الأسرى وقود حملات الانتخابات الإسرائيلية‎

محمود

رؤية – محمدعبدالكريم

مع اقتراب موعد الانتخابات في الكيان الصهيوني، يلجأ اليمين الإسرائيلي الحاكم لاستمالة الرأي العام المتطرف في إسرائيل إلى جانبه عبر إلحاق أكبر قدر من الأذى بالفلسطينيين خاصة الأسرى منهم.

وشهد العام 2018 تطرفا كبيرا من قبل الكنيست الإسرائيلي في تقديم مشاريع قوانين وتشريعات عنصرية بحق الحركة الأسيرة، كان أبرزها: مشروع قانون طرد عائلات منفذي العمليات، وقانون خصم الأموال التي تدفعها السلطة الفلسطينية، وقانون إلغاء الإفراج المبكر، ومشروع قانون إعدام الأسرى، وقانون عدم تمويل العلاج للجرحى والأسرى، وقانون التفتيش الجسدي والعاري للمعتقلين ودون وجود شبهات، وقانون منع الزيارات العائلية لأسرى تنظيمات تحتجز اسرائيليين، وقانون احتجاز جثامين الشهداء.

جملة القوانين تلك لم تكن كافية من وجهة نظر اليمين المتطرف لكسب ود عنصرية الجمهور الإسرائيلي، فقد عمدت إدارة سجون الاحتلال لتركيب أجهزة تشويش مسرطنة في كافة السجون، وهو ما دفع الأسرى الفلسطينيين قبل أيام إلى أكبر حراك جماهيري في كل ساحات العمل في الضفة الغربية وغزة والقدس والأرض المحتلة عام 1948 والشتات.

وتشن إدارة سجون الاحتلال، هجمة مسعورة تجاه الأسرى في السجون، حيث تواصل فرض عقوبات عليهم إضافة لاقتحام قوات القمع لعدد من الأقسام في سجن النقب الصحراوي وهي “3،5،7” وإجراء تفتيشات غير مسبوقة.

ويستخدم الاحتلال ولأول مرة طائرة مروحية تتابع وتصور عملية الاقتحام لقسم 7، والذي جرى بمشاركة وحدتي “ديروم و كيتر” الخاصة، وعشرات من عناصر شرطة السجن، كما جرى الاقتحام والتفتيش والتنكيل بوجود الأسرى داخل القسم، وليس خارجه كما يجري في كل عمليات التفتيش.

وانتهى الاحتلال  من تركيب “7” أجهزة تشويش في قسم “3”، كذلك بتركيب “8” أجهزة كبيرة في قسم “٤”، تعتلي أقسام الأسرى، ويصدر عن هذه الأجهزة إشعاعات قوية، وأثرت على بث الراديو والتليفزيون وأدت إلى انقطاعها بشكل كامل تقريبًا، إضافة إلى شعور العشرات من الأسرى بصداع وآلام في الرأس.

وأعلن الأسرى البدء بتصعيد تدريجي ضد إجراءات الاحتلال، مشيرا إلى أنهم كانوا أوقفوا التمثيل الاعتقالي “حل التنظيم” في أقسام “3.4.5”، وتوقفت لجنة النظافة عن العمل، الأمر الذي أدى إلى تكدس القاذورات في الأقسام وترفض الإدارة إزالتها، ويدرس الأسرى خطوات أخرى للرد على جرائم الاحتلال بحقهم، مع تضامن كامل من كافة السجون.

وأكدت الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، أن الأسرى ذاهبون حتى النهاية في مواجهة أجهزة التشويش التي ينوي الاحتلال تركيبها بالسجون، منبهة إلى أن الاحتلال “يريد حرقنا وقتلنا من خلالها ولو كلفنا ذلك كل الأثمان”.

وشددت الحركة الأسيرة على أن هذه لحظات حرجة من تاريخ الحركة الأسيرة لم يسبق لها مثيل منذ عشرات السنوات، فهم يتعرضون لهجمة كبيرة منظمة وممنهجة من قبل الاحتلال وكان آخر فصولها تركيب أجهزة تشويش خطيرة ومسرطنة وتمنع التقاط موجات الراديو والتلفاز وتسبب الصداع للأسرى.

ووجه الأسرى رسالة لمجلس حقوق الإنسان المنعقد في الأمم المتحدة قائلين: “نحن آدميون خلقنا الله أحرارا، نحن أحد نتائج ومخرجات هذا الاحتلال المجرم وعليكم أن تتحملوا مسؤولياتكم تجاهنا إلى أن ينجلي هذا الاحتلال عن كل أرضنا المحتلة”.

حملة لا تبدو منفصلة عن مقتضيات اقتراب الانتخابات الإسرائيلية التي يحاول صقور “اليمين” تعزيز أوراقهم الدعائية فيها، بتصعيد عمليات التنكيل بالأسرى. على رأس أولئك، وزير الأمن جلعاد أردان الذي لا يمانع الذهاب في “مخيلته الشريرة” إلى أبعد مدى من أجل حيازة أصوات حزبه “الليكود”، وحجز مكان له على قائمة الأخير الانتخابية.
توصيات أردان “المتوحّشة” تُعدّ ذروة مسار “قانوني” قادته الأحزاب “اليمينية” داخل الكنيست منذ أشهر، مستهدفة توسيع دائرة القوانين التي من شأنها التضييق على الأسرى، وإعادة انتزاع المكاسب التي كانت الحركة الأسيرة قد تمكّنت من تحقيقها على مرّ سنوات نضالها.

اردان وضع قانوناً حمل اسمه، هدفه التضييق على الأسرى، بعدما كان أوكل إلى لجنة أعلن تشكيلها في 13 حزيران/ يونيو الماضي مهمة دراسة أوضاع الأسرى، وكيفية تجريدهم من الحقوق التي حصّلتها الحركة الأسيرة نتيجة نضالاتها في قلب السجون. رأى أردان، الذي تعكس توصياته إلى أي مدى يمكن أن تصل فظاعة “مخيلة الشرير”، أن الأسرى يعيشون نوعاً من “الرفاهية” ولذلك نصّ قانونه الجديد على وقف الاعتراف بممثّلي المعتقل، وتحديد كمية المياه لكل أسير، وإخلاء العنابر والأقسام من أدوات الطبخ لمنع الأسرى من إعادة طهو الطعام المقدّم لهم من قِبَل إدارة السجن، وإلغاء الفصل بين أسرى الفصائل المختلفة، وتقليص الزيارات العائلية إلى حدّها الأدنى، ومنع الأسرى من شراء المنتجات الغذائية من خارج السجن، وتقليص إمكانية الشراء من مقصف السجن أو “الكانتينا”.

من جهتها، رأت صحيفة “هآرتس” العبرية أن “توقيت عمليات التفتيش، وحملة العلاقات العامة التي حظيت بها، والشدة التي أبدتها قوات مصلحة السجون وقوات الشرطة، ليست صدفة”.

وأشارت إلى أن “الناطقة بلسان مصلحة السجون قدمت صوراً وأشرطة لوسائل الإعلام الإسرائيلية فور الاجتياح وربطت الصحيفة الأمر بالانتخابات البرلمانية عامة، والانتخابات الداخلية التي يجريها حزب الليكود لاختيار مرشحيه، حيث يريد الوزير أردان أن يحظى بأصوات كوادر الحزب ليرشّح نفسه عن القائمة، وأشارت إلى عوامل الاكتظاظ في السجون، وانعدام المساحات، والظروف الإنسانية المهينة التي يعمل أردان على زيادتها، لكسب المزيد من الأصوات، عبر استغلال قمع الأسرى في حملته الدعائية للانتخابات.

وكخطوة تصعيدية وإعلان للاستنفار في سجون الاحتلال، أعلنت الحركة الأسيرة، حلّ كافة الهيئات التنظيمية في “سجن النقب وسجن نفحة وسجن ريمون وسجن ايشيل” كخطوة تصعيدية أمام إدارة السجون.

ويعرف مفهوم “حل التنظيم” في سجون الاحتلال بأنه إعلان للاستنفار يعني أن يقوم كل تنظيم “فصيل” في السجون بحلّ نفسه وإعلان عدم مسؤوليته أو تعامله مع إدارة السجن، وعليه يصبح كل أسير سيكون ممثل لنفسه وعلى إدارة السجون أن تتعامل مع كل منهم ممثلا لنفسه.

وهو كذلك يعني بأنه إشارة تصعيد من قبل الأسرى لمواجهة التحديات المفروضة عليهم من قبل إدارة السجون، يتمثل بنقل الحالة من علاقة منظمة بوجود التنظيم إلى حالة انفلات داخل المعتقل.

اللجوء إلى خطوة “حل التنظيم” تعني بأن كل شيء يصبح متاحًا بعدها، وهو إشارة متقدمة يرمز لها من قبل الأسرى أنها حركة نضالية متقدمة في الصراع مع الاحتلال.

الخطوة مرهقة جدًا للاحتلال، وكذلك ترفع حالة التأهب والحذر لدى إدارة سجون الاحتلال، كما تدفع خطوة “حل التنظيم” بأن تصبح إدارة السجون ملزمة بتوزيع الطعام على الأسرى بشكل منفرد “غرفة غرفة وأسير أسير”، وكذلك تصبح مضطرة لجمع القمامة من الغرف وإخراجها من الأقسام.

وإدارة السجون تصبح مجبرة على متابعة المحاكم وإخراج الأسرى وإبلاغهم بموعد المحاكمة والإخراج للطبيب وتسجيل دور الأسرى، وبقية التفاصيل التي تعني المسؤولية المباشرة على الأسرى بدلًا من  تعاملها السابق مع ممثل التنظيم.

خطوة حل التنظيم ليس جديدة، فتاريخيًا أقدمت الحركة الأسيرة على اتخاذ الخطوة كتوجه تصعيدي، وفي كلّ مرة كانت إدارة سجون الاحتلال تتسارع للوصول إلى اتفاق. مستدركًا “لكن خطوة اليوم قد تكون الأوسع على مستوى السجون لأنها تتضمن أكثر من سجن وأكثر من تنظيم مشارك”.

ربما يعجبك أيضا