استعادة طابا.. ملحمة دبلوماسية وقانونية تثبت الحق المصري

ضياء غنيم

لم تكن الخرائط وحدها فيصلًا في استرداد مصر السيادة على مدينة طابا وإثبات حق التاريخي بالأسانيد.. شبكة رؤية الإخبارية تستعرض ملابسات القضية.


تتعانق بطولات العسكريّة والدبلوماسيّة المصريّة في ذكرى عودة مدينة طابا للسيادة المصرية، التي حلت يوم 19 مارس، لتحكي تاريخ نضال متصل بأدوات مختلفة لتحرير الأرض.

وفي 29 سبتمبر عام 1988 أصدرت هيئة التحكيم التي عُقدت في جنيف بالإجماع حكمها التاريخي لصالح مصر، وقضت أن طابا مصرية، لكن استغرق الأمر 6 أشهر للاتفاق على طريقة التسليم بعد الحصول على حكم يجبر إسرائيل على تسليم المدينة.

زيارة السادات التاريخية تقص شريط المفاوضات

والتحم خلال معترك استعادة طابا، نخبة من ضباط القوات المسلحة مع دبلوماسيي الخارجية وأساتذة القانون والجغرافيا والتاريخ للدفاع عن حق استرداد 1090 مترًا مربعًا من أغلى أراضي الوطن، في مفاوضات استغرقت أعواما عديدة وانتهت إلى التحكيم الدولى.

وتستعرض شبكة رؤية الإخبارية المفاوضات الماراثونية لاستعادة طابا عبر شهادات متفرقة أدلى بها أعضاء وفد التفاوض المصري، مدير الإدارة القانونية بوزارة الخارجية ورئيس لجنة مشارطة التحكيم نبيل العربي، ورئيس لجنة التفاوض من القوات المسلحة ورئيس اللجنة المشرفة على انسحاب إسرائيل من سيناء، اللواء محسن حمدي، والخبير القانوني وعضو لجنة التفاوض، مفيد شهاب.

تعنت إسرائيلي ومحاولات للالتفاف

اكتسبت المفاوضات بين مصر وإسرائيل في 1977 زخمًا جديدًا عقب زيارة الرئيس السادات للكنيست في 19 نوفمبر من نفس العام، وتشكلت لجنة عسكرية برئاسة وزيري الدفاع بالبلدين، المشير عبدالغني الجمسي وعزرا وايزمان ولجنة سياسية برئاسة وزير الخارجية المصري إبراهيم كامل للاتفاق على تنفيذ القرار الأممي 242 بالانسحاب من الأراضي المحتلة في حرب 1967.

عُقد أول اجتماع للجنتي المفاوضات بقصر الطاهرة الرئاسي بمصر، لكن تعنت الجانب الإسرائيلي كاد أن يفشل المفاوضات لولا تدخل الرئيس الأمريكي وقتها جيمي كارتر، والدعوة لمحادثات بين الجانبين في كامب ديفيد، التي أسفرت عن توقيع وثيقة كامب ديفيد 1978 ومعاهدة السلام 1979.

14 نقطة خلافية تفجر أزمة طابا

ونصت الاتفاقية على الانسحاب في 3 مراحل تنتهي في 25 أبريل 1982، لكن برزت 14 نقطة خلافية نتيجة لتلكؤ إسرائيل في الانسحاب ومساعيها لفرض التواجد على أي نطاق جغرافي ولو محدود في أراضي سيناء للالتفاف على القرار الأممي وتطبيع هذا الوضع على الأراضي المحتلة عام 1967 في سوريا والأردن وفلسطين، لتظهر أزمة طابا للعلن في مارس 1982.

سعيًا لفرض تواجدها في طابا، عمدت إسرائيل لتغيير معالم المنطقة عبر طمس العلامة رقم 90 لإيهام الجانب المصري بأنها العلامة 91، وأزالت العلامة 91 الواقعة أعلى الهضبة الشرقية لوادي طابا، بعد إزالة الجزء الجنوبي من الهضبة خلال سنوات الاحتلال لشق طريق يربط إيلات بطابا، بحسب وزير الخارجية المصري السابق نبيل العربي.

لماذا اهتمت إسرائيل بالسيطرة على طابا؟

2022 637832871621275974 127

الأهمية الكبيرة التي مثلها وادي طابا الذي يشغل مساحة 1090 مترًا مربعًا بالنسبة لإسرائيل تعود في الأساس لـ 3 عوامل، أولها أنه منطقة حاكمة بالمعنى الاستراتيجي، خصوصًا في وجود هضبة تسمى “نقطة ركوب الخيل” تكشف المناطق المجاورة لها على جانبي الحدود، فضلًا عن إشرافها على خليج العقبة بما يضمن لها أفضلية ويعزز تواجدها في الممر المائي.

وتمتاز طابا بعامل اقتصادي لا يتوافر لإيلات المجاورة ويجعلها مقصدًا سياحيًا وهو احتوائها على شاطئ، كذلك يمثل الاستيلاء عليها مكسبًا سياسيًا مهمًا، عبر التحايل اللفظي على مضمون القرار الأممي 242 الخاص بالانسحاب من أراضي محتلة وليس كل الأراضي المحتلة.

ملحمة دبلوماسية وقانونية

لجأت مصر للمادة 7 من اتفاقية السلام، التي تحيل أي خلاف في المفاوضات بين الجانبين إلى التوفيق أو التحكيم، وفضل الجانب الإسرائيلي الحل التوفيقي باعتباره غير ملزم، ثم وافقت في يناير 1986 على التحكيم شريطة وجود مرحلة توفيقية ضمن إجراءات التحكيم، واتفق الطرفان مبدئيًا على امتناع إسرائيل عن إقامة أي منشآت في المنطقة، لكن الأخيرة خالفت ذلك الاتفاق.

شكّلت مصر فريقًا وطنيًّا في مايو 1985 برئاسة وزير الخارجية آنذاك عصمت عبدالمجيد و24 خبيرًا من دبلوماسيّين وعسكريّين وأساتذة قانون وجغرافيا وتاريخ لدحض الحجج الإسرائيليّة المستندة على اتفاقيّات من العهد العثماني، وقدّم الفريق المصري 29 خريطة من الأرشيف المصري والبريطاني والتركي والسوداني، وخرائط من الأرشيف الإسرائيلي نفسه تثبت انسحاب إسرائيل من طابا عام 1956، في المقابل قدّم الجانب الإسرائيلي 10 خرائط فقط.

عراقيل ومحاولات ابتزاز إسرائيلية

عراقيل عدة واجهت مصر خلال تلك المعركة القانونية، أبرزها أن الموقع كان لقوات الطوارئ الدولية الفاصلة بين مصر وإسرائيل، ولم يسجل تواجدًا عسكريًّا مصريًّا منذ 1956، كذلك مساعي إسرائيل لإيهام وتضليل الرأي العام العالمي ليس فقط عبر طمس معالم العلامات الحدودية 90 و91، بل الادعاء أيضًا أن العلامات المتفق عليها في اتفاقية 1906 جرى تعديلها عام 1915 بواسطة الضابط البريطاني توماس إدوارد لورانس المعروف بـ”لورانس العرب”.

ولم تتوقف المساعي الإسرائيلية عند هذا الحد، بل سعت لابتزاز الجانب المصري بالمقايضة بين النقاط الخلافية الـ13 الأخرى مقابل تنازل مصر عن طابا، كذلك طالبت بتأجير المنطقة بالمنشآت السياحية المقامة لمدة 99 عامًا بحق الانتفاع، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل.

شهادة دولية تحسم الحق المصري

لم تكن الخرائط وحدها فيصلًا في استرداد الأرض وإثبات الحق المصري بالأسانيد، فكان لزامًا الاستعانة بشهادة أفراد من القوات الدولية، لتقدم مصر شهادة 3 ضباط من الكتيبة اليوغوسلافية التي أثبتت أن مهمة الكتيبة في الفترة من 1956 إلى 1967 كانت تنفيذ دوريات تمر بأعلى الهضبة التي تمثل خط الحدود.

وتشكّلت المحكمة الدولية من 5 أعضاء بينهم حامد سلطان عن مصر، وروث لابيدوت عن إسرائيل، وعُقدت أول جلسة في ديسمبر 1986، واستمرت المرافعات حتى صدور الحكم في 29 سبتمبر 1988 بأن وداي طابا بأكمله وما عليه من منشآت سياحيّة أرض مصريًة خالصة، وكالعادة ماطلت إسرائيل في قبول القرار وتنفيذه حتى جلاء آخر عسكريّ إسرائيلي ورفع العلم المصري في طابا في 19 مارس 1989.

ربما يعجبك أيضا