الأسلحة الكيميائية.. حلقة جديدة في فلك التوتر الغربي الروسي

حسام السبكي

حسام السبكي

ملف جديد، يفتح نفسه مجددًا على أفق العلاقات الغربية الروسية، التي تعيش توترًا أزليًا، منذ حقبة الحروب العالمية الأولي والثانية، وزادت مع الحرب الباردة، وما تبعه من توجه أوروبي “للاحتماء” بالحليف الأمريكي القوي، ضد الغول السوفيتي، في الثمانينيات والتسعينيات، من القرن الماضي، والذي ما لبث أن خفت قليلًا، في عهد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، الذي شكل حالة غير مسبوقة ولم تشهدها أمريكا من قبل، حتى وصف الرئيس الـ45 للولايات المتحدة ذاته، بأنه “مندوب روسيا” في بلاد العم سام، إلا أنه ومع عدم تولي الإدارة الديمقراطية لمقاليد السلطة في البيت الأبيض، بدت ملامح السياسة الجديدة، والتقليدية في الحقيقة، إزاء العلاقات الأمريكية الروسية غير المنسجمة، والتي كان في آخر ملامحها، ملف الأسلحة الكيميائية.

الأسلحة الكيميائية

8427616240b8

نبدأ من آخر حلقات الأزمة، إذ وجهت روسيا اتهامًا صريحًا ومباشرًا، للولايات المتحدة، وحلفائها، بالسعي إلى تحويل منظّمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى أداةٍ لتحقيق مصالحهم.

وخلال جلسةٍ للجمعية العامة للأمم المتحدة، الأربعاء الماضي، أكد نائب المندوب الروسي لدى المنظّمة الدولية دميتري بوليانسكي، أنّ المواقف الغربية كانت واضحةً بشكلٍ خاص أثناء التحقيقات في الحوادث المحتملة لاستخدام السلاح الكيميائيّ في سوريا، عندما تمّ تحميل دمشق كامل المسؤولية في غياب أدلّةٍ كافيةٍ.

بوليانسكي قال: “كل يوم تتكاثر التأكيدات لمساعي الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والأطلسيين إلى تحويل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهي هيئة دولية فنية مختصة، إلى أداة لتحقيق مصالحهم الجيوسياسية“.

ودعا بوليانسكي إلى محاربة انتشار الأسلحة الكيميائية، وطالب منظمة حظر الأسلحة أن تعير اهتمامها للولايات المتحدة ذاتها، قائلاً إنه “سيكون من المنطقي أن تقدم المنظمة تقريراً حول التقدم في إتلاف الترسانة الكيميائية للولايات المتحدة، الذي لم ينته بعد“.

وناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس، مشروع قرار حول التعاون مع منظمة حظر الأسلحة في التحقيق في الاستخدام المحتمل للأسلحة الكيميائية في سوريا. ووصفت روسيا الوثيقة بأنها “غير متوازنة ومسيسة للغاية“.

بدورها، أعلنت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات على موسكو، تقدم نفسها كمناهض لاستخدام ونشر الأسلحة الكيميائية، على الرغم من أنها لم تدمر مخزونها بعد، في حين أن روسيا دمرت مخزونها.

زاخاروفا وعبر قناة “سولوفيف لايف” على يوتيوب أشارت إلى وجود “دليل رئيسي على عبثية ما يحدث، وهو أن الولايات المتحدة تولت دور المحارب لحظر إنتاج الأسلحة الكيماوية، على الرغم من حقيقة أن روسيا أوفت بالتزاماتها منذ عدة سنوات بالتخلص من الأسلحة الكيماوية، في حين أن الولايات المتحدة، التي أخذت على عاتقها التزامات لم تف بها، ولا تزال هذه الأسلحة الكيميائية في حوزتها، ولم يتم التخلص منها“.

وفي سياق العقوبات، أعلنت الولايات المتحدة، على غرار الاتحاد الأوروبي، فرض حزمة من العقوبات تشمل مؤسسات روسية ومسؤولين روس رفيعي المستوى، تعتبرهم واشنطن على صلة بقضية المعارض الروسي أليكسي نافالني.

قضية نافالني

?m=02&d=20201005&t=2&i=1536220342&r=LYNXMPEG941BJ&w=800

شكلت قضية المعارض الروسي، المحتجز حاليًا لدى السلطات في موسكو، محورًا شائكًا في التوتر الغربي الروسي، وبصرف النظر عن تفاصيله المتشعبة، فبعد أن تبادلت السلطات الروسية والألمانية التُهم بعدم التعاون في قضية نافالني، تتوجه الأنظار صوب التحقيق الذي تقوده “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” (OPCW) للكشف عن برنامج “نوفيتشوك”، الذي طوره العلماء السوفيات في السبعينيات، والذي يُفترض أن يُطرح في اجتماعات المنظمة المقبلة، وقد يثير معركة “دبلوماسية كيميائية” بين موسكو وواشنطن.

الادعاء الروسي ذكر أن الرد الألماني على طلب روسيا تضمن “رفضا متكررا للتعاون فيما يتعلق بالظروف التي أوصلت نافالني إلى المستشفى”، معتبرا أن الجانب الألماني يتهرب من “الأسئلة المحرجة”، في المقابل يدرس وزراء الخارجية في دول أوروبية عدة إمكانية فرض عقوبات على حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل احتجاز المعارض الروسي.

وتقول المختبرات الأوروبية إن آثارا لغاز الأعصاب من نوع “نوفيتشوك” ظهرت في جسد نافالني، في المقابل تؤكد روسيا أنّه لم يتم العثور على أيّ سمّ في جسده.

و”نوفيتشوك” هو مصطلح روسي يعني “الوافد الجديد”، وهو اسم لمجموعة من مثبطات لإنزيم الكولينستراز، الذي يحجب عمليات الاتصال بين الأعصاب والعضلات ويتسبب بالشلل.

وفي خضم هذا كلّه، يُنتظر أن يلحظ اجتماع “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” (OPCW) الذي سيُعقد في الأشهر المقبلة، هذه المسألة ويتحدث عنها بالتفصيل. وتتحضّر موسكو لخوض غمار المعركة التي تعدّ لها الولايات المتحدة بمساعدة حلفائها، إذ تتهم روسيا الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية في التسويق لمبادرة داخل المنظمة من أجل حظر استخدامها لهذه المواد، التي تُصنف من بين المخدرات شديدة الفعالية، التي تؤثر على الجهاز العصبي.

وتقول دوائر القرار في الكرملين إنّ ممثلي الولايات المتحدة داخل المنظمة يقومون بالتسويق لمبادرة بين حلفائهم الأوروبيين، ترمي إلى “اتهام روسيا باستخدام مثل هذه المخدرات”.

الأزمة السورية

وفي إطار “الاتهامات الكيميائية”، واجهت روسيا هجومًا أمريكيًا آخر، تمثل في اتهام سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد، خلال مؤتمر عبر الفيديو في مجلس الأمن الدولي، موسكو بـ”تعطيل كل الجهود” لتحميل دمشق مسؤولية استخدام أسلحة كيميائية.

وأضافت “ندرك جميعا أن نظام الأسد استخدم بشكل متكرر أسلحة كيميائية. فلِمَ لم تحمل الحكومة السورية مسؤولية ذلك؟ لأن دمشق وقفت في وجه ذلك” فيما أن حلفاءها “لا سيما روسيا سعوا إلى تعطيل كل الجهود المبذولة لتحميلها المسؤولية”.

وتابعت “للأسف الجواب بسيط: حاول نظام الأسد تجنّب المحاسبة عبر عرقلة التحقيقات المستقلة وتقويض دور وعمل” منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

وأضافت الدبلوماسية الأمريكية أن “حلفاء النظام وخصوصا روسيا سعوا لإعاقة كل الجهود الرامية للمحاسبة”.

نفي وتهديد

%D8%AF%D9%85%D9%8A%D8%AA%D8%B1%D9%8A %D8%A8%D9%8A%D8%B3%D9%83%D9%88%D9%81 %D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AB %D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%85 %D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9

وبعيدًا عن تفاصيل كثيرة حول الملف الكيميائي بين روسيا والغرب، فقد نفى المتحدث الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، يوم الجمعة الماضي، الاتهامات الموجهة لبلاده بشأن حيازة أسلحة كيماوية، مؤكدًا أنها اتهامات لا أساس لها من الصحة.

وردًا على الأنباء الإعلامية المتداولة حول نية بريطانيا والولايات المتحدة فرض عقوبات إضافية على روسيا، وزيادة الضغط عبر منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، قال بيسكوف: “تطلق واشنطن اتهامات لا أساس لها على الإطلاق ضد روسيا، وتزعم وجود أسلحة كيماوية على أراضيها، لا توجد ولا يمكن أن تكون أي أدلة وبيانات حقيقية تشير إلى هذا الأمر”.

وتابع متحدث الرئاسة الروسية: “أعلنت روسيا تدمير جميع الأسلحة الكيماوية الموجودة على أراضيها منذ سنوات عديدة، وقد امتثلت روسيا بالكامل لأحكام الاتفاقية ذات الصلة، وليس لدى روسيا أسلحة كيماوية”، مضيفًا: “نتوقع أن يقوم بعض نظراؤنا بذلك، ويمتثلوا أيضا لأحكام هذه الاتفاقية، وكما تعلمون هناك عدد من الدول التى لديها أسلحة كيماوية على أراضيها، بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية”.

في نوفمبر من العام الماضي، لوحت روسيا باحتمالية الانسحاب من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، على ضوء “التحيز المزعوم” من قبل المنظمة الدولية للغرب.

file 20180318 104645 1kusri1.jpg?ixlib=rb 1.1.0&q=45&auto=format&w=1200&h=1200

في هذا السياق، قال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إن بلاده قد تفكر في الانسحاب من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إذا استمرت المنظمة في سياسة الانحياز ضد دول معينة.

وقال نيبينزيا في تصريح لوكالة “نوفوستي”: “تخيلوا لو أننا انسحبنا من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، سيقولون هذا المطلوب إثباته، ولكن إذا فقدت (المنظمة) كل مصداقيتها وأصبحت مجرد مكان لإصدار القرارات المتعلقة بالأنظمة غير المرغوب فيها، فمن المحتمل أن نفكر في الأمر، لكننا لن نقوم بخطوات مفاجئة … وحول الخروج من المنظمة لا ننصح كذلك الآخرين“.

وحول انحياز المنظمة في مواقفها، أشار نيبينزيا إلى الاتهامات التي تم توجيهها إلى السلطات السورية باستخدام الأسلحة الكيميائية، والتي أكدت موسكو ودمشق عدم وجود أي دليل على هذه الاتهامات.

وأضاف نيبينزيا أن ما جرى مع العميل السابق، سيرغي سكريبال، والناشط، أليكسي نافالني، كذلك يأتي في إطار انحياز المنظمة التي لم تستند في بياناتها إلى أي حقائق أو دليل.

وشدد المندوب الروسي في الوقت نفسه على موقف بلاده، التي تعتبر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية منظمة مهمة، رغم أنها تفقد مصداقيتها.

ربما يعجبك أيضا