استراتيجية طموح وصعود اقتصادي.. لماذا تتجه كازاخستان شرقًا؟

رغم محاولة عدم الاعتماد التام على أي لاعب اقتصادي.. لماذا تتجه كازاخستان شرقًا؟

محمد النحاس

ابتكرت قيادة البلاد استراتيجية طويلة المدى للتغلب على إرث الاعتماد على النقل السوفييتي ورسم سياسة اقتصادية مستقلة، كما تسعى سياسة كازاخستان الخارجية إلى تنويع الشركاء التجاريين للبلاد لتجنب الاعتماد المفرط على أي لاعب في الاقتصاد العالمي.


شرعت كازاخستان رسميًا في تشييد خط السكك الحديدية الثالث مع الصين، ومن المتوقع أن يعزز خط السكة الحديد مزدوج الاتجاهات قدرات الشحن بين كازاخستان والصين بأكثر من الثلثين.

وسترتفع قدرات الشحن من 28 إلى 48 مليون طن سنويًا، ومن المتوقع إتمامه بحلول عام 2027، ستعمل السكك الحديدية أيضًا على تخفيف الازدحام عند المعبرين الحدوديين الحاليين، وهو جزء من استثمار الحكومة الكازاخستانية في خط السكك بطول 1300 كيلومتر.

جغرافيا مميزة

تسلط مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية الضوء على صعود كازاخستان اقتصاديًا، وكازاخستان تقع في آسيا الوسطى، ولها حدود مع الصين وروسيا، بحكم جغرافيتها تقع في منطقة متوسطة بين قوى كبرى وفي ذات التوقيت حلقة ما بين الشرق والغرب، وفي ظل جملة من العوامل داخلية والخارجية، والمحددات السياسية لدى الدول الغربية، تشرع دول آسيا الوسطى في “الاتجاه شرقًا”.

ونقلت المجلة الأمريكية عن رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، قوله في حديثه عن المشروع الواعد “جنبًا إلى جنب مع الرئيس شي جين بينج، بدأنا حقبة جديدة من العلاقات “الذهبية” بين كازاخستان والصين، وهي شراكة تمتد لثلاثين عامًا.

وقال توكاييف في مقابلة أجريت معه مؤخرا مع صحيفة إيجيمن كازاخستان : “في العام الماضي، عززت زيارتان للصين هذه الشراكة”، مردفًا أن كازاخستان يمكن أن “تتعاون أيضًا ضمن أطر متعددة الأطراف لضمان الاستقرار الإقليمي والأمن الدولي”، وتابع متفائلًا: “الهدف الاستراتيجي هو مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي لدينا بحلول عام 2029”.

نمو العلاقات مع الصين

شهد حجم التجارة الثنائية بين كازاخستان والصين توسعًا لا مثيل له، حيث ارتفع إلى مستوى غير مسبوق قدره 32.7 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2023.

وتبذل جهود حثيثة لتنويع الصادرات وزيادة الشحنات إلى الصين. فضلاً عن ذلك فإن الصين تقف الآن باعتبارها واحدة من أهم المساهمين في التنمية الاقتصادية في كازاخستان، حيث بلغت الاستثمارات التراكمية منذ عام 2005 نحو 24 مليار دولار أمريكي.

ووفقًا للمجلة، فإن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لكازاخستان، الذي يقع بين الشرق والغرب، والاشتراك في حدود مع الصين، يوفر آفاقًا واسعة لعبور البضائع الصينية. كما كان تنفيذ نظام الإعفاء من التأشيرة بين كازاخستان والصين أمرًا بالغ الأهمية، حيث أصبح مواطنو كازاخستان الآن معفيين من متطلبات التأشيرة عند زيارة الصين.

ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي

من المتوقع أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لكازاخستان لعام 2023، 259 مليار دولار، مما يمثل زيادة بنسبة خمسة عشر بالمائة عن عام 2022، وهو أعلى نمو في آسيا الوسطى، وتتجلى الديناميكيات الإيجابية أيضًا في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والذي من المتوقع أن يصل إلى ما يقرب من 13000 دولار، ووفقًا لأحد التقديرات لعام 2028، من المتوقع أن ينمو هذا الرقم بمقدار الثلث ليصل إلى 16800 دولار.

وتشرع كازاخستان في تقليص حجم الشركات المملوكة للدولة من خلال الخصخصة، وينظر في كازاخستان إلى الإرث الاقتصادي السوفييتي على أنه يستنزف الاقتصاد وعائقًا أمام الاستثمارات وقد بدأت الحكومة بالفعل في اتخاذ إجراءات في تحسين هذا الوضع.

ومن المتوقع أيضًا أن تعمل كازاخستان على تسريع عملية فك الارتباط الاقتصادي مع روسيا، ولو بشكل تدريجي، وتشير “الحقائق الاقتصادية” المرتبطة بتقاسم ثاني أطول حدود برية مشتركة في العالم مع روسيا إلى أن كازاخستان، حتى مع امتثالها للعقوبات ومضاعفة جهودها ضد التهريب، سوف تستمر في التجارة مع روسيا في حين تحاول الحد من اعتمادها عليها.

استراتيجية طويلة الأمد

ابتكرت قيادة البلاد استراتيجية طويلة المدى للتغلب على إرث الاعتماد على النقل السوفييتي ورسم سياسة اقتصادية مستقلة، كما تسعى سياسة كازاخستان الخارجية إلى تنويع الشركاء التجاريين للبلاد لتجنب الاعتماد المفرط على أي لاعب في الاقتصاد العالمي.

ومع ذلك، فإن الحجم الهائل للاقتصاد الصيني وتعطشه للمواد الخام يهددان باستبدال موسكو ببكين كقوة مهيمنة إقليمية وإحباط محاولات كازاخستان للتحول من اقتصاد يعتمد على النفط والغاز إلى اقتصاد أكثر تنوعًا، وفقًا للمجلة.

ورغم الأهمية الاستراتيجية لآسيا الوسطى وحوض قزوين، فإن الدول الغربية لم تول المنطقة الاهتمام الكافي، ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك غياب إطار استراتيجي مشترك لتحقيق الاستقرار والتنمية في قلب آسيا، وعدم التركيز بشكل كاف على تعزيز العلاقات السياسية الوثيقة مع البلدان الرئيسة في المنطقة، ومعارضة القوى الكبرى الأخرى التي تتنافس على النفوذ.

ربما يعجبك أيضا