استفتاء تركيا… يوم أسود في العلاقات الأوروبية التركية

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

ألمانيا ودول الاتحاد الاوروبي كانت على موعد مع نتائج تصويت الأتراك على تحول تركيا الى النظام الرئاسي يوم 17 ابريل 2017، رغم ان النتائج جائت حسب التوقعات والتقديرات الاوروبية.

هذه التوقعات تماشت مع تقارير مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لمراقبة الاستفتاء على التعديلات الدستورية  بتاكيدهم وجود الكثيرمن المخالفات. 

وجاء في التقرير المبدئي للبعثة أن استفتاء السادس عشر من أبريل2017 تم في ظل ظروف غير عادلة وان حريات أساسية تعرضت للتقييد في ظل حالة الطوارئ.

ولاتكمن اهمية نتائج الاستفتاء، بالعلاقات مابين تركيا والمانيا ودول الاتحاد الاوروبي بل في العلاقة المركبة مع مزدوجي الجنسية من الاتراك في المانيا، وكيفية التعامل معهم وفق الدستور الالماني.
 
تجدر الإشارة إلى أن 63,1 % من أفراد الجالية التركية في ألمانيا الذين يحق لهم الانتخاب صوتوا لصالح التعديلات الدستورية التي تمنح أدروغان صلاحيات موسعة، بينما صوت لصالح هذه التعديلات في تركيا 51.2 في المائة من الأتراك.
 
وكان “جوكاي صوفو أوغلو” رئيس الجالية التركية في ألمانيا قد أعرب عن قلقه إزاء تصويت غالبية أفراد الجالية لصالح التعديلات المثيرة للجدل في الدستور التركي. هذه النتائج سوف لاتنعكس على العلاقات السياسية بين الطرفين بل سوف تتعدى ذلك لتصل الى حد اعادة النظر بالقوانين الخاصة بمزدوجي الجنسية  داخل الدستور الالماني. 
 
وهذا مادفع رئيسة كلتة حزب اليسار في البوندستاغ، “سارة فاغنكنيشت” بمطالبة الحكومة توضيح موقفها، إلى جانب الديمقراطية ام ديكتاتورية أردوغان، وهذا مايعقد مشهد العلاقات بين البلدين. اما رئيس حزب الخضر الألماني المعارض “تجيم أوزدمير” فطالب الجالية التركية بإبداء المزيد من الولاء للدستور الألماني.

سخط ألمانيا
 
قال وزير الخارجية “سيغمار غابرييل” إن الموضوع في متناول يد تركيا، والقرارات ليس أمامها وقت طويل على الإطلاق، والانضمام ليس ممكنا على أية حال في الوقت الحالي.
 
واضاف على تركيا ان ألا تنآى بنفسها عن أوروبا، وأكد على الخط الأحمر للحكومة الألمانية والذي يتعين عنده وقف مفاوضات الانضمام، ويتمثل هذا الخط في إعادة تطبيق عقوبة الإعدام في تركيا.
 
وقالت ميركل إن الحكومة تنتظر من الحكومة التركية بعد الحملة الانتخابية ، السعي الآن إلى حوار قائم على الاحترام مع كل القوى السياسية وفي المجتمع. 
 
ورغم  تحفظ ميركل على تصريحاتها، التي باتت نمطية وومملة ازاء تصريحات اردوغان التي خرجت عن دائرة السياقات الدبلوماسية والعلاقات بين البلدين، فقد جائت تصريحات الساسة الالمان هذه المرة، اكثر سخطا، وهو مالم تعهده المانيا من قبل في مواقفها ازاء مجمل القضايا الدولية.
 
وترى “يوليا كلوكنر” مساعدة رئيسة الاتحاد المسيحي الديمقراطي من خلال المعطيات التي ظهرت في إستفتاء تركيا أنه لم يعد هناك مجال لانضمام أنقرة إلى الإتحاد الأوروبي وأن “أبواب انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي الآن مغلقة تماما.
 
كما أن المساعدات التي تحصل عليها تركيا في إطار مرحلة ما قبل الإنضمام قد ولَّت”. وكانما المانيا ودول اوروبا كانتا على موعد مع الاستفتاء التركي لوضع حد الى الملفات العالقة مع تركيا ابرزها ملف الاتفاق الاوروبي التركي وملف مناقشة دخول تركيا الى الاتحاد الاوروبي.
 
وقد وصف رئيس حزب الخضر “تجيم أوزدمير” يوم إستفتاء تركيا بأنه “يوم أسود لتركيا”، معتبرا أن نتائج الإقتراع أظهرت إنقساما في البلد حيث صوت حوالي 50 % لصالح الديمقراطية وضد الدكتاتورية، مضيفا “نحن نقف إلى جانب هؤلاء”.
 
ودعت أكلاوديا روث نائبة رئيس حزب الخضر إلى مراجعة شاملة للعلاقات مع تركيا.

التوصيات

ما تحتاجه المانيا ودول اوروبا في الوقت الحاضر، هو مراجعة موقفها من الجاليات التركية هنا، وان تكون اكثر تقربا لها من خلال عقد الاجتماعات وحضور المنتديات للجاليات التركية لتخفيض تاثير الجمعيات والمراكز التي تروج الى حكومة اردوغان ابرزها جمعية “ديبيت” في المانيا التي تمثل ذراع دعية قوي الى اردوغان، وابتعاد المانيا عن سياسات التهميش وصناعة الكراهية، التي تتغذى عليها حكومة اردوغان وتصريحاته.

ويجدر بالحكومة الالمانية تحديدا واوروبا مراجعة  قوانين حمل الجنسية المزدوجة في قضية الاتراك، لتخفيض تاثيرات حكومة اردوغان المتوقعة عليها ومساومتها بخضوعهم الى القوانين والعقوبات التركية غير الديمقراطية خلال زيارتهم الى تركيا، يذكر بان القوانين في اوروبا، تطلب من مزدوجي الجنسية خاصة البالغين تحديد موقفهم من جنسية البلد الام، كونها لا تستطيع توفير الحماية لهم في حال السفر الى الدولة الام، الا اذا تنازل عنها.
 

النتائج
 
ـ ان حكومة اردوغان اغلقت بنفسها ملف مناقشة دخول تركيا الى عضوية الاتحاد الاوروبي، بنتيجة الاستفتاء هذا الذي يمنح الرئيس الكثير من الصلاحيات غير الديمقراطية، واعادة عقوبة الاعدام في تركيا، والتي تعتبرها اوروبا خطا احمر.
 
ـ ان صفقات السلاح الالمانية والاوروبية الى تركيا باتت في موضع مراجعة، وهناك ضغوطات كبيرة من الاحزاب المعارضة والراي العام في اوروبا، تطالب الحكومات الاوروبية، بعدم تسليح حكومة اردوغان بالسلاح خاصة الاسلحة الاستراتيجية المتطورة.
 
ـ التواجد الالماني وربما الاوروبي في تركيا، قاعدة “انجرليك”، بات مهددا ويخضع لمساومة اردوغان، وكثيرا ماشهد الكثير من العراقيل بينها منع اردوغان الى اعضاء في البرلمان الالماني وفي الحكومة الالمانية بزيارة قواتها في قاعدة “انجرليك”.
 
ـ سوف تتصاعد الاصوات داخل المانيا للمطالبة باخراج تركيا من “الناتو”، مابعد هذا الاستفتاء، وهذا يعني بان الناتو ودول اوروبا سوف تبحث عن قواعد جديدة في دول المنطقة خاصة المجاور الى تركيا، التقارير ذكرت بان كوردستان العراق والمناطق التي يسيطر عليها الاكراد في سوريا باتت مرشحة لكي تكون بديلة عن قاعدة  انجرليك.
 
ـ  الاتفاق الاوروبي التركي حول اللاجئين الموقع مطلع عام 2016، بات في حكم الملغي وعفى عليه الدهر، في ظل خطط وسياسات اوروبية جديدة.
 
ـ العلاقات السياسية مابين تركيا والمانيا من جانب ودول الاتحاد الاوروبي من جانب اخر سوف تشهد تدهورا اكثر، وان اردوغان سوف يستمر بتصعيد خطابه السياسي ضدها واتهامها ب”النازية”
 
ـ  رغم حرص دول اوروبا، بالاحتفاظ بتركيا، دولة جارة الى الاتحاد وليس شريكا، فان حكومة اردوغان سوف تتجه اكثر نحو موسكو، وهذا مايعتبر نقطة ضعف دول اوروبا وربما تكون وراء تحفظ بعض  زعماء اوروبا، من عدم توضيح مواقفهم الحقيقية، خوفا من اندفاع تركيا اكثر الى موسكو، وهذا مابات متوقعا.
 
ـ ان حكومة اردوغان سوف تستغل الجالية التركية في المانيا واوروبا لتنفيذ مصالحها، التي تكمن احراج دول اوروبا بموقفها من الاحزاب المعارضة الى اردوغان، ابرزها جماعة “غولن” وكذلك الجماعات الكوردية التركية الموجودة في اوروبا.
 
تكمن استغلال انقرة لورقة الجاليات التركية في اوروبا، تحشيد المسيرات والتجمعات، وهذا مايسبب صداع راس الى اوروبا، مع احتمالات تصعيد الخلافات التركية ـ التركية على اراضي اوروبا ربما تصل الى حد التصفيات المسلحة، وهذا ما لاتريده المانيا ودول الاتحاد، لانها لاتحتاج مزيدا من حالة انذار والتاهب في مواجهة تهديدات امنها القومي الى جانب تهديدات اليمين المتطرف والجماعات الاسلاموية والفاشية.
 
ـ تقارب حكومة اردوغان مع جماعات اسلامية متطرفة منها جماعات الاخوان والسلفية المتطرفة، من شأنها تعمل على زعزعة الامن في المانيا واوروبا، وهذا ما اكدته اجهزة الاستخبارات الالمانية في تقارير سابقة من عام 2016.
 
ـ من المرجح ان تتجه حكومة اردوغان نحو العمل السري الاستخباراتي داخل المانيا واوروبا، وتنشط استخباراتيا من خلال شبكة عملاء سريين، تقدر بعشرات الالاف، تحت غطاء منظمات اسلامية او جمعيات وفقا لتقارير الاستخبارات الالمانية، وسوف يندفع اردوغان في هذا المسار اكثر، كونه بات على يقين بانه خسر الاتفاق الاوروبي وملف مناقشة عضوية تركيا في الاتحاد، وتقربه من موسكو سوف يشجعه على اداء هذا الدور اكثر.

ربما يعجبك أيضا