناسب مع رغبة بكين ونيودلهي في زيادة قدرة الطاقة المتجددة التي قد تساعد بدورها في تعزيز أمن الطاقة.

ووفق التقرير، يهدف توسيع قدرة الطاقة المتجددة إلى تخفيف الارتفاع الحاد في الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري، بقدر ما يهدف إلى نزع الكربون بالنسبة إلى الصين والهند. وإضافة إلى هذا، فإن المصالح الاقتصادية والصناعية تدفع مساعي الصين والهند لإنتاج الهيدروجين.

ويلفت التقرير إلى أن الصين لديها اهتمام متزايد بتعزيز الابتكار التكنولوجي وتوسيع قدرة التصنيع، لتلبية الطلب الداخلي وخدمة الأسواق الخارجية. وبالنسبة إلى الهند، سيصبح الهيدروجين الأخضر سلعة تصديرية لدول مثل اليابان وكوريا الجنوبية.

جنوب شرق آسيا

يوجد تنوع هائل بين اقتصادات جنوب شرق آسيا من ناحية إنتاج الطاقة واستهلاكها، ويظهر هذا التنوع أيضًا في المستويات المتباينة لاهتمام الحكومات ونهجها تجاه اقتصاد الهيدروجين، فبحسب التقرير، الاهتمام بتطوير الهيدروجين في جنوب شرق آسيا محدود أكثر من الدول السابق ذكرها، لأن إنتاج الهيدروجين النظيف ونقله واستهلاكه يتطلب نفقات رأسمالية أولية كبيرة.

في هذا الشأن، تبرز سنغافورة دولة رائدة في تنمية اقتصاد الهيدروجين النظيف في جنوب شرق آسيا ومنطقة الهندوباسيفيك، وعلاوة على هذا، تستكشف العديد من الاقتصادات الإقليمية ذات الموارد الطبيعية، مثل ماليزيا، طرقًا لكسب الفرص الاقتصادية من سلاسل القيمة المتعلقة بالهيدروجين التي تظهر داخل المنطقة.

الدول المزودة بالطاقة

يرتفع الاهتمام بالهيدروجين بين الدول الغنية بالموارد الهيدروكربونية التي تُصدِّر الطاقة إلى آسيا، ويأتي التنويع الاقتصادي على رأس دوافع تطوير الهيدروجين النظيف. وبحسب التقرير، أظهرت أستراليا اهتمامًا كبيرًا بتطوير اقتصاد قائم على الهيدروجين النظيف، بصفتها دولة غنية بموارد الطاقة في منطقة الهندوباسيفيك، وتسعى لأن تصبح واحدة من أبرز 3 مصدرين إلى الأسواق الآسيوية، وترى إنتاج الهيدروجين فرصة لتنويع الاقتصاد، وجذب الاستثمارات، وتوفير الوظائف، وتنشيط العلاقات التجارية.

وبالنسبة إلى روسيا، يفيد التقرير بأن الدافع الأساسي وراء اهتمامها بالهيدروجين هو رغبتها في الحفاظ على أهميتها في نظام الطاقة العالمي، وحددت موسكو طموحاتها لتصدير الهيدروجين لتصبح 20% من حصة السوق العالمية بحلول 2030، ثم رفعتها ليصبح حجم التصدير 9.4 ميجا طن في العام بحلول 2050، ولكن الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات المترتبة عليها جعلت الغموض يحيط بمستقبل تطوير تلك الصناعة.

السعودية

بحسب التقرير، اهتمام السعودية بالهيدروجين مدفوع برغبتها في ضمان الأمن الاقتصادي، لأن تطوير هذا القطاع يساعدها في تلبية العديد من الأهداف الرئيسة لرؤية 2030، مثل تنويع الصادرات لتصبح أقل اعتمادًا على النفط وتطوير قطاعات صناعية جديدة.

وفي أكتوبر 2021، صرّح وزير الطاقة، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، بأن السعودية تريد أن تصبح أكبر مزود للهيدروجين في العالم، وتتمثل أهدافها للإنتاج في الوصول إلى 2.9 ميجا طن سنويًّا بحلول 2030، و4 ميجا طن بحلول 2035. ويذكر التقرير أن التركيز الحالي للسعودية هو كسب حصة سوقية كبيرة في الهيدروجين الأزرق، تحديدًا في صورة أمونيا زرقاء، في العِقد المقبل.

الإمارات

بصفتها أول دولة شرق أوسطية تعلن التزامها بالحياد الكربوني بحلول منتصف القرن، ترى الإمارات الهيدروجين محركًا اقتصاديًّا محتملًا وأداة رئيسة لمواجهة تغيّر المناخ، وحتى قبل إعلان خريطة الطريق لتحقيق الريادة في مجال الهيدروجين في قمة جلاسكو 2021، حددت الإمارات الهيدروجين “وقود المستقبل” في مساهمتها المحددة وطنيًّا بموجب اتفاقية باريس للمناخ.

ويلفت التقرير إلى أن الهيدروجين الأزرق والأخضر يساعدان النمو الاقتصادي المستدام للإمارات، التي يمكن أيضًا أن تنتهز الفرص الاقتصادية الكبرى بتصدير الهيدروجين منخفض الكربون، ومشتقاته ومنتجاته، إلى المناطق المستورِدة، خصوصًا أنها تستهدف الاستحواذ على 25% من السوق العالمية بحلول 2030.

التداعيات والتوصيات

يرصد التقرير أبرز تداعيات تطوير الهيدروجين النظيف في منطقة الهندوباسيفيك. وتشمل تداعيات على أمن الطاقة، منها تخفيف الاعتماد على واردات الهيدروكربون للدول ذات إمكانات الطاقة المتجددة القوية، إلا أنه قد لا يبدد مخاوف أمن الطاقة والمخاوف الجيوسياسية التي تشغل الدول حاليًّا.

ومن ضمن التداعيات الجيوسياسية أن الابتكار التكنولوجي وقدرات التصنيع في مجال الهيدروجين قد لا يكونا بمنأى عن المنافسة الجيوسياسية الحالية، وأن تجارة الهيدروجين النظيف قد تغيّر بعض علاقات الطاقة الثنائية.

وفي ضوء الاهتمام المتزايد بالهيدروجين النظيف في منطقة الهندوباسيفيك، يقدم التقرير توصيات لصناع السياسة الأمريكيين، وهي ضمان المرونة والقوة في سلاسل الإمداد، وإدراك فائدة أمن الطاقة للصادرات من الولايات المتحدة، وضمان الاستدامة البيئية في إنشاء سلسلة قيمة للهيدروجين.

ربما يعجبك أيضا